شبكة ذي قار
عـاجـل










رغم مضيّ نحو خمسة أشهر على الانتخابات البرلمانية في العراق إلا أن السجال لا يزال مستمراً حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، سجال طال دون أن يبدو هناك ضوء في نهاية النفق العراقي مع تزمّت الأطراف السياسية بمواقفها تجاه الآلية التي يجب أن تُعتمد لتشكيل تلك الحكومة، يرافقها تزمّت وإصرار من قبل رئيس الحكومة المنتهية ولايته، نوري المالكي للبقاء في منصبه كرئيس للحكومة الجديدة. السجال العراقي، والذي طال أمده، ما كان ليمتدّ إلى هذا الزمن، الطويل نسبياً، لولا أنّ الأطراف السياسية الشيعية خضعت للإرادة الإيرانية التي تصرّ على أن يبقى منصب رئيس الوزراء حكراً على الأحزاب التي تعتقد أنها موالية لها، وتحديداً حزبي الدعوة والمجلس الأعلى.


لقد سعت طهران منذ الساعات الأولى لإعلان نتائج الانتخابات إلى محاولة التقريب بين الائتلافين الشيعيين، ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي والائتلاف الوطني بزعامة عمار الحكيم، خاصة أن تلك النتائج أظهرت فوز القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، وهو ما كان يجب أن يتيح لها تشكيل الحكومة، لولا حملة التشكيك التي قادها المالكي، ولولا التفسير القضائي لتعبير الكتلة الفائزة الذي ورد في الدستور العراقي، فبدلاً من أن يكون تشكيل الحكومة من نصيب القائمة الفائزة، أفتت المحكمة الاتحادية في العراق بأن الكتلة الأكبر هي تلك التي تشكّل تحت قبة البرلمان.


سارعت إيران إلى دعوة الائتلافين إلى طهران من أجل تشكيل الكتلة الأكبر، وحصل أن اندمج الائتلافان (الوطني والقانون) تحت مسمّى التحالف الوطني، غير أن الخلافات حول تسمية مرشح رئيس الوزراء تفجّرت منذ اللحظة الأولى، فلا المجلس الأعلى ولا التيار الصدري المنضوي تحت الائتلاف الوطني، يوافقان على التجديد للمالكي، مع إصرار الأخير على أنه المرشّح الوحيد للتحالف الجديد لمنصب رئاسة الوزراء.


لقد تعاملت إيران مع القائمة العراقية الفائزة في الانتخابات على أنها قائمة سنّية، وليست قائمة عراقية وطنية تضمّ عراقيين من كل الأطراف، مع العلم أن رئيس هذه القائمة شيعي إلا أنه علماني لا يُرضي طموحات إيران ببقاء العراق حديقة خلفيّة لها، لتبدأ إيران ممارسة ضغوطها على الأحزاب الشيعية الحليفة في الائتلافين من أجل الموافقة على بقاء المالكي المرشّح الأوحد لرئاسة الوزراء، وهو ما فشلت به حتى الساعة.


لقد أبدى المجلس الأعلى والتيار الصدري ممانعة مطلوبة للرغبة الإيرانية، التي كانت تعتقد أن الأمر أسهل ممّا هو حاصل، فرغم كل الضغوط ما زالت المواقف الشيعية في الائتلاف الوطني تنبع من وجهة نظر تؤكّد أهمية أن يكون الحلّ عراقياً- بحسب ما يؤكده ساسة الائتلاف الوطني.


لقد أيقنت أغلب القوى السياسية ومنها الشيعية، أن ما تريده إيران هو عراق ضعيف متحكّم به من قبل طهران، عراق مفصّل وفقاً للمقاسات الإيرانية، وهي معرفة متأخّرة بالنسبة لتلك القوى السياسية التي كانت تعتقد خلاف ذلك طيلة السنوات الماضية، وهنا لا نريد أن نُلبس البعض من هذه الأحزاب الشيعية لبوساً وطنياً، بعضها لا يستحقّه، ولكن صار هناك اليوم تعارض كبير بين مصلحة هذه الأحزاب والمصلحة الإيرانية.


لقد عانت القوى السياسية الشيعية تحديداً، من تفرّد في السلطة طيلة السنوات الأربع الماضية من حكم المالكي وحزبه «حزب الدعوة» بل لقد تحوّل الإقصاء والتهميش في العراق من إقصاء السنّة عن المشاركة في القرار السياسي إلى إقصاء كل الأطراف السياسية الأخرى بما فيها الشيعية، وتفرّد بالحكم من قبل المالكي وحزبه، وهو أمر اشتكت منه تلك القوى السياسية الشيعية في العراق، وبالتالي فإنه لم يعد أمامها من مخرج سوى رفض إعادة ترشيح المالكي.


إن إيران -على ما يبدو- لم تقرأ جيداً طبيعة الأوضاع المعقّدة في العراق. فالعراق، بأيّ حال من الأحوال، يختلف عن لبنان والجنوب اللبناني الذي باتت تتحكّم فيه إيران إلى حد كبير، العراق هو أحد أهمّ مراكز القرار السياسي والديني لشيعة العالم، والنجف العراقية تضم أكبر حوزة علمية شيعية، فشلت في منافستها قم الإيرانية التي كانت تسعى طهران لتكون بديلاً عن النجف، ناهيك عن الاعتبارات الروحية والدينية للعراق بالنسبة لأغلب شيعة العالم، ومن هنا فإن محاولة فرض قرارات طهران على شيعة العراق، وإن نجحت في فترة ما، فإنها لن تستمرّ طويلاً.


لقد ظهر قبل نحو شهر، موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي السابق، والذي كان يعدّ أحد أبرز حلفاء إيران، ليقول إن قاسم لسيماني قائد فيلق القدس الإيراني هو من يدير الأمور الأمنية في العراق، ثم قدّم لائحة طويلة من الاتهامات لإيران ودورها في تخريب الأوضاع السياسية والأمنية في العراق.


الربيعي كان عيّنة لساسة عراقيين، تسلّقوا صهوة طهران في يوم من الأيام ثم سرعان ما نزلوا عنها، بحثاً عن صهوة أخرى يمتطونها.

 

 





السبت٢٦ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٧ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب ابو احمد الشيباني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.