بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 هل إيران دولة استعمارية ؟

الملائكة لا تزني ، وان زنت تشيطنت

( 7 - 10 )

العراق : ساحة حسم
 

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

أما العراق ، والذي يتوزع طائفيا على نحو فريد في الوطن العربي بوجود تقاسم سكاني متقارب أو متساو بين الشيعة والسنة ، فان إيران عدته ساحة حسم وليس ساحة دعم ، ففي العراق يمكن التفكير بقهر السنة وإخضاعهم بالقوة وإقامة حكم صفوي بدعم إيراني ، لوجود كثافة سكانية شيعية تصل لنصف السكان . وما حصل بعد الاحتلال هو تأكيد لوجود هذا الهدف الإستراتيجي ، بعكس لبنان الذي لا يشكل الشيعة فيه سوى طائفة من بين طوائف أخرى متعددة ومتقاربة في عدد النفوس ، لذلك لا يمكن تصور سيطرة شيعية على نظام الحكم . ان العراق بالنسبة لايران القاعدة الاساسية التي تريد ان تستخدم طاقاتها البشرية والمادية وموقعها الجغرافي لدخول الاقطار العربية الاخرى ، فمن دون العراق التابع لايران ، او المقسم ، لا يوجد مشروع امبراطوري ايراني . ولعل من سمي ب(التوابون ) يقدم لنا صورة لامكانية ان تجيّش ايران من العراق ملايين الناس ( لفتح ) الاقطار العربية بامكانيات عراقية أساسا وتوجيه ايراني . ان ما يملكه العراق من طاقات هائلة مادية خصوصا النفط والزراعة والماء ، وبشرية مقاتلة ، يوفر لايران فرصة اختصار التضحيات والزمن للتوسع غربا واقامة البدر الفارسي المكتمل ، وليس الهلال الشيعي كم قال البعض خطئا، فتقوم جبهة اولى تضم العراق ، او قسما منه ، وسوريا ولبنان بقيادة ايران تتوسع في الاردن ثم مصر والسودان والمغرب العربي ، ناهيك عن الخليج والجزيرة واللذان تعتقد ايران انهما سيسقطان بيدها مثل الثمرة الناضجة ما ان يتم استعمار العراق او جنوبه على الاقل .

لقد قلب خميني القاعدة المعتمدة في الحروب ، وهي ضرورة البدء بضرب الحلقة الاضعف في صفوف العدو فقام بضرب الحلقة الاقوى وهي العراق في عامي 79 – 1980 ، نتيجة الثقة المفرطة بنفوذه العربي ، من جهة ، والحط من شأن العراق وقوة قيادته ، من جهة اخرى ، فحصل تغيير جوهري ضد التوسعية الايرانية . ان البدء بالعراق ، نتيجة ادراك خميني الواضح كاجداده البرامكة والخرميين ، للدور الحاسم للعراق في فتح طريق اقامة امبراطورية فارسية ، ادى الى تورطه في حرب مع قوة كبيرة وفعالة ومنظمة وتعرف النوايا والاهداف الحقيقية لايران خميني ، فقاد ذلك الى اطالة الحرب بدل حسمها بسرعة والتقدم نحو الخليج برا من العراق والالتقاء بسوريا ولبنان لتشكيل لبدر الفارسي ، وتعزيزه ليكون القاعدة الاساسية لنشر الخمينية في كل الوطن العربي .

ومع نجاح العراق في اسقاط مخاوف العرب الاخرين من انتصار ايراني راينا الجماهير العربية ، ورغم وجود تأييد لايران ، تقف مع العراق ، وكذلك الحكومات العربية التي اخذت تتقدم واحدة اثر اخرى لدعم العراق ضد خميني لانه اعلن بصوت عال انه سيسقط كافة الانظمة العربية ، وهكذا بدل تفكيك الوطن العربي وافتراسه قطرا بعد اخر راينا ايران تواجه موقفا عربيا متماسكا بصورة عامة ، وتصبع محاولة اقامة بدر فارسي في مواجهة مباشرة وحادة مع كافة مكونات الوطن العربي .

