لم تكتف الحكومة بالدمار الذي ألحقته قواتها المشتركة وميليشياتها بمناطق بعينها من خلال العمليات العسكرية المستمرة ، وإنما تقوم بالتنكيل بأبناء هذه المناطق ومعاقبتهم جماعيا بذرائع واهية وبلا ذنب ولا جريرة ، في غضون ذلك ، قالت “هيومن رايتس ووتش” ، اليوم الخميس ، إن قوات مسلحة محلية في قضاء البعاج، شمالي العراق، أصدرت أمرا في فبراير/شباط 2018 بمنع عودة أقارب أعضاء ( داعش ).

وذكرت المنظمة أن “ذلك سيمنع مئات الأشخاص، إن لم يكن الآلاف، من العودة إلى منازلهم”.

وقالت “لما فقيه” نائبة المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش إن “مرسوم البعاج هو أحد أوضح الأدلة حتى الآن على العقاب الجماعي الذي تمارسه السلطات العراقية بحق أقارب المشتبه في انتمائهم إلى ( داعش ) ، ويجب مساءلة القوات المحلية والحكومة المركزية حول هذا التمييز”.

وأضافت فقيه إنه “إذا كانت الحكومة العراقية جادة في تأكيدها أن أقارب المشتبه بكونهم من ( داعش ) أبرياء ويجب معاملتهم على هذا النحو، عليها منع القوات العسكرية والأمنية المحلية من الانتقام منهم. لكن التحقيقات تظهر أن الحكومة المركزية لم تتخذ أي إجراءات فعالة لمنع قواتها من فرض العقاب الجماعي”.

وأوضحت المنظمة أنه “في 10 أبريل/نيسان، راجعت هيومن رايتس ووتش محضرا من صفحة واحدة لاجتماع البعاج، 130 كيلومتر غرب الموصل، بتاريخ 7 فبراير/شباط. ضم الحضور قادة من فيلق بدر التابع لقوات الحشد الشعبي ، القوة المسيطرة على المنطقة والتي تتبع رئيس الوزراء “حيدر العبادي” ضم أيضا القائمقام ومجموعة من شيوخ العشائر والمخاتير. يظهر المحضر أن العقاب الجماعي جزء من السياسات في هذا القضاء”.

وتابعت المنظمة أنه “وفقا لمَصدرين في البلدة، كان عدد سكان البعاج 13 ألفا قبل سيطرة ( داعش ) عليها عام 2014. فر معظم السكان من المنطقة إلى مخيمات النازحين في 3 يونيو/حزيران 2017 عندما استعادت مجموعات الحشد الشعبي المنطقة من ( داعش ). ومنذ ديسمبر/كانون الأول، عاد حوالي ألف شخص فقط حسبما ذكرت المصادر”.

ولفتت المنظمة إلى أن “باحثي هيومن رايتس ووتش، الذين زاروا بلدة البعاج في 10 أبريل/نيسان، وجدوا أنها خالية إلى حد كبير، وقِلة متواجدون في الشوارع والمباني المتضررة والمهجورة. قبل صدور أمر فبراير/شباط، كان على السكان الحصول على تصريح أمني للعودة، مختوم من قبل شيخ عشيرتهم ومختارهم ، لكن محضر اجتماع فبراير/شباط ينص على ما يلي: على الشيخ أو المختار عدم الختم لأي شخص لديه [إبن، أو أخ، أو أب] في ( داعش ) ويتم محاسبة أي مختار أو شيخ في حالة التوقيع لشخص ينتمي إلى ( داعش ) أو لديه [أخ، ابن، أو أب] منتمي إلى ( داعش ) ، وعلى كل شخص صدر له تصريح أمني ولديه [أب، ابن، أو أخ عضو في ( داعش ) على المختار التبليغ عنه لدى الجهات الأمنية”.

