شبكة ذي قار
عـاجـل










في كل عام من رمضان تطل علينا قناة البغدادية بمسلسل جديد يسرد حقبة ( مشوهة ) من تاريخ العراق ، وكأن القائمين على هذه القناة يتعمدون الكذب والتدليس والكيل بمكيالين في شهر الطاعة والغفران!!، وقد تبنت قناة البغدادية مؤخراً أنتاج مسلسل جديد سيعرض في شهر رمضان يتناول قصة السفاح ( حاتم كاظم هضم ) المعروف ب ( أبو طبر ) ، وهي قضية جنائية شغلت المجتمع العراقي في بداية السبعينات من القرن الماضي وحازت على أهتمام الحكومة إلى درجة أنها أستعانت بخبراء قضايا جنائية من فرنسا وروسيا ، وخلفيات القضية مرتبطة بنفسية السفاح المضطربة وأستعداده على الجريمة بدافع السرقة أو الأنتقام لأتفه الأسباب حسب أعترافات المجرم وشركاءه ( زوجته وأبن شقيقته ) ، لكن رآي القائمون على قناة البغدادية يختلف جذرياً ، فقبل أن يعرض المسلسل سبقته المقدمات التي ( تبشر ) بأن قضية السفاح الشهيرة تحولت ( ببركة البغدادية ) من قضية جنائية إلى لعبة سياسية لتصفية الحسابات تقف وراءها أعلى سلطة في الدولة!!، وهذا ليس غريباً على قناة البغدادية التي تجتهد لنيل رضا حكومة ( القامّة والزنجيل ) بالضرب على وتر يطرب مسامع القابعين في المنطقة الخضراء على أمل أن يصبح ل ( مقعد ) عون حسين الخشلوك مكان بين ( مقاعد ) العملاء!!، ولهذا باتت كل القضايا عرضة للمتاجرة بعد أن أصبح ( السفهاء ) يسطرون التاريخ ويفصّلون الأحداث على مقاس سلعهم المستهلكة ، حتى لم يعد هناك مكان للقضاء والقدر بعد أن ذوب خيالهم الواسع كل الأحداث في أحواض تيزاب المؤامرات ، فأذا دهست ( فلان ) سيارة قالوا حادث مدبر!! ، وعندما يموت أحد ما بمرض عضال قالوا حقنوه بأبرة مميته!!، حتى أذا وقع نيزك من السماء فأن صدام حسين أرسله!!، وقد سمعت من أحد الأشخاص يوماً أن شقيقه الذي أستشهد في القادسية المجيدة لم يمت في معركة وأنما أغتالته المخابرات العراقية !!، الغريب في الأمر أن شقيقه كان جندي مكلف فما هو تأثير هذا الجندي البسيط على الدولة بحيث تستنفر مخابراتها لأغتياله؟!، ثم لماذا هذا الأسلوب الملتوي وبإمكان السلطات أعتقاله ومحاسبته!!، إلم تقم الدولة من قبل بجر الخائن محمد باقر الصدر من أذنه وأنزلت به القصاص العادل؟!، وهذا ينطبق أيضاً على قضية ( أبو طبر ) ونفس السؤال ، لماذا تستعين الدولة بشخص يقوم بعمليات أغتيال داخل حدود سلطتها وبأمكانها وبكل سهولة أن تعتقلهم بأي تهمة وتتخلص منهم!!، على سبيل المثال أتهامهم بالأشتراك في مؤامرة ناظم كزار التي حدثت في تلك الفترة ، كما فعل الخميني عندما تخلص من أعداءه ( من بينهم المرجع الإيراني كاظم شريعتمداري ) بتهمة تورطهم بمؤامرة ( صادق قطب زادة ) !!، المشكلة أن الأحقاد الفئوية والانتماءات والولاءات اصبح لها تأثير كبير على وجهات نظر البعض حتى بات المنطق لايعني لهم شيئاً ، الفنانيين مثلاً قبلوا على أنفسهم أن يكون لهم دور في صناعة تاريخ مزييف يروج له أعداء العراق ، كما يروج الفرس لكذبة كسر ضلع الزهرة!!، لكن واحداً منهم لم يبحث عن الحقيقة أو يناقشها منطقياً ، وهذا يجعلنا أمام أمرين لاثالث لهما ، إما أن يكون المشتركون في هكذا أعمال فنية على دراية تامة بأنهم جزء من لعبة سياسية قذرة غايتها قلب الحقائق أو أنهم جهلة إلى درجة وافقوا على تجسيد حدث ليس له مصدر سوى مؤلف تسرح به الأحقاد وتمرح ، حتى أنه أخطأ في تحديد أداة الجريمة التي كان يستخدمها السفاح وصورها على غير حقيقتها ، والسؤال الذي يطرح نفسه ، أذا كان ( المؤلف ) قد أخفق في تحديد إداة الجريمة فكيف له أن ينجح في تحديد خلفياتها؟!، أتذكر لقاء شاهدته للفنان المصري ( نور الشريف ) تحدث فيه عن دوره في مسلسل "عمر بن عبد العزيز" ، حيث ذكر أنه بحث عن مصادر تاريخية لهذه الشخصية وقارنها مع السيناريو المقدم له لأن القضية أكبر من كونه مسلسل تلفزيوني ، أنه توثيق للتاريخ وهذه مسؤولية يتحملها كل من يشترك في أعمال من هذا النوع ، فالأعمال الدرامية ليست فقط للتسلية أو قضاء الوقت بل هي مشاركة فعلية في صناعة التاريخ ، وما تفعله البغدادية ( في كل رمضان ) يعكس المستوى المتدني لهذه المؤسسة التي تتجار بكل شيء ، على أية حال أتمنى أن يخيب ظني وأن تكون المقدمات التي تعرضها البغدادية عن هذه المسلسلة تختلف عن التوقعات حتى لا يصيبنا الأحباط من الفن العراقي ، أما اذا كانت التوقعات في محلها فلا أستبعد أن تنتج البغدادية في العام المقبل لنفس الكاتب ( الفلته ) مسلسل جديد عن جاك السفاح الذي أرسله البعثيون عام 1888 ليرتكب جرائمه في لندن !!، مهزلة.

 

 

 

بلال الهاشمي

باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي

http://bilalalhashmi.blogspot.com/

alhashmi1965@yahoo.com

٣٠ / تمـــوز / ٢٠١١

 

 





السبت٢٩ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.