شبكة ذي قار
عـاجـل










عادت قصّة التعويضات الظالمة التي فُرضت على العراق بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 إلى الظهور مجدّدا بعدما تناقلت وسائل الإعلام خبر اتّفاق بين حكومة العراق غير الشرعيّة والولايات المتّحدة لتسوية مطالبات لأمريكيّين يقولون إنهم تعرضوا لمعاملة سيّئة من قبل نظام الشهيد صدام حسين أثناء حرب الخليج عام 1991.

 

من الغريب من حيث تداعي الأحداث أن يظهر الحديث عن المطالبة اليوم، وأن تتمّ الاستجابة في هذا الظرف بالذات. وبقطع النظر عن مدى قانونيّة اقتطاع الأموال العراقيّة لتعويض أفراد ودول ومؤسّسات بدعوى تضرّرها من الغزو العراقيّ للكويت وما ترتّب عنه، فإنّ لجنة للتعويضات تشكّلت استناداً إلى الفقرة 19 من قرار مجلس الأمن رقم 687 لسنة 1991.

 

وتمّ تفعيل آليّات عمل تلك اللجنة بموجب الفقرة 20 من الوثيقة التي أصدرها الأمين العام للأمم المتّحدة تحت رقم 225539/S، وبموجبها أيضا سمّيت بـ "لجنة الأمم المتحدة للتعويضات".

 

كانت وظيفة هذه اللجنة محدّدة ومضبوطة في المكان وفي الزمان ..  هكذا يُفترض.

 

لذلك فقد حدّدت اللجنة فترة تقديم طلبات التعويض ابتداء من عام 1991 إلى غاية عام 1996. وهذا يعني أنّ كلّ من يتقدّم بطلب بعد هذا التاريخ يسقط "حقّه" في التعويض لأنّه لا يعقل أن ينسى أيّ طرف الأضرار التي لحقته جرّاء الغزو، ثمّ يستفيق فجأة ..  ويتذكّر ما حصل  ..  فيطالب بحقوقه.

 

ثمّ لا يجب أن ننسى أنّ لجنة الأمم المتّحدة للتعويضات قَبِلت أغلب مطالب التعويض، لكنّها استثنت العراقيّين المتضرّرين ..  ربّما لأنّ حجم الدمار الذي تعرّض له العراق
في العدوان الثلاثينيّ لم يُرْض أعضاء اللجنة، أو أنّهم رأوا لحكمة لا يعلمها سواهم أنّ الصدقة لا تجوز على صاحبها!!!


لا بواكي للعراقيّين  ..  لا الأمس ولا اليوم  ..
كلّ الأضرار التي لحقت بالعراق بشرا وحجرا وشجرا  ..  ماضيا وحاضرا ومستقبلا  ..  لا تستحقّ التعويض ..
أمّا الأمريكيّون الأربعة الذين وافقت الحكومة العراقيّة العميلة على تعويضهم فإنّهم يستحقّون ..  وبلا أدنى ريب ..


لقد طالبوا - بعد نهاية فترة تقديم الطلبات- بدفع تعويضات بمبلغ ستّين مليون دولار للتعويض عن أضرار نفسيّة جسيمة حصلت نتيجة حرمانهم وزوجاتهم من ممارسة الجنس طيلة فترة الأسر!!!


قصّة التعويضات هذه قصّة غريبة حقّ ..  قُدّمت إلى لجنة التعويضات آلاف من الطلبات العجيبة من كلّ مكان في المعمورة ..  من ذلك مثلا أنّ أندونيسيا طلبت تعويضا عن أضرار أصابت سفنها من جرّاء قلّة إقبال الركاب على تلك السفن التي كانت تبحر من أندونيسي ..  إلى أين؟؟؟ إلى أسترالي ..  كما أنّ إدارة سينما في "إسرائيل" تقدّمت بطلب تعويض لقلّة عدد روّاد السينم ..  طبعا بسبب الغزو العراقيّ للكويت!!!


الأمريكيّون الأربعة الذين سيستفيدون من التعويضات الضخمة جرّاء حرمانهم من ممارسة الجنس مع زوجاتهم طيلة أشهر الأسْر الستّة كانوا تسلّلوا إلى أرض العراق خلسة وثبت بعد التحقيق معهم أنّهم كانوا يمارسون أنشطة تجسّسيّة في ذروة الخلاف المتصاعد مع الكويت وقته ..  وقد حصل هؤلاء الأمريكيّون على التعويضات منذ أكثر من عقد من الزمان ..  إذ اقتُطعت المبالغ التي حصلوا عليها من الأموال العراقيّة المجمّدة رغم أنّ قرارات مجلس الأمن كانت تقضي بعدم جواز التصرّف في تلك الأموال إلاّ بموافقة المجلس المذكور ..


لا نفهم اليوم إزاء التصريح المقتضب الصادر عن "وزارة الخارجيّة العراقيّة" كيف تحوّلت الستّون مليون دولار التي طالب بها أولئك المتضرّرون إلى أربعمائة مليون دولار ..  ولا يعرف أحد مَن المستفيد من هذه الأموال التي تنفَق بسخاء لا مثيل له على أعداء العراق ..  ومن أجل ماذا؟


ما نفهمه ويفهمه المواطن العراقي الذي لا يجد رغيف يومه أنّ هذه الأموال هي دفعة على الحساب ..  هي قسط من مبلغ ظلّت حكومة وكر الضباع تدفعه في كلّ مرّة مقابل بقائها في السلطة. ويبدو أنّ رائحة الاتّفاق بدأت تتصاعد أو هي في طريقها ليدركها الجميع ..  ويدرك معها أنّ الرشوة دُفعت هذه المرّة وككلّ مرّة نقدا وعين ..  من كرامة العراق وعزّته ومستقبل أبنائه وثرواتهم.


akarimbenhmida@yahoo.com





الخميس٠٧ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.