شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

وبعد :


فقد وردني السؤال الآتي :
" ما حكم وفاة مواطنين آمنين جراء تعرض بيوتهم أو أماكن عملهم لمداهمات قوات الأمن الحكومية في العراق ؟ "


وجوابا على ذلك أقول :
منذ عام 2003 (عام الغزو والاحتلال الأجنبي للعراق ) تعرضت مئات الألوف من دور العراقيين وأماكن عملهم الخاصة والعمومية لمداهمات قوات المحتل تعاونها في ذلك وحدات شرطة وجيش حكومية وبعض الميليشيات المرتبطة بالحكومة بحجة إلقاء القبض على المطلوبين ، ثم استمرت بعد ما سُمي – خروج قوات المحتل – بذات الوتيرة والعنف إلى يومنا هذا.


وقد تسبب ذلك في موت كثير من العراقيين الآمنين الذين تعرضت بيوتهم وأماكن عملهم الخاصة والعمومية للمداهمة، إذ أصيبوا بالجلطة القلبية أو السكتة أو ما إلى ذاك، فضلا عن الذين تعرضوا للقتل العمد.
ولتحديد نوع هذا القتل الناجم عن المداهمة وبيان حكمه الشرعي أقول: لقد قسَّمَ جمهور الفقهاء القتل إلى :


1- القتل العمد : وهو ما يتم باستعمال سلاح قاتل كالمسدس أو أداة جارحة قاتلة غالبا، كالسكين وغيرهما، أو بما يجري مجرى السلاح، كحجر كبير أو خشبة كبيرة، بشكل متعمد.


2- القتل شبه العمد : وهو القتل الذي يتم بتعمد باستعمال سلاح غير قاتل في أغلب الأحوال، كالعصا الصغيرة، أو بغير استعمال السلاح، أو ما جرى مجراه، كإغراق شخص أو خنقه حتى الموت عمدا.
( وهو موضع خلاف بين الفقهاء في ذلك إذ عده بعضهم قتلا عمدا ).


3- القتل الخطأ : وهو ما يتم بدون قصد جنائي سواء أكان الخطأ في القصد، كأن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي، أم خطأ في الفعل، كأن يرمي صيدا فيخطئ فيصيب آدميا، أم خطأ في القصد والفعل معا، كأن يرمي آدميا يظنه صيدا فيخطئ فيصيب غيره من الناس.


والمدقق في الموت بسبب المداهمة يستطيع أن يقرر أن هذا الموت ( قتل من النوع الثاني وهو القتل شبه العمد )، لأنه :


1- يعد قتلا بتعمد في الفعل وهو المداهمة والمباغتة عمدا.
2- ولأنه يتم بالتسبب في القتل عمدا، والقتل بالتسبب يعد قتلا عند كثير من الفقهاء.


3- ولأنه غالبا ما تكون المداهمة ليلا عندما يكون الناس في مأمنهم، مما يؤدي إلى إشاعة الذعر والفزع لدى أهل البيت المداهـَم، فهي خارجة عن الأخلاقيات في حفظ الأمن وملاحقة المطلوبين، لأنها إرهاب وتخويف وتـَكَشّــُفٌ على عورات الناس.


وبناءً على ما تقدم أرى:
1- أن القيام بمداهمة البيوت الآمنة حرام شرعا، وجريمة عرفا، وانتهاك لحقوق الإنسان.
2- أن الاحتجاج بأن ذلك من أجل القبض على المطلوبين حجة واهية لأن :


أ‌. المطلوب، إن كان لم يُعرض على القضاء بعد، فانه ما زال بريئا ولم تثبت إدانته.


ب‌. وإن كان مدانا فإن القبض عليه ينبغي أن يتم بطريقة لا تؤدي إلى مفسدة أعظم وهي التسبب في قتل الأبرياء، ولم يرد في السنة ولا في عمل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا التابعين مَن فعل ذلك.


3- على فاعل المداهمات عقوبة القاتل ( شبه العمد )، على رأي من قال إنها شبه عمد، وهي الدية المغلظة والكفارة، وهو مذهب الجمهور. وعلى فاعل المداهمات القصاص، على رأي من يرى أنها قتل عمد.
وهي في كل الأحوال تعد من جرائم قتل النفس عند الله تعالى، لعموم النصوص الواردة في ذلك.


4- وقد نص الفقهاء على أن :
أ‌. من ألقى على إنسان حية ولو كانت ميتة فمات فزعا ورعبا، فهو قاتل له عمدا، وإذا سَـل ّ عليه سيفا فمات فزعا، فهو قاتل له عمدا عند الإمام مالك.


ب‌. بينما يرى الإمام أحمد أنه من القتل شبه العمد، وألحَقَ بذلك : مَن تـَغـَـفـَّـلَ عاقلاً فصاح به فَخـَرَّ ميتاً، وإن السلطان إذا بعث لامرأة ليحضرها إلى محل الحكم فأفزعها ذلك وأسقطت جنينا ميتا ضمنه، فان ماتت المرأة من الإجهاض الذي ترتب على الفزع فالحادث قتل شبه عمد.


وكذلك من استعدى السلطان على امرأة فأحْضـِرت إلى محل الحكم ففزعت وألقت جنينها أو ماتت من الفزع كان القاتل لها هو المستعدي.


ت‌. ويتفق مذهب الإمام الشافعي مع ما ذهب إليه الإمام أحمد في أن ذلك كله من باب القتل شبه العمد.
وهكذا اتفقت كلمة فقهاء الأمة على أن القتل بإفزاع الآخرين وإرهابهم يعد جريمة قتل شبه عمد على رأي جمهور الفقهاء، وجريمة قتل متعمد على رأي بعضهم.


5- لهذا أنصح أبناءنا وإخواننا من رجال الشرطة أن لا يقوموا بتنفيذ الأوامر الصادرة في المداهمات خصوصا الليلية منها، لأن ذلك معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولأن ذلك مُنافٍ لحقوق الإنسان التي نص عليها كتاب الله العزيز وثبتتها أحكام الشريعة الإسلامية وحمتها المواثيق الدولية، وإلا فإنهم آثمون مستحقون لعقوبة القاتل شبه العمد، ولا عذر لهم عند الله تعالى. وأضع بين أيديهم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه" .


فإذا كانت الإشارة ُ بالسلاحِ المجردة عن أي قصد تتسبب في لعن الملائكة للمشير، فما بالك في الترويع والإرهاب المتعمد كما يحصل الآن في ربوع العراق؟.



والله ولي التوفيق


الشيخ الأستاذ الدكتور
عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي
٢٤ / جمادي الآخرة / ١٤٣٣هـ
الموافق ١٢ / ٥ / ٢٠١٢ م

 

 





السبت٠٥ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.