شبكة ذي قار
عـاجـل










هل تقدم أمريكا البحرين على طبق من فضه إلى إيران ؟
لماذا الدعم الأمريكي ( للشيعة الفرس ) في البحرين ؟
ولماذا تشن مراكز الأبحاث حملة منظمة لدعم هذا الاتجاه؟
هل تريد أمريكا .. دويلة (شيعية فارسية) في الخليج .. لماذا؟


مقدمة :


أحياناً حين تجمع بعض المؤشرات الصغيرة المهمة في ملف معين واحد ولقضية واحدة ، تستوقف المتابع حالة قد تفضي هي الأخرى إلى مؤشرات بارزة تكشف الهدف الذي يختفي خلف تلك المؤشرات الصغيرة والعابرة في زحمة الأحداث المثيرة للجدل، التي تلفت الانتباه .


فحين تسلط الأضواء على ما يجري في البحرين وكيف تنظر جهات الأبحاث ومراكزها والشخصيات واللوبي الإيراني والصهيوني إلى تلك الأحداث، يكتمل معنى الحركة ومغزاها، الذي من شأنه أن يبلور شيئاً قد تظهر ملامحه عند تخوم التحولات التي تنتظرها القوى الدولية والإقليمية ليكون الهدف جاهزاً.


في أمر البحرين ومنذ بروز موجتها الشرقية، ومنذ ركوب موجة التغيير في بعض الساحات العربية (تونس ، مصر ، ليبيا ، اليمن ، سوريا)، ثمة دلائل قوية تؤكد قيام السفارة الأمريكية في المنامة باتصالات مكثفة وحوارات متواصلة مع شريحة معينة مقيمة بين ظهراني المجتمع العربي في البحرين، التي تقود الاضطرابات علانية وترفع الشعارات واللافتات وصور لا تمت بصلةٍ للبحرين، وهي صور لقادة إيرانيين بارزين !!


والملفت أن هذه الاتصالات والحوارات بين أطراف أمريكية ترعاها السفارة الأمريكية وبين الشريحة (الشيعية الفارسية)، باتت تغذي أفكار الشارع البحريني وتشجع على الخروج على الإطار العام للدولة في صيغة تدخل في الشأن البحريني تحت مسميات (الشفافية وحرية المعارضة وحقوق الإنسان والتعددية السياسية والديمقراطية .. إلخ ) .. والملفت في هذا الشأن ، أن " الشيعة الفرس " وليس ( الشيعة العرب ) هم الذين يتعاونون مع السفارة الأمريكية في المنامة ، ويتلقون تعليماتهم من قم وطهران عبر مرجعياتهم الفارسية في البحرين .


دعونا نبدأ بالرئيس الأمريكي (باراك أوباما) .. ماذا قال في خطابه بشأن البحرين؟


- في جملة حديثه عن الانتفاضات العربية، ذكر أن (البحرين حليفة لأمريكا)، فيما وجه في الوقت ذاته انتقادات عنيفة لحكومة البحرين، فماذا يعني ذلك ؟!
- أظهر تعاطفه الواضح مع مطالب المعارضة (الشيعية) كما يسميها .. وهو اقتراب واضح من السياسة الإيرانية أو مغازلتها !!


- تحدث أوباما عن العراق ووصفه بأنه (يمثل أنموذجاً ناجحاً للديمقراطية متعددة القوميات والطوائف) ، ولحديثه هذا مغزى عند الربط بين ما يراد للبحرين و (نموذج) العراق .!!
السياسة الأمريكية حيال البحرين هل تفصح عن ملامح ؟!


- ترى هذه السياسة، وحسب توصيفاتها، أن (الشيعة) في البحرين ليسوا أعداء لأمريكا، لأنهم يفتحون حواراً مستمراً مع الجهات المعنية في السفارة الأمريكية في المنامة، بل أصدقاء وحلفاء لها في الحاضر والمستقبل.. لذا تحظى هذه الشريحة بدعمها وتشجيعها ورفدها بالتوجيهات، التي تمكنها من الوصول إلى أهدافها تحت مسميات مختلفة !!