لقد واجه خميني ، نتيجة حماقته وغروره اللذان جعلاه يكشف عن كافة اوراقه بلا تردد ، انقلاب اتجاه الصراع مع العراق ، فبدلا من ان يصبح العراق منطلقا وقاعدة لاقامة البدر الفارسي اصبح المصد القومي العربي للنوايا التوسعية الفارسية . وبفشل خميني في كسر الحلقة الاقوى تعززت قوة الحلقات الاضعف وتحصنت ضد ايران ، ومنذ ذلك الحين انزرع في قلب المشروع الايراني فايروس الفشل واصبحت ساحة الحسم الرئيسية حسب الخطة الايرانية وهي العراق ساحة ردع وصد للتوسعية الايرانية ، وكان ذلك التطور هو المأزق الذي وجد المشروع الاستعماري الإيراني نفسه فيه واجبره على اللجوء الى خيار لم يكن يخطر ببال خميني ، وهو التعاون مع امريكا ، في زمنه وبعد وفاته ، علنا ورسميا من اجل تدمير العراق . كما ان ايران اجبرت على القاء ثقل اكبر على الساحة اللبنانية وعلى سوريا من اجل تعويض فشلها في السيطرة على الساحة الرئيسية للحسم وهي العراق ، من هنا راينا ان اعداد حزب الله ودوره وممارساته والدعم الإيراني المفتوح له يجسد خيار التعويض عن الفشل في ساحة الحسم بتعظيم دور ساحة الدعم .

وما يجب تسليط الضوء عليه هو ان الفشل في السيطرة على العراق جعل ايران تتعامل مع العراق على انه كيس ملاكمة يتلقى الضربات الموجعة اثناء التدريب على الاستعداد لجولة ملاكمة ! فالعراق بالنسبة لايران الان مصد حدودي يمنع تسرب امريكا الى ايران ضغطا ونفوذا ، وعلى ارضه تخوض لعبة عض الاصابع مع امريكا من اجل حصة اكبر لايران من غنيمة العراق والمنطقة . لقد قامت ايران بتقديم خدمات سمسار لامريكا لكي تغزو العراق ، وكانت تنظيماتها هي القوة الرئيسية التي اعتمد ليها الغزو ، وليس قوة اياد علاوي واحمد الجلبي الوهميتان . وبعد ان تعاظمت المقاومة العراقة المسلحة واذلت امريكا واحبطت مشروعها الاستعماري في وقت واحد مع قيام ايران بتعزيز القوة العسكرية والمالية للاحزاب التابعة لها في العراق ، وادركت ان الوقت قد حان للسيطرة على جنوب العراق ، اخذت تضغط على امريكا بواسطة اتباعها للخروج من العراق لكي تملأ الفراغ هي كما قال احمدي نجاد . واعلن خامنئي ونجاد وخاتمي مرارا ان ايران تريد مساعدة امريكا على الخروج من العراق ، مثلما ساعدتها على دخوله ! ويعترفون بانهم من ورط امريكا في مستنقع العراق وهم من يريد اخراجه منه ! بهذه البساطة وهذا الاستهتار الغريب يتحدث قادة ايران عن وصايتهم على العراق من خلال طابورهم الخامس فيه !

وكما فعلت امريكا بتبني خيار تقسيم العراق ، بعد ان فشلت في السيطرة عليه ، فان ايران التي كانت تعد العراق ساحة الحسم في مشروعها الامبراطوري القومي تبنت خيار تقاسم العراق مع الانفصاليين الاكراد بموافقة امريكية صريحة ! وما اتفاق الاحزاب الاربعة ، زائد الحزب الاسلامي ، الا خيار امريكي ايراني تم تبنيه بعد سقوط خطة استعمار العراق وبقاء خيار واحد مرغوب فيه وهو تقسم وتقاسم العراق .

