شبكة ذي قار
عـاجـل










يقول المثل الشعبي : “جرب غيري تعرف خيري،” وهذا ما حصل بالفعل للكثير من العراقيين، الذين خدعوا بالوعود والتطلعات السياسية المعلنة للوافدين ضمن قطار الحملة الأمريكية على العراق من خريجي دورات المخابرات المركزية وأصحاب الخيوط العنكبوتية المرتبطة بحوزات قم ومشهد، فالعشر سنوات التي مرت على العراق بعد الاحتلال كانت كفيلة بتعرية ادعاءاتهم وفضح البراقع السوداء التي يسوقون من خلالها مظلوميتهم الزائفة، يضللون البسطاء ويشحنونهم مذهبيا بما يخدم مصالح الغرباء والطامعين، وقد كشف الغطاء عن المستور وصار الأعمى والبصير يجهر بان الاحتلال جلب للعراقيين كوارث القتل والاغتيال والاختطاف والاعتقال والاغتصاب، دمر البلاد وفرق العباد ومزق إخوة الدين والوطن والمصالح والمصير المشترك، وان الساسة الجدد منتفعون بمنهجية أوليائهم الخبيثة “فرق تسد.”


أرقام وزارة العدل، ووزارة حقوق الإنسان، ووزارة الداخلية والمنظمات الإنسانية العالمية؟ تفصح إن أعداد المعتقلين والمسجونين العراقيين قبل الاحتلال لا تقاس ولا تقارن بمئات الآلاف من المعتقلين شيبا وشبابا وأطفالا ونساء، لدى