شبكة ذي قار
عـاجـل










ما أن دنس المحتل الأمريكي ارض الوطن، حتى تفجر الغضب العراقي بأشكال مختلفة، بدءا بالمقاومة المباشرة بالبندقية، وانتهاء بالكلمة الهادرة،وبشكل فاجأ المحتل، الذي زعم أن العراقيين، سيستقبلونه بالورود.


ولم تقتصر المقاومة بالقلم والكلمة ،على المثقف والمفكر العراقي،من النخبة الوطنية فقط،وإنما كانت مقاومة ثقافة المحتل، قد انتشرت بين الشعراء الشعبين بشكل واسع،وملفت للنظر حقا، وفي مختلف مناطق العراق، وبشكل لم يسبق له مثيل.فلم يخلو إبداع لهم، من الكتابة في الحنين إلى الوطن، والأسى لما حل ببلدهم العراق من بلايا، فصارت القصيدة الشعبية، والقصة كلها من أدبيات المقاومة، التي انعكست على الثَقافة الشعبية في العراق،تنديدا بموبقات المحتل، وتمجيدا بالبطولات العراقية،في عملية تجسيد إنساني لحالة البطولة العراقية، في أبهى صورها،وتنديدا بسلوك العمالة، والطائفية، والمحاصصة المقيتة، التي جاء بها المحتل، وأرادها أن تكون ثقافة مدنية بديلة، للثقافة الوطنية العراقية الأصيلة، المسكونة دوما بحب الوطن.


وهكذا انعكست الأجواء المشحونة في العراق المحتل، على كل جوانب الحياة الشعبية في العراق، فشكل الشعر بشكل عام ،والشعبي منه بشكل خاص، أحد أشكال التعبئة،والمقاومة الشعبية، ضد ممارسات الاحتلال الأمريكي، الجاثم على صدر الشعب العراقي الأبي.ولقد وجد الحس الوطني الشعبي صداه في هذا الشعر، الذي رفض المحتل وثقافته المتهافتة، وشرع ببث روح التطلع،وشحن عواطف الجماهير،بالتمرد على مشروع المحتل لمحو الهوية الوطنية،فاختار الشعر الشعبي الكلمة، وسيلة للمقاومة من أجل التحرير.


لقد لعب الشعر الشعبي في العراق بحق، دوراً تعبوياً، وتحريضياً هاماً، في مقاومة الاحتلال البغيض، ورفد المقاومة الشعبية في سبيل التحرر والاستقلال الوطني، بأعلى مؤازرة معنوية،لأنه كان نابعا من صميم الوجدان الجماهيري، والنبض الشعبي. وقد كان الشعر الشعبي، احد عوامل اليقظة والصحوة الجماهيرية، فانتشر هذا اللون من الشعر بين الجماهير، بسرعة النار في الهشيم، وتداوله الجميع في مجالسهم الخاصة، والعامة بشغف، وتلقوه بلهف،حتى وصل إلى كل شرائح شعبنا في الداخل العراقي. ثم نجح أيضا، في التواصل مع العراقيين في الغربة، ممن تم تهجيرهم تحت وطأة الاحتلال وتداعياته،حيث وجدوا فيه متنفسا شعبيا، يعبر بصدق عن معاناتهم،ويعكس بشفافية، شوقهم إلى الوطن، وتطلعهم المؤمن،نحو التحرر من المحتل،وطرده من عراق البطولات، والإرادة المستقلة،في رؤية حالمة بعودة سعيدة،إلى أحضان الوطن الدافئة.


ويلاحظ أن حركة الاهتمام الجمعي، بالتراث الشعبي،جاءت بطريقة عفوية،لتؤكد الأصالة، ورفض زيف ثقافة المحتل،رغم الهجمة الإعلامية المكثفة، المدعومة بكل وسائل المعلوماتية بفضائها المفتوح،التي استهدفت خلخلة العادات والتقاليد الموروثة،فخلقت مناخاً مثاليا،لانتشار هذا الشعر بين الجماهير العريضة الواسعة، في الأرياف، والمدن على حد سواء،حيث نجح الشعراء، والأدباء الشعبيون، في أبداع قصائد شعبية لامعة،تمكنت من ملامسة القلوب، ودغدغت مشاعر الجمهور، وهيجت أحاسيسهم المرهفة، بتجلياتها المثقلة بالهموم الجماعية للجماهير،التي عانت الأمرين، من تداعيات الاحتلال البغيض.


ولا جرم أن هذا المناخ المأساوي العام،قد أغنى التراث الثقافي الشعبي بإلهامات زاخرة بحب الوطن،وترسيخ قيم الحب والمواطنة،ورفض ثقافة المحتل،مما منح الشعراء فرصة تاريخية ثمينة، لطرق كل الأنماط المعروفة،من أشكال الشعر الشعبي،حتى أمكن تلمسها في القصيدة، والعتابة،والبوذية،والنايل، والزهيري، والأهازيج الشعبية،والأغاني العاطفية والوطنية،وتوجدات المداحين،في المناقب النبوية،فعرفته فضاءات الريف،وشوارع المدينة، في حفلات الزفاف،والمناسبات الاجتماعية الأخرى،حيث تغنى الشعراء الشعبيون،بوحدة العراق،شعبا، وأرضا ووطنا، وتاريخا.


وخلاصة القول ،فان بروز ظاهرة الشعر الشعبي في العراق،بهذا الشكل المتفرد،رغم أنها كانت سابقة على وجود ظرف الاحتلال،في الساحة العراقية،إلا أنها عكست الألم، والجرح العراقي النازف، فأدت دورها في تعبئة المواطن، وشحن الجماهير، وعبرت عن رفض المحتل وثقافته،بمسؤولية تاريخية.


وبهذا كانت ظاهرة الشعر الشعبي العراقي،بهذه الكيفية السامية، تعبيرا صادقا عن نبض الشارع، وسلوك الجماهير،في تطلعها الشعبي الأصيل، نحو الاستقلال الناجز، والإرادة الحرة،فاستحقت أن توثق كتجربة كفاحية نبيلة، في تاريخ الموروث الشعبي العراقي،حيث عكست الماضي السعيد، والحاضر المؤلم، واستشرفت المستقبل الحالم بتحرير العراق، وطرد المحتل البغيض بالفعل العراقي المقاوم.

 

 





الجمعة١١ شـوال ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / أيلول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب هداج جبر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.