شبكة ذي قار
عـاجـل










انتهت قمة الناتو في لشبونة الأسبوع المنصرم بعد أن انعقدت في أجواء غائمة، أفاقها مقلقة للغرب بسبب الأزمة المالية التي تهز أركان الاقتصاد الغربي، والتي تؤشر الى نهاية الهيمنة الغربية في العالم التي دامت منذ القرن التاسع عشر الى يومنا هذا. وبحسب الاعلام فقد تم انعقاد هذه القمة لمناقشة خطط لبدء الخروج من أفغانستان ونقل المسؤولية الأمنية الى الأفغان بحلول عام 2014، اضافه الى مناقشة الدرع الصاروخية مع روسيا التي يغريها الغرب للانضمام الى حلفه الأطلسي، وكذلك مناقشة الإرهاب والإرهاب الالكتروني والهجمات الصاروخية.


لكن الأمين العام للحلف اندرس فوغ راسموسن الذي ألقى جدول أعمال القمة هذه في افتتاح جلسة الليلة الثانية، عاد الى هذه النقاط في صحيفة 'الفايننشنال' ليؤكد ان الخروج من أفغانستان ليس أكيدا، وهو يتعلق بقدرة حكومة الاحتلال الأطلسي، أي حكومة كرزاي على تأسيس جيش وتدريبه لمكافحة الإرهاب الذي هو تحد عالمي وأهمية استراتيجية عالمية وبدون ذلك فان الحلف سيواصل مهامه القتالية في هذا البلد.


ان تصريحات الأمين العام لحلف الأطلسي تشبه تصريحات العسكريين الأمريكيين حول الانسحاب من العراق، التي نسمعها منذ سنوات والتي هي مجرد تضبيب اعلامي موجه للرأي العام الأمريكي والغربي لامتصاص النقمة والاحتجاجات ضد حروب الإمبراطورية الآيلة للسقوط. والحقيقة وراء أكاذيب حلف الأطلسي وقادته هو ان هذا الحلف سيستمر بالاحتلال والحروب الى عقود أخرى لفرض الهيمنة على الشرق الأوسط وبالأخص العراق وفلسطين وأفغانستان ولن يخمد أسلحته بسهولة ضد المنطقة العربية الا بالمقاومة لمشاريعه. القمة الأطلسية التي عقدت تحت شعار إحياء حلف شمال الأطلسي الذي أسس لمحاربة النفوذ الشيوعي عقب الحرب العالمية الثانية في أوروبا فقط ، تعلن اليوم أنها صادقت على إستراتيجية جديدة لعشرين عاما لحروب تشن خارج حدود أوروبا مؤكدة ان هذه الحروب لن تقتصر على إيران.


ان قمة لشبونة لا تشبه القمم الأخرى لحلف الأطلسي فهي تعقد في فترة مفصلية من تاريخ العالم أجمع، وبالأخص تاريخ أووربا والغرب. فالهيمنة التي تمتع بها الغرب لأكثر من قرن هي في طريقها الى الأفول اذا لم تكن قد بدأت فعلا وبشكل متسارع لكي تنتقل الى الصين التي تندفع بقوة اقتصادية هائلة، حيث احتلت المركز الثاني في الإنتاج العالمي بعد الولايات المتحدة مزيحة اليابان من أمامها. الأزمة الاقتصادية الرأسمالية تضرب اقتصاديات أوروبا بشدة وتهدد بانهيار عملة اليورو وباستبدالها، وتعلن اليوم دول مثل اليونان وايرلندا إفلاسها وعلى الطريق ايطاليا وربما فرنسا، وهذه الأزمة غير قابلة للحل على المستوى القريب او المتوسط، حسب خبراء اقتصاديين لأن حلها يحتاج الى تغيرات بنيوية يرفضها النظام البنكي الرأسمالي رفضا قاطعا. ولذلك لن يتنازل الغرب الأطلسي عن مكانته هذه التي نظر لها المحافظون الجدد وما يزالون ناصحين الادارات الأمريكية المتعاقبة باحتلال منابع الطاقة العالمية الموجودة في الشرق الأوسط. في قمة لشبونة التحقت الدول الأوروبية المنضمة الى الحلف الأطلسي بالولايات المتحدة وعقدت شراكة عسكرية للتعاون مع الولايات المتحدة للمحافظة على احتلال العراق ولوضع اليد بشكل كامل على المخزون الاحتياطي لنفط العراق، ربما الأول في العالم اليوم وليس الثاني، بعد انتهاء عقد الهيمنة على نفط المملكة السعودية.