وبينت المنظمة أن “الوثيقة تحمل أختام المسؤولين في الاجتماع، بمن فيهم ضباط المخابرات من فيلق بدر الذين أصدروا الأمر، ومجلس القضاء. وتحمل أيضا تواقيع 23 مختارا على ظهرها”.

وأشارت المنظمة إلى أن “أحد المصادر قال إنه من بين سكان البعاج الـ 12 ألفا الذين ما زالوا في المخيمات، أقدّر أن 20 بالمئة منهم لديهم قريب مباشر انضم إلى ( داعش )، وبالتالي لن يتمكنوا من العودة بناء على هذه الأوامر. إذا خرق أي من الشيوخ أو المخاتير القواعد وختم التصريح الأمني ​​لعائلة تضم عناصر من ( داعش )، ستعتقله قوات الحشد الشعبي للاستجواب”.

وبحسب المنظمة فإن “القانون الدولي يسمح بفرض عقوبة فقط على المسؤولين عن ارتكاب الجرائم، وذلك بعد محاكمة عادلة لتحديد مدى جرمهم. وينتهك فرض العقوبات الجماعية على الأسر أو القرى أو المجتمعات قوانين الحرب، ويمثل جريمة حرب. وبالمثل، فإن إجبار السكان المدنيين على النزوح القسري لأسباب تتعلق بالنزاع، باستثناء أسباب عسكرية حتمية أو لحمايتهم، هو جريمة حرب”.

وذكرت المنظمة أن “العديد من المسؤولين الحكوميين أكدوا لـ هيومن رايتس ووتش أن أقارب المشتبه بهم من ( داعش ) أبرياء في نظر القانون، وأن الحكومة لا تتبع أي سياسات تسمح بالتمييز ضدهم. لكن هيومن رايتس ووتش أجرت مقابلات مع مئات العائلات التي عوقبت لارتباط أحد أقاربها بـ( داعش )”.

وأكدت المنظمة أن “بعض الأقارب الذين تمت مقابلتهم كانوا سجناء بحكم الواقع في المخيمات، أو حُرموا من وثائق الهوية المطلوبة، وواجهوا مجموعة من العقوبات التعسفية مثل الإبعاد من قوائم المستفيدين. وقالت جميع العائلات والمحامين والمخاتير الذين تمت مقابلتهم إن العقبة الأساسية هي عجز الأسر عن تجاوز الفحص الأمني من وزارة الداخلية والمخابرات والأمن الوطني بسبب الاشتباه في انتماء أقاربها إلى ( داعش ). لكن هذه الفحوصات ضرورية لتسجيل الولادة، الوفاة، أو الزواج، أو الحصول على بطاقة هوية أو بطاقة معونة، أو الحصول على وظيفة أو الالتحاق بالمدرسة. كما أنها ضرورية لطلب تعويض عن الخسائر أثناء الحرب أو الحصول على تعويض قضائي”.

وأردفت المنظمة أنه “على السلطات المحلية إلغاء أي قرارات تستهدف أُسر من يشتبه في أنهم من ( داعش )، وإزالة أية عقبات تحول دون حصول العائلات على الوثائق المدنية والتعويضات، واللجوء إلى القضاء. وعلى رئيس الوزراء العبادي إصدار مرسوم يلزم السلطات المحلية بإلغاء أي مراسيم مشابهة، ووضع حد للنزوح القسري ، وعلى السلطات تسهيل عودة العائلات التي تريد العودة إلى المناطق غير المتأثرة بالعمليات العسكرية الجارية فورا، من المخيمات أو غيرها، والسماح للعائلات باختيار البقاء في المخيمات التي تسمح بحرية التنقل داخلها وخارجها وبحرية الاتصالات، أو الانتقال إلى مكان آخر. إذا لم تتمكن السلطات من ضمان سلامة العائلات بسبب تهديدها بهجمات انتقامية، عليها السماح لها باختيار الانتقال إلى مخيمات أو مناطق أخرى يمكن للسلطات فيها توفير الحماية الكافية”.