- وعليه فأن هذه السياسة ترى أن إيران سوف لن تكون الرابح في حالة حصول (الشيعة) في البحرين على مطالبهم . وهنا مفارقة غريبة وكأن الذي يحصل في البحرين شيء لا علاقة له بإيران، في الوقت الذي تشن فيه إيران حملة شعواء ضد البحرين وحكومتها، جندت لها طواقمها في بغداد وجنوب لبنان واللوبي الإيراني في واشنطن ومراكز الأبحاث . وأمريكا تدرك ذلك الربط العضوي بين إيران وتلك الشريحة، ولكنها تؤسس على شيء آخر يعد هدفاً إستراتيجياً مهماً يتوجب الانتباه إليه ، يأتي في إطار (توافق إستراتيجي بين واشنطن وطهران وخلفهما تل أبيب) بشأن المنطقة !!


- تعتقد أمريكا أن (دولة شيعية) في البحرين يمكن أن تشكل في المستقبل رصيداً إستراتيجياً لأمريكا تحقق الربط بين أضلاع المثلث ( المنامة ، النجف ، طهران ) !!
وإذا ما تحقق هذا المثلث سَتُلْتَهَمُ الكويت وتقسم السعودية والإمارات..إلخ.


لنرى ماذا تقول " مجموعة الأزمات الدولية " في تقاريرها عن البحرين ( وهي مؤسسة بحثية قارية شخوصها والعاملون فيها من كبار الشخصيات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والأكاديمية الأمريكية والأوربية والشرق أوسطية، ترتبط بمصدر صنع القرار في واشنطن) :


- تصف الوضع في البحرين بأنه خطير .. وعلى أساس هذه الخطورة توصي المجموعة باتخاذ خطوات لمعالجة ما تسميها (معاناة الطائفة الشيعية المهمشة التي تشكل 70% من المواطنين ) !!


- وتشير إلى أن التهميش المنظم (للشيعة) في العملية السياسية عبر التجنيس السياسي للدوائر الانتخابية !!


وبماذا توصي مجموعة الأزمات الدولية ؟

- تعميق المشاركة في العملية السياسية في البحرين .
- تشجيع (الشيعة) الفرس وغيرهم العاطلين على المشاركة !!
- وضع حد لممارسة التمييز ضد (الشيعة) على الجملة !!
- إعادة رسم الدوائر الانتخابية بما يعكس واقع التركيبة السكانية .
- تعديل دستور عام 2002 بما يتوافق مع دستور عام 1973 . !!


التوصيات هذه كلها، مصدرها واشنطن، ومراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية والشخصيات السياسية والصحافية والثقافية والأكاديمية ما هي إلا صدى لتوجيهات المركز الإستخباري الأمريكي لكي تتحدث بصوت عال عن ما يسمى مظلومية شريحة (الشيعة) الفرس في البحرين !!


الملاحظات العامة :

أولاً- ألم تكن تلك الممارسات والتصرفات، التي تقوم بها المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية في البحرين قد خرجت عن إطارها وحدود تعاملها وشروط تمثيلها الدبلوماسي في البحرين ؟! ، لأن التمثيل الدبلوماسي يهدف إلى تطوير وتقوية العلاقات الثنائية على وفق قواعد التعامل التي يقرها القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .. وهنا خرجت السفارة الأمريكية وارتكبت أعمالاً من شأنها أن تعد تدخلاً سافراً في الشأن البحريني .. وهذا يتعارض مع أصول التعامل ويتقاطع مع السلطان الداخلي للدول .. فلو كانت البحرين وحكومتها قوية وقادرة ومحصنة ذاتياً لطلبت من السفارة أو العنصر الأمريكي الذي ينتهك الأعراف والقوانين بمغادرة البلاد خلال (24) ساعة باعتباره( Persona nanegrata ) ، بمعنى شخصاً غير مرغوب فيه ... ولكن واقع مكونات السياسة البحرينية له حضور في مثل هذا الموقف!!