وحتى حينما شاركت ايران في غزوالعراق فانها فشلت في السيطرة عليه ، لان اتباعها في العراق كانوا القوة الاساسية التي استخدمها الاحتلال في انجاح الاحتلال ، فجعل ذلك ايران تبدو للاكثرية العربية وقد قبض عليها متلبسة بجرم التعاون مع امريكا في غزو قطر عربي ، وفقدت بريقها واصبحت بنظر الاغلبية العربية بلدا معاديا للامة العربية . لذلك لم تنجح ايران في الانتقال من مرحلة تدمير العراق الى اعادة بناءه بطريقة تجعله اداة ايرانية ثابتة وقوية . بل ان اغلب الناس اخذو يتابعون ازدواجية ايران السياسية بدقة وما تنطوي عليه تلك الظاهرة من معان خطيرة ، فهي تشتم امريكا واسرائيل لكنها تتعاون مع امريكا في غزو العراق وافغانستان ، كما ان حزب الله ، الذراع الايرانية في لبنان ، يعادي امريكا لكن الاحزاب التابعة لايران في العراق تخدم امريكا ! وكان اهم سؤال هو : هل حقا ان ايران تتبع سياسة مناهضة امريكا واسرائيل ؟ ام انها تستخدم ذلك كفخ لايقاع عرب في موقف دعم ايران مع انها تمارس سياسات توسعية على حساب العرب ؟

والان وفي ضوء ذلك الفشل الستراتيجي ، الامريكي والايراني ، بالامكان طرح سؤال مهم وهو : ماذا كان سيحدث لو ان خميني ابتدأ بالحلقة الاضعف بدل البدء بالحلقة الاقوى ؟ من المرجح انه كان سيحشد الاقطار التي ينجح في السيطرة عليها لتطويق العراق وعزله واستنزافه تمهيدا لخلخلته من الداخل وبتضافر التطويق الخارجي مع التخلخل الداخلي كان من الممكن تحقيق خرق مهم في العراق .

ان خطأ خميني لم يكن في اختيار ضرب الحلقة الاقوى ، لانه توقع استسلام الحلقات الاضعف بعد ضرب العراق والحاق الهزيمة به وهذا توقع صحيح ، بل كان خطئه يتجسد في الحط من شأن القوة العراقية ومن تماسك الشعب العراقي وتغلب الانتماء القومي والوطني على الانتماء الطائفي . ان السؤال الجوهري هنا هو : ماذا يحصل لستراتيجية ايران عند فشلها في السيطرة على ساحة الحسم ، وهي العراق ، ومنع استخدامها في تحقيق الخطوات اللاحقة لايران ؟ هل يمثل ذلك مأزقا ستراتيجيا خانقا لايران ينعكس سلبا على كافة مكونات ستراتيجيتها الاقليمية ؟

دعم ايران التكفيريين السنة : لماذا ؟

من الظواهر التي قد لا يصدقها من يجهل دهاء القوى الاستعمارية ظاهرة دعم عدو لعدوه اثناء حروب او ازمات معينة ، وبطريقة قد تبدو احيانا غير مفهومة ! ومن بين اغرب هذه الظواهر ، بالنسبة لمن يفتقر للخبرة ، ظاهرة دعم ايران للتكفيريين السنة ، وفي مقدمتهم القاعدة في العراق ، رغم ان الطرفين يكفر احدهما الاخر ويحرض عليه ويوجه له اشنع الاتهامات . كيف ولماذا يحصل ذلك ؟ ان دعم ايران للقاعدة بالسلاح والمال هو موقف براغماتي صرف هدفه تحقيق اهداف قومية ايرانية حيوية ، في مسار أقامة امبراطورية فارسية تتبرقع بالاسلام لخداع السذج والخدج من العرب ، وهذه الامبراطورية لن تقوم الا على انقاض الامة العربية وبقاياها ونثارها تماما كبقاء اسرائيل . ورغم تواتر الشواهد على الدعم الإيراني هذا فان هناك مواقف رسمية تؤكده ، منها ما قالة جلال الطالباني يوم 28 – 6 – 2007 من ان ايران قد اغلقت مكتب تنظيم ( انصار الاسلام ) في طهران ، وهو تنظيم سني طائفي . فكيف تسمح ايران بفتح مكتب لتنظيم سني وهي تحارب السنة داخل ايران وفي كل مكان ؟

