بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 هل إيران دولة استعمارية ؟

الملائكة لا تزني ، وان زنت تشيطنت

( 3 - 10 )

صلة ايران باسرائيل : لقاء استعمارين سكانيين

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

ان عقلية وثقافة الجيتو تقترن بفوبيا ( خوف مرضي ) محددة تجاه الغوييم ، أي الاغراب الذين يعيشون خارج الجيتو ، وغالبا ما يتم تضخيم خطر الغوييم على مواطني الجيتو . وفوبيا اسرائيل بصفتها دولة تقوم على ثقافة الجيتو تجاه ايران تقع في هذا الاطار . لكن من يعاني من فوبيا الاغراب يدرك في لحظة الخطر الحقيقي من هو العدو الحقيقي ، فيتحرر بشكل ما من اغلب تأثيرات الفوبيا ويرى بدقة الهدف الحقيقي الذي يجب ان يضرب ، والهدف المرضي ( غير الحقيقي ) والذي يجب ان لا يضرب مهما كات المخاوف منه . ان التعرض للخطر الحقيقي وتذوق مرارته يبخر اوهام فوبيا الاغراب . وهذه الحقيقية السايكولوجية تنطبق على موقف اسرائيل من ايران ، بصفتها عدوا فتراضيا لم يقدم الواقع دليلا على عداوته ، لا بخطوات ايران الفعلية ولا في مشاريعها النهضوية ولا في طبيعة صراعاتها . اما العراق فانه قدم في الواقع ما يثبت لاسرائيل انه عدو حقيقي لان الواقع المعاش ، والماضي العميق ، قد قدما لسكان الغيتو اليهودي ثم الجيتو الاسرائيلي ما يقنعهم بان العراق الحديث عدو خطير يجسد بعث بابل وعودتها للحياة ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان ، وبكل ما ينداح منها من ايحاءات في القاموس اليهودي قديما ووريثه القاموس الصهيوني حديثا ، وفي مقدمة ذلك الاسر البابلي والذي يصر الصهاينة على تسميته ب( السبي البابلي ) ، كما ان قصص الكتب اليهودية العلنية والسرية تتحدث عن البابلي الذي سيعيد تحطيم اسرائيل ، وكان ذلك احد اهم الاسباب في اغتيال الشهيد صدام حسين بعد ان اقتنع احبار اليهود ومفسري الغاز كتبهم بانه هو البابلي المنتظر .

ان انتماء العراق القومي وتاريخه الوطني ، يجعله تلقائيا خصما وعدوا حقيقيا لاسرائيل ، وتزداد العداوة عندما يكون لقادة العراق مشروعا نهضويا قوميا يقوم على الوحدة العربية وتحرير الاراضي العربية المحتلة ، من جهة ، وعلى برنامج تنموي جبار يعيد بناء الانسان العراقي ليصبح في قلب العصر الحديث من جهة ثانية . وعندما تقارن اسرائيل في لحظة يقظة امنية وستراتيجية ، بين ايران الملالي الغارقة في بحر السعي لتدمير الامة العربية ، وهي العدو الاساس لاسرائيل ، والعراق الذي يبني ذاته لتحقيق التقدم الشامل مع انه الركن الاساس في حجب موجات التوسع الصهيوني وبروسيا العرب ، ترى اسرائيل بوضوح ان الخطر يأتيها من عراق ناهض له مشروع قومي ، ويعتمد على انسان جديد متعلم ومختص وقادر على استخدام العصر بكل منجزاته لاكتساب القوة ، وليس من ايران همها الاساس تدمير ملك العرب ، تحقيقا لقسم النخب الفارسية الذي قطعته بعد تدمير امبراطورية فارس على يد العراقيين . بل ان اسرائيل ترى ان دعم ايران سيحقق لها اعظم واهم اهدافها وهو التخلص من الخطر العربي . في اطار هذه النظرة الستراتيجية نستطيع تجاوز الدهشة عندما نجد اسرائيل تقدم الدعم المباشر وغير المباشر لايران الملالي رغم انها تشتم اسرائيل لاجل تمكينها من تحقيق حلم الاجداد وهو الانتقام من العرب واقامة امبراطورية الفرس على انقاض الامة العربية .