ان استراتيجية لشبونة الجديدة لا تعني لا اليابان ولا موزمبيق، بل هي استراتيجية تخص الشرق الأوسط. تخص العراق أولا وفلسطين وأفغانستان وكل دول الشرق الأوسط التي يراد لها ان تكون تحت حكم الحلف الأطلسي الصهيوني لمئة عام، على حد قول جون ماكين المرشح الجمهوري السابق. العشرون سنة القادمة هي مخطط لكيفية الإجهاز على المقاومة العربية والإسلامية تماما للاستمرار باحتلال العراق وأفغانستان وإتمام احتلال فلسطين واحتواء إيران وكسر شوكة أي مقاومة ليس فقط في هذه الدول، بل حتى في الدول التي توجد فيها معارضات ومقاومات سلمية- مقاومة الانترنت- في أوروبا وغيرها مما تسميه قمة لشبونة إرهاب الانترنت. ان دعم حكومات منصبة كشرطة للمحتل واغراء آخرين بالدخول في عمليات سياسية لتسهيل الهيمنة على العراق وأفغانستان وفلسطين، هي مطالب أطلسية وليست مطالب شعوب هذه البلدان، وقد طلب اوباما في هذه القمة من كل الدول التزامها الدائم بمساعدة أمريكا بهذا الشأن، أي مساعدة حكومات المحتل ودعمها بما في ذلك الجامعة العربية التي تريد عقد قمة لها بحجة دعم الشعب العراقي، فيما رأينا حدود هذه الحكومات المنتخبة ـ ديمقراطيا- وكيف ان المحتل يتصرف بما يتلاءم ومصالحه وليس مصالح الشعب العراقي او الأفغاني، كما حصل أخيرا في الانتخابات العراقية وأبعاد القائمة الفائزة التي أتت نفسها مع المحتل ومصير سلطة محمود عباس في فلسطين المحتلة.


لقد شاركت جميع الدول العربية من دون استثناء بإزاحة العراق كبلد له ثقل أساسي في الشرق الأوسط، خاصة العربية السعودية ومحميات الخليج الأخرى مهمشة أكثر وأكثر الجزء القليل للكتلة العربية، من دون ان تقوم هي بتقديم بديل يتناسب مع المتغيرات الإقليمية والعالمية المستجدة. لقد رافقت المملكة سياسات الولايات المتحدة والغرب الى أقصاها في الشرق الأوسط ودفعت فاتورات الحروب على المنطقة للأسف من دون أي مقابل بسبب علاقاتها التاريخية التي تربطها مع الولايات المتحدة واستثماراتها المالية الضخمة فيها، لكن اليوم هناك قوة كبيرة تشكلت وقوى اصغر لا ترتبط بها المملكة ولا دول الخليج بوشائج عميقة مثلما هو الحال مع الولايات المتحدة تمكنها ان تؤسس لعلاقات ثنائية أكثر توازنا منه مع الولايات المتحدة والغرب، الذي اعتاد على كرم غير محدود وعلى صمت وموت تام لأي رد فعل على كل حروبه ووحشيته ضد العالم العربي، سواء في العراق او فلسطين او لبنان. فهل ستتمكن المملكة وكانتونات الخليج من التنسيق مع بعضها، او حتى مع تركيا وإيران لوضع إستراتيجية لعشرين عاما جديدة تتهيأ فيها دول العالم المهمة للانتقال الى عالم آخر؟ أم أنها ستستمر في مواقفها الأطلسية التي تسمح بالاستباحة لهذا الشرق الأوسط المدمى منذ قرن بسبب سياسات الغرب المهيمنة؟ هل ستتجرأ هذه الدول كما تفعل غيرها مثل ألمانيا بالطلب بتقاسم القوة في الهيئات الدولية، مثل مجلس الأمن وهي من يملك احتياطي الطاقة العالمي الأكبر؟ هل ستبقى هذه الدول على سيادتها ناقصة بحجة ان الغرب يحميها من دون ان تؤسس لدول وطنية لها تأثيرها الفاعل في الدفاع عن الأمن الوطني والقومي ولو بالحد الأدنى، أم ان ذلك أصبح في مستوى الغاية التي لا تدرك؟


ربما يتحتم على المقاومة العراقية وعلى غيرها في المنطقة ان تكون لها استراتيجية تتلاءم مع استراتيجية قمة لشبونة وأوضاع حلف الأطلسي الاقتصادية والهزائم العسكرية المحبطة والموجعة والقاتلة للقوات العسكرية الغربية في أفغانستان، اذ ان دول حلف الأطلسي لن تصمد وهي في هذه الأزمة الاقتصادية أمام استنزاف مستمر للمصاريف العسكرية والبشرية. قمة لشبونة ستستمر بخطط سبق لواشنطن ولبعض الدول الأوروبية المتحالفة معها بالتصريح بها، وهي تخفيض القوات العسكرية وإحلال المرتزقة محلهم للقيام بإعمال الفتنة والتفجيرات والإرهاب والتطهير بانواعة بمساعدة ميليشيات محلية مدفوع أجرها من حكومات الاحتلال، وتضييق الخناق على السكان بشتى الطرق وتهجير اكبر عدد منهم الى غير عودة واستقدام مهاجرين، سواء من الكيان الصهيوني او من أكراد الدول المجاورة لمعاونة قوات الاجرام الأطلسية في استتباب الأوضاع بالطريقة التي تناسبها. يلعب الغرب الأطلسي الرأسمالي مصيره في الشرق الأوسط لذلك رص صفوفه في لشبونة فهل سترص المقاومة العربية والإسلامية في العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان وعلى طول العالم العربي صفوفها وتجهض حلمه لتحقق حلم شعوب المنطقة في الحرية وقلع جذوره من أرضنا الى الأبد.

 

 





الجمعة٢٧ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٣ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب ولاء السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.