ثانياً – ألم يكن الخروج على الأعراف، والسكوت عليها ، يعد حالة استثنائية قد تتحول إلى سابقة، وهو الأمر الذي يعكس طبيعة الشخصية السياسية الأمريكية المتغطرسة والمتسلطة والمهيمنة في تعاملها مع غيرها، وخاصة إذا كان ضعيفاً وغير قادر على الدفاع عن نفسه ؟!


ثالثاً- ألم يكن النهج الذي تمارسه السياسة الأمريكية في كل الساحات الإقليمية والدولية هو نهج تدخلي فج يخالف الأعراف والقوانين، ولا ينم عن الرغبة الحقيقية الموضوعية في إقامة علاقات ثنائية تقوم على المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة ؟!


الملاحظات الخاصة :

أولاً- إن المساعي الأمريكية غير المشروعة في البحرين على وجه الخصوص، هي مساعي تدميرية تستهدف إلغاء الدولة البحرينية وإقامة (دولة شيعية) تابعة لإيران على أساس الإيهام بأن هذه الدويلة ستكون صديقة لأمريكا وركيزة أساسية لمخططها في منطقة الخليج العربي مستقبلاً !!


ثانياً- إن النقلة الأمريكية هي في حقيقتها خطوة متأنية لمتغيرات خطيرة في الخليج والجزيرة العربية، بعد طي ملف (صعده) العسكري في اليمن مؤقتاً ووضعه على الرف لحين ظهور الظروف المناسبة .. هذه النقلة تبدأ في البحرين وتمتد إلى الكويت، فيما يصار إلى التحريض (الشيعي الصفوي) في السعودية لإثارة الإشكاليات بوجه السعودية، أما العمل في جنوب العراق فالتحضير له ما زال مستمراً لوضع الكويت بين فكي الكماشة الإيرانية والأمريكية التي تريد وتخطط من أجل تغيير الأنظمة العربية كلها.


ما الحل أمام دول الخليج العربي إذن .. ؟

هل الارتماء أكثر في أحضان أمريكا والسكوت على أساليب حَلْبِها لثروات النفط حتى نهاية الضرع ؟ أم الاقتراب من إيران والسكوت على تجاوزاتها واختراقاتها والعمل على مجاملتها على حساب مصالح الشعب العربي في البحرين بجعل (الغول) الشيعي- الفارسي يبتلع السلطة ويمزق المجتمع تدريجياً ؟ أم اختيار طريق ثالثة تعتمد على تحصين الداخل وتنظيفه وبلورة إستراتيجية دفاعية عامة تشتمل على البعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأمني، وإعادة ترتيب مفاهيم الأمن المحلي (أمن النظم) ونظام الأمن الإقليمي من جديد بما يتلائم والتطورات التي تجتاح المنطقة برمتها، وبما ينسجم مع منطلقات الأمن القومي العربي دون أي تدخلات أجنبية من أي لون وصوب ؟ .


فالموجة تجتاح المنطقة، يقودها قراصنة أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون وأطلسيون وصهاينة عنصريون .. فبعض هذه الأنظمة وضِعَ على نار أطلسية حامية، وبعضها على نار هادئة، والبعض الآخر على نار هادئة جداً ريثما تنضج الطبخة الإستخبارية الأمريكية الصهيونية الإيرانية المشتركة !!
هل ترون ما حل بالخليج العربي وما سيحل بالأمة العربية بعد إسقاط النظام الوطني في العراق وتدميره واحتلالـــه ؟!

 

 





الاثنين٠٧ شـوال ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / أيلول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب د . أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.