ان السبب الرئيس في دعم ايران للقاعدة في العراق يعود لحرص ايران على تحقيق الشرط المسبق لقيام امبراطوريتها القومية ، وهو الغاء العراق من الخارطة بتقسيمه وشرذمته طائفيا واثنيا اذا تعذرت السيطرة عليه كله ، وهذه الحقيقة تفسر لم دعمت ايران التمرد الكردي المسلح في العراق مع انه مغامرة خطيرة بالنسبة لها ، خصوصا وان هناك تمرد كردي مسلح ايضا في ايران يخمد لفترة لكنه يعود للاشتعال ، لان اكردا ايران يبلغ عددهم بين 8 - 9 مليون كردي ، فيما عدد اكراد العراق يبلغ 2 – 3 مليون كردي . ان من لا يضع في حساباته القيمة الستراتيجية للعراق بالنسبة لايران لن يتمكن من فهم مواقف ايران بصورة صحيحة . وهنا يجب ان نعيد ايضاح هذه المسألة في نقاط مركزة :

1 – ان الامبراطورية الفارسية التي تريد ايران بناءها وجهتها الرئيسية الى الغرب ، أي الى العراق والخليج العربي ، لعدة اسباب منها :

أ – ان الكتلة البشرية التي تحتاجها ايران للقيام بغزواتها التوسعية تتركز في العراق لان نصف السكان فيه شيعة ، وترى ايران ان بامكانها ، بالضرب على الوتر الطائفي ، ان تحقق نفوذا كبيرا في العراق يضعفه من جهة ، ويوفر لايران خزينا بشريا وماديا ضخما لا غنى عنه في حملتها الامبريالية بمعناها اللغوي ، وهو التوسع على حساب الغير ، من جهة ثانية .

ب – ان ايران نتيجة افتقارها لمصادر تمويل حملاتها الامبريالية كالماء والغذاء ، بسبب نقص المياه والاراضي الصالحة للزراعة ، ترى في العراق الحل الاعظم لهذه المشاكل الخطيرة ، التي تمنع الامبريالية الايرانية من تحقيق اهدافها ، لانه بلد غني بالمياه وارضه خصبة . وهذه الحقيقة الجيوبولوتيكية كانت وراء سر توجه اغلب حملات ايران التوسعية غربا ، وليس الى اتجاه اخر خلال الثلاثة الاف عام مضت على الاقل .

ج – ان نضوب النفط الإيراني القريب ( وهو ما سنعالجه في دراسة اخرى بالتفصيل ) يجعل مشروعها الامبراطوري انتحاريا بدون توفير اهم طاقة في العصر الحديث وهو النفط ، لذلك فان الحل الوحيد هو الاستيلاء على نفط العراق ودول الخيج العربي والجزيرة العربية .

د – ان العراق تأريخيا هو قوة عسكرية امبريالية ، مرة اخرى بمعنى التوسع الامبراطوري ، وكان الصراع التاريخي الاكبر في العصر القديم هو بين امبرياليتين عالميتين هما الامبريالة العراقية ، التي اقامت اعظم الامبراطوريات الكونية ، في عهود الاشوريين مثلا ، والتي شملت كل ما يطلق عليه الان تسمية الشرق الاوسط ، وكانت اهم سماتها العسكرة الكاملة للمجتمع من اجل التوسع الامبريالي ، والامبريالية الفارسية والتي توسعت اقليميا مرتين ، على الاقل ، تقريبا في نفس المساحة الجغرافية للامبريالية العراقية . وحينما كانت إحدى هاتين الامبرياليتين تضعف كانت الاخرى تملأ الفراغ بدلا عنها ، وكان الصراع بينهما صراعا حادا ملأ التاريخ بالمأسي الانسانية لشعبي البلدين . ولذلك برز واحدا من اقدم واهم قوانين الصراع في العالم ، هو قانون قيام حكم بني فارس على انقاض العراق ، وهو قانون يتحكم بايران قديما وحديثا ، ويقول بان العراق مادام قويا فان أي توسع فارسي نحو الغرب سيكون مستحيلا ، بعكس التوسعية العراقية التي كانت لا تجد ضرورة لحصر توسعها في الشرق ولا في الاعتماد على موارد غيرها من حيث الجوهر . ان من يريد فهم اصول الصراع العتيق بين العراق وايران عليه ان يأخذ هذه الحقيقة التاريخية والجيوبولوتيكية بنظر الاعتبار لانها تفسر سر المرونة والتسامح العراقي مع ايران ، وسر تعصب ايران وتمسكها بتدمير العراق على امتداد التاريخ كشرط مسبق لنهوضها الامبراطوري .

هـ - حينما وقع العراق وفارس تحت الحكم البريطاني في مطلع القرن العشرين أقامت بريطانيا توازنا اصبح تقليديا بين العراق وفارس ، والتي اصبح اسمها ايران في العشرينات من القرن الماضي ، يقوم على تحييد كل منهما بواسطة الاخرى ، فحينما تقوى ايران يدعم العراق لاضعاف ايران والحد من طموحاتها ، وحينما يقوى العراق تدعم ايران لمنعه من تحقيق نفوذ اقليمي تحرري . وطبق هذا التقليد في السبعينيات عندما امم العراق النفط وشرع ببناء دولة قوية فدفعت امريكا ، التي حلت مح بريطانيا في المنطقة ، شاه ايران لعرقلة مشروع النهضة القومية العربية في العراق ، سواء من خلال دعم التمرد الكردي بكثافة ارهقت العراق جدا ، او محاولات التدخل بالشأن العراقي باسم المراقد المقدسة او الحدود ...الخ .

ورغم تخلي امريكا عن تلك السياسة البريطانية الا انها عادت اليها حينما اكتشفت ان العراق عاقد العزم على مواصلة مشروعه النهضوي ، بعد تأميم النفط وعقد اتفاقية الجزائر مع الشاه والتي اوقفت استنزاف العراق ، مع ان امريكا كانت تريد استمراره ، وقد اضطر الشاه الى عقد الاتفاقية لانه هو الاخر استنزف وتعرقل مشروعه المعلن لبناء قوة عالمية خامسة ، كما وصفها ، وهذا التوجه الاستقلالي المتأخر لدى الشاه اغضب امريكا ، خصوصا حينما اخذ الشاه يحتك ويماحك ويزعج دول الخليج العربي والسعودية وانضم لدول اوبيك التي كات تصر على رفع اسعار النفط ، فكان الرد الامريكي هو اتخاذ قرار التخلص من الشاه واقامة حكم الملالي لاجل اعادة رسم خارطة المنطقة كلها ، انطلاقا من تدمير العرق الناهض .

ان صعود خميني الى السلطة كان نتاج توجه ستراتيجي امريكي جديد ، يقوم على دعم الاصوليات الدينية لتستخدم اداة فعالة لتدمير الشيوعية والقوى التقدمية القومية والوطنية ، وفي مقدمتها العراق الذي تجاوز الخطوط الحمر التي رسمها الغرب والصهيونية ، في تقدمه العلمي التكنولوجي وفي حل مشاكل الفقر والامية وبناء مجتمع مرفه لا فقر فيه ولا اغلب امراض مجتمعات العالم الثالث . ولذلك لم يكن غريبا ابدا ان يكون اول هدف عملي لنظام خميني بعد الوصول للسلطة هو ليس ضرب اسرائيل او امريكا ومصالحها ، رغم كل شعاراته المعادية لهما ، بل ضرب العراق ! كان اول ما اعلنه خميني عقب وصوله الى ايران قوله الشهير : اليوم سقط الشاه وغدا صدام . وفي أيار من عام 1983 وفي مقابلة مع شبكة السي ان ان قال هنري كيسنجر ، عراب ماسي العرب ، ان افضل ما يخدم مصالح امريكا هو ان تدمر الحرب بين العراق وايران كلاهما وان لايخرج احد منهما منتصرا على الاخر ! وهذا الكلام لكيسنجر يحدد بدقة الموقف الامريكي وهو العودة الى سياسة تحييد العراق بواسطة ايران ، وتحييد ايران بواسطة العراق ، وحسب تطور الاوضاع والمصالح الامريكية والاسرائيلية . والان وبعد كل ما حصل خصوصا احتلال العراق والدور الإيراني الرئيسي والحاسم فيه ، نستطيع ان نفهم ما تريده ايران من خلال تحالفها وتعاونها مع امريكا ، وهو تدمير العراق وازالته من طريق التوسع الإيراني الجديد ، ولكن بيد امريكا وتحت مظلتها .

ومما عزز قناعة النخب الفارسية الحاكمة باسم الملالي بان تدمير العراق وتقسيمه هو الشرط الحاسم والذي لاغنى عنه لاقامة امبراطورية فارسية عالمية ، هو نجاح العراق في دحر الخمينية بانتصاره في حرب الثمانية اعوام ، مع ان خميني عدها الخطوة التمهديدية لغزو بقية الاقطار العربية . كما ان امريكا واسرائيل ارادتاها اداة لتدمير العراق وتقسيمه ، لذلك فان الزعامة الفارسية تيقنت بانه لا امبراطورة فارسية ابدا من دون ازالة الدولة العراقية .

اذن اذا قارنا كل ماقدمته ايران لمنظمات فلسطينية وعربية من اموال ، وكل ما تحملته من اتهامات شككت وبقوة وفاعلية باسلامية خميني واتباعه ، مثل تعاونها مع امريكا في غزو العراق ، وقبلها استلام اسلحة من امريكا واسرائيل اثناء الحرب مع العراق ، وكل ما اقامته من تحالفات مع قوى معادية ، لها مثل القاعدة ، نقول اذا قارنا كل ذلك وغيره بتحقيق هدف تدمير العراق وازلته من امام التوسع الإيراني واستعماره ، سنجد حتما ان ايران رابحة وان كل ما قدمته لعربان كان عبارة عن ثمن تافه . ان ازالة العراق من الخارطة ، او تحييده على الاقل ، سيزيح العقبة الاخطر التي تمنع الامبريالية الفارسية من اقامة امبراطوريتها الاستعمارية ، في تحويل كامل للامبريالية من معناها اللغوي ، أي التوسع ، الى معناها الاقتصادي أي نهب ثورات الاخرين واستعمارهم وربما تغيير هويتهم القومية .

2 - في ضوء هذه المقدمة نرى ان دعم ايران للقاعدة يحقق لها ما يلي :

أ – ان تعزيز دور القاعدة في العراق يحقق هدف مهم جدا ، وهو تحجيم واضعاف المقاومة الوطنية العراقية المسلحة والتي تشكل اقوى تنظيم وطني ، أي يشمل القطر ويوحده من خلال وجود كل فئات الشعب العراقي تقريبا فيها ، ويفسح المجال لبروز قوة طائفية سنية تكفيرية لا تضم الا عناصر وشرائح طائفية محدودة . ان تعزيز قوة ودور القاعدة على حساب القوميين العرب في المقاومة العراقية يقود الى تحويل المقاومة من مقاومة وطنية تحررية الى حرب طائفية ، وبذلك تتخلص ايران من احتمال مقلق لها ، بل انه كابوسها الاول ، وهو استلام التيار القومي للسلطة في العراق بعد التحرير ، وهو تيار يشكل السد الاقوى الحاجب لموجات التوسع الفارسي ، كما اثبتت حرب الثمانية اعوام . وهذا الهدف ليس هدفا ايرانيا فقط بل انه هدف امريكا الاهم ، مادام انتصار المقاومة العراقية على الغزو الامريكي يشكل تهديدا بقبر مشروع امريكا المعلن وهو اقامة ديكتاتورية عالمية .

ب – اذا تفوقت القاعدة في العراق ، ستحقق لايران واحدا من اهم اهدافها الاساسية ، وهو اجبار شيعة العراق العرب ، الذين فشلت ايران في كسب اغلبيتهم الساحقة نتيجة تمسكهم بعروبتهم ، على الاحتماء بايران من هجمات القاعدة عليهم بصفتهم شيعة ونظرة القاعدة اليهم ( كروافض معادين للاسلام ) . وهذا الموقف الإيراني مفهوم ومألوف عالميا ، اذ ان الحركة الصهيونية العالمية قدمت لهتلر ملايين الدولارات ، التي كان في امس الحاجة اليها لاغراض عسكرية ، من اجل ان يضطهد يهود المانيا ويجبرهم على الهجرة الى فلسطين ، او كما فعلت الحركة الصهيونية بيهود العراق والذين رفضوا الهجرة الى فلسطين بعد اعلان ولادة اسرائيل ، نتيجة حبهم للعراق ، فهوجمت مقراتهم الدينية واجبروا على الهجرة ثم اكتشفت السلطات العراقية ان من قام بذلك هم يهود امرتهم الصهيونية بذلك .

ج – ان تحول حرب التحرير الى حرب طائفية سيمهد الطريق لتقسيم العراق لان سيطرة القاعدة ، وهي المنظمة الطائفية المتطرفة التي حللت الدم الشيعي ، سيعزز مقاومة جنوب العراق وشماله لها ، وبما انها لا تملك وسائل الحسم العسكري ولا الاداة البشرية في تلك المنطقتين من العراق فان النتيجة الوحيدة ستكون جر القطر الى التقسيم . وذلك مرة اخرى هدف امريكي اساسي .

هـ - ان سيطرة القاعدة في مناطق فيها اغلبية سنية فقط سيشعل حربا دموية بينها وبين القوى القومية ، ومن ثم ستقسم حتى المناطق السنية الى كيانات متصارعة فيما بينها ، فيتحقق هدف جوهري اخر وهو شرذمة المقاومة والذي لابد ان يقود الى شرذمة الكيانات الثلاثة من داخلها بالذات ( كيان الشمال الكردي تتقاسمه عدة قوى وكيان الوسط تتقاسمه فصائل المقاومة وكيان الجنوب تتقاسمه تنظيمات موالية لايران ) . وهذا هدف مشترك امريكي ايراني لانه يحول الجميع الى قوى هامشية تفتقر الى القدرة على الحسم ولا تشكل خطرا على امريكا او ايران .

و – ان تحويل المقاومة العراقة من مقاومة تحررية الى حرب طائفية ، مع انها كانت توصف بانها اعظم مقاومة في التاريخ ومعجزة العرب الحديثة ...الخ ، سيزيح اعظم تهديد لدور حزب الله ، الذي أعد وأهل ليكتسب لقب ( سيد المقاومة العربية ) ، ومن ثم يستطيع استقطاب وطنيين عرب وجرهم لدعم ايران ، مع انها تقوم بتدمير اهم قوة عربية وهي العراق ، لكن بروز المقاومة العراقة وفرادتها لم تطغي على حزب الله فقط بل الاهم انها كشفت الدور الحقيقي للحزب ، بصفته اداة ايرانية بالاساس . لذلك فان تحويل المقاومة العراقية الى مقاومة طائفية سيعيد لحزب الله بريقه وجاذبيته في الوسط العربي ، بعد ان فقد القسم الاكبر منها ، خصوصا بعد اغتيال القائد الشهيد صدام حسين بيد رفاق حسن نصر الله في العراق تنفيذا لقرار امريكي .ان اعاد حزب الله كقوة مقاومة وحيدة هو احد اهم شروط تمهيد الطريق امام ايران لتحقيق اهدافها القومية في الوطن العربي واهمها تقسيم العرق وتقاسمه مع امريكا .

ز – تريد ايران ان تقنع السنة كلهم ، في الوطن العربي والعالم الاسلامي ، بأنهم عبارة عن شراذم متقاتلة ولا يجمعها رابط ، وانهم لم ينجحوا حتى جينما توفرت لهم الفرصة بانبثاق اعظم مقاومة في التاريخ وهي المقاومة العراقية ، بعكس الشيعة الموحدين خلف ايران ، ولذلك فان السنة يفتقرون للعقلانية والمنطق والاهلية لقيادة العالم الاسلامي ، وفقدوا الفرصة التاريخية لاثبات جدارتهم . وباضافة دور حزب الله المنظم والمقاتل ببراعة مميزة تتكون قناعة ، كما تريد ايران ، في اوساط سنية في العالم الاسلامي والوطن العربي تقول بان التشيع افضل من التسنن ، وتبدأ عمليات تحول طائفي تشعل حروبا طائفية على امتداد الوطن العربي والعالم الاسلامي ، ولا يكسب منها احد الا ايران وامريكا واسرائيل والخاسر فيها الاكبر هم العرب بالتاكيد . انها تحقيق لواحدة من اهم متطلبات نظرية هنتنغتون حول تحول الصراعات الى صراعات دينية واثنية وثقافية .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء / 18 / أيلول / 2007