ان الدعم الاسرائيلي لايران ، وهو امر قد يبدو غريبا لمن صدق الحملات الاعلامية الايرانية ضد اسرائيل ، كبير وينطوي على دلالات خطيرة في سياق كشف التناقض الصارخ بين ما يظهر على السطح وما يجري تحته . فقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي في حكومة في نتنياهو (ديفيد ليفي) قائلا في عام 1997 ( ان اسرائيل لم تقل في يوم من الايام ان ايران هي العدو ) جريدة هاآرتس الاسرائيلية في 1- 6 – 1997 . ويقول الصحفي الاسرائيلي اوري شمحوني : ( ان ايران دولة اقليميه ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها ، فايران تؤثر على مجريات الاحداث وبالتاكيد على ماسيجري في المستقبل ، ان التهديد الجاثم على ايران لا ياتيها من ناحيتنا بل من الدول العربية المجاورة ! فاسرائيل لم تكن ابداً ولن تكن عدواً لايران ) صحيفة معاريف الاسرائيلية 23 /9/1997 . وأصدرت حكومة نتنياهو امراً يقضي بمنع النشر عن اي تعاون عسكري او تجاري او زراعي بين اسرائيل وايران . وجاء هذا المنع لتغطية فضيحة رجل الاعمال الإسرائيلي ناحوم منبار ، المتورط بتصدير مواد كيماوية الى ايران ، لان هذه الفضيحة تشكل خطراً يلحق باسرائيل وعلاقاتها الخارجية . وقد ادانت محكمة تل ابيب رجل الاعمال الإسرائيلي بالتورط في تزويد ايران ب 50 طنا من المواد الكيماوية لصنع غاز الخردل السام . وقد تقدم المحامي الإسرائيلي(امنون زخروني ) بطلب بالتحقيق مع جهات عسكرية واستخباراتية اخرى زودت ايران بكميات كبيرة من الاسلحة ايام حرب الخليج الاولى . جريدة الشرق الاوسط العدد (7359) .

وقامت شركة كبرى تابعه لموشيه ريجف ، الذي يعمل خبير تسليح لدى الجيش الاسرائيلي ، قامت شركته ما بين (1992-1994) ببيع مواد ومعدات وخبرات فنية الى ايران . وقد كشفت عن هذا التعاون الاستخبارات الامريكية بصور وثائق تجمع بين موشيه والدكتور ماجد عباس رئيس الصواريخ والاسلحة البايولوجية بوزارة الدفاع الايرانية . " صحيفة هاآرتس الاسرائيلية ، نقلا عن الشرق الاوسط عدد (7170).

ونقلت جريدة الحياة ، الصادرة في لندن بعددها (13070) ، استنادا لكتاب ( الموساد ) للعميل السابق في جهاز الاستخبارات البريطانية ريتشارد توملينسون ، تحت عنوان : وثائق تدين جهاز الموساد لتزويده ايران بمواد كيماوية ، نقلت ماقاله الصحفي الإسرائيلي يوسي مليمان من انه ( في كل الاحوال فان من غير المحتمل ان تقوم اسرائيل بهجوم على المفاعلات الايرانية وقد اكد عدد كبير من الخبراء تشكيكهم بان ايران - بالرغم من حملاتها الكلامية - تعتبر اسرائيل عدواً لها . وان الشيء الاكثر احتمال هو أن الرؤوس النووية الايرانية هي موجهة للعرب ) " نقلا عن لوس انجلس تايمز... جريدة الانباء العدد (7931) " .

واثناء الحرب العراقية الايرانية ارسلت اسرائيل اسلحة الى ايران ، منها صفقة سلاح من رومانيا ، تبلغ قيمتها (500 مليون ) خمسمائة مليون دولار . وتأتي هذه الصفقة لتكشف تاريخاً طويلاً من العمل الإسرائيلي المتواصل منذ عام 1980 لتوفير الأسلحة لإيران لكي تواصل حربها ضد العراق والعرب ، وإذا كانت صفقات الأسلحة الإسرائيلية لإيران ، هي الخبر المهم ، فإن الخبر الأهم هو أن يقوم سماسرة ووسطاء إسرائيليون بالتجول في العالم وفي عواصم أوروبا بالذات بحثاً عن أسلحة لإيران . لقد تجاوزت إسرائيل مرحلة بيع سلاحها وتقديمه للخميني ، إلى قيامها بتوفير أية قطعة سلاح ، ولو من السوق السوداء لهذا النظام لكي يواصل حربه ضد العراق.

واهم الأرقام عن صفقات الأسلحة توضح أن الإنتاج الحربي الإسرائيلي حقّق تطوراً كمياً ونوعياً ، في النصف الأول من الثمانينات ، ما قيمته 850 مليون دولار ، إرتفعت عام 1986 إلى مليار و300 مليون دولار) معلومات وردت في أحد تقارير " المركز الدولي للأبحاث السلمية في ستوكهولم " ووردت في مجلات عسكرية متخصصة مطلع العام 1987 ) وقدرت مصادر أوروبية متخصصة بالشئون العسكرية أن الزيادة في مجملها ، وبنسبة 80 % منها ، كانت كلها صادرات أسلحة وقطع غيار إسرائيلية إلى إيران ( مجلة " لوبوان " الفرنسية ومجلة " استراتيجيا " الشهرية اللبنانية مطلع العام 1987 ) . وترى هذه المصادرأنه مقابل هذا الدعم العسكري بالأسلحة من إسرائيل لإيران ، تحظى الحكومة الإسرائيلية بسيطرة إقتصادية ظاهرة في إيران ، عن طريق اليهود الإيرانيين الممسكين بالإقتصاد الإيراني ، أو عن طريق شركات كانت تعمل في عهد الشاه ، ثم أوقفت أعمالها مؤقتاً مع بداية حكم الخميني ، وحالياً عادت لتعمل بحيوية ونشاط .

لكل هذا فان كلام خميني ضد اسرائيل ذهب أدراج الرياح ، فإسرائيل تتسلط على نسبة كبيرة من إقتصاد إيران ، وفي ظل حكم الخميني نفسه ، ولقد عادت شركة "أرج" الإحتكارية الكبرى للظهور ، بعد أن كانت قد أوقفت أعمالها مؤقتاً ، وهي شركة إسرائيلية كبرى سبق للخميني أن هاجمها، كما هاجم "الكوكالا" في إيران التي هي أيضاً إسرائيلية ، والطريف والمثير هو أن إسرائيل عادت لتغرق السوق الإيرانية بإنتاجها من البيض ، وهذا كله سبق للخميني واتخذ منه حجة ضد حكم الشاه المخلوع ( تصريحات الخميني على إثر إعتقال الطالقاني وبازركان خلال حكم الشاه ) ولقد كشفت مصادر مطلعة في باريس أن السماسرة الذين يعملون لتجميع السلاح إلى إيران ، وبينهم إسرائيليون ، يتخذون من "فيلا شاليه باساغي" ، وهي فيللا كانت لشاه إيران وعادت للحكومة الإيرانية الحالية ، الواقعة على الطريق الثاني من بحيرة جنيف ، أي من الجهة الفرنسية بالقرب من قرية "سانت بول أن شاليه" والأرض المحيطة بها ، ومساحتها 28 ألف متر مربع، يتخذون منها مركزاً لتجميع الأسلحة التي يشتريها الإسرائيليون ، تمهيداً لشحنها عن طريق الموانىء الأوروبية إلى إيران ، كما يتخذ السماسرة ، وبالذات الإسرائيليون ، من مزارع مجاورة لتلك الفيللا وهي "مارالي"و "لي هوز" و "لي مويت" مراكزاً لتدريب الإيرانيين على بعض الأسلحة والخطط العسكرية ، ويتولى " أوتيون دي بنك سويس " عمليات دفع ثمن الصفقات التي تحولها إسرائيل إلى إيران .

( نشرة "ستار" الصادرة بالفرنسية والمتخصصة ببعض الأخبار الخاصة بالأسلحة )

ورأت تلك المصادر أن إسرائيل في حماسها هذا لتوفير السلاح لإيران كانت تريد ان تحقّق أرباحاً باهظة ، وكذلك تساعد في إطالة أمد الصراع ضد العراق والعرب ، لتعطيل قدرات العرب ككل ، ولتحقيق مكاسب داخل إيران نفسها ومنها : تخفيف الضغط عن اليهود الإيرانيين وخاصة التجار منهم ، والسماح بتحويل أموالهم لإسرائيل ، وخاصة أموال التاجر اليهودي الكبير حبيب الفانيان ، وهو أحد المحتكرين الكبار أيام الشاه الذي تم إعدامه في إيران في مايو 1979 في مطلع زحف الجماهير الإيرانية ضد حكم الشاه (صحف 10 مايو 1979) أما صفقات الأسلحة الإسرائيلية لإيران ، فرغم أن أمرها قد إتضح مع فضيحة "إيران جيت" في العام 1987 ، إلا أنها قديمة وتعود إلى مطلع الثمانينات ، أي مطلع حكم الخميني نفسه . ويلخص أبا إيبان وضع إسرائيل مع حكم الخميني بقوله : "عندما يكون النظام الإيراني صديقاً فإننا نمكنه من الحصول على الأسلحة ، للإحتفاظ بصداقته ، أما عندما لا نعرف ما هو موقفه من إسرائيل فإننا نمكنه من الحصول على الأسلحة لمعرفة ذلك (الواشنطن بوست 12/12/1986).

وما دمنا ذكرنا ايرانجيت فان من الضروري التطرق لبعض ما قدمته اسرائيل لايران وقتها . لقد قالت الصحف الكويتية في 30 سبتمبر 1980 أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على علم مسبق وتوافق على إستخدام إسرائيل طائرات أجنبية وطرقاً جوية أوروبية غير مباشرة لشحن قطع الغيار إلى إيران . وتاريخ الخبر مهم جدا فالحرب بين العراق وايران ابتدأتها ايران في 4 -9 – 1980 ورد العراق في 22- 9 من نفس الشهر ، وفي 30 – 9 ، أي بعد يومين من الرد العراقي ، عرف ان امريكا توافق على شحن اسرائيل للسلاح الى ايران ! بعد الصحف الكويتية قالت صحيفة " الأوبزرفر" اللندنية في نوفمبر 1980 أن إسرائيل ترسل قطع غيار الطائرات (ف – 14 ) وأجزاء مروحيات وصواريخ على متن سفن متوجهة إلى موانىء إيرانية ومن بينها مرفأ بندر عباس ، بعض تلك الشحنات من الولايات المتحدة إلى إسرائيل ثم تحويلها مباشرة إلى إيران دون أن تمر بإسرائيل .

ما معنى هذا ؟ انه يعني ان اسرائيل تعرف على وجه اليقين ان ايران ، بحكم طموحاتها لاقامة امبراطورية فارسية عظمى اقليميا ، لا تسعى لصدام رئيسي معها ( اسرائيل ) ، ولا تريد منافستها على ارض تعدها اسرائيل ارض ( اسرائيل الكبرى ) ، بل ان ايران توظف قضية فلسطين لاجل اختراق الامة العربية وتمزيقها ، للحصول على نفوذ او اراض عربية طبقا لموازين القوى الدولية والاقليمية . لذلك فان ايران ليست عدوا رئيسيا لاسرائيل ولا اسرائيل عدو رئيسي لايران ، مهما بلغت حدة الحروب الكلامية بينهما . ومن الامور البالغة الاهمية ملاحظة ان ايران تلقت اسلحة من اسرائيل اثناء حربها مع العراق وليس العراق ، وملاحظة ان اسرائيل تريد تقسيم العراق وليس ايران . واخيرا وليس اخرا لم تكن صدفة ابدا ان حدود ايران غربا تنتهي عند الضفة الشرقية لنهر الفرات ، كما اكدت خرائط استولى عليها الجيش العراقي الباسل اثناء الحرب مع ايران ، في حين تنتهي حدود اسرائيل الكبرى ، او التوراتية عند الضفة الغربية لنهر الفرات . بمعنى اخر ان نهر الفرات هو الحد الفاصل بين الامبراطوريتين الفارسية والصهيونية ! فلماذا نتوقع صراعا اساسيا بين ايران واسرائيل مع ان لهما عدوا مشتركا عبر التاريخ وهو الامة العربية ؟ وفي ضوء هذه الحقيقة الستراتيجية فان اسرائيل وايران ، ورغم وجود توترات بينهما ، يعملان سوية ويتبادلان الخدمات ، بصورة مباشرة ، كما حصل حينما قدمت اسرائيل لايران خدمات كبرى اثناء الحرب مع العراق ، او غيرمباشرة ، كما حصل حينما ردت ايران على خدمات اسرائيل فقدمت خدمة لها (لاسرائيل ) بالمشاركة الرئيسية مع امريكا في تدمير اعظم خطر على اسرائيل وهو العراق ، اضافة لعمل ايران على تدمير الامة العربية من خلال تفتيتها طائفيا ومنعها من التوحد والتحرر من الاستعمار والصهيونية .

ان السمة المشتركة بين الصهيونية والنزعة الفارسية هو انهما نزعتان تقومان على الاستعمار السكاني لاراضي الغير وتغيير الطبيعة السكانية لشعب او لاراضي الغير ، منطلقتان من اساطير تأريخية حول حق التملك استنادا لماض اسطوري ، كما هي حال الصهيونية ، او لماض امبراطوري بائد كما هو حال ايران .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة / 14 / أيلول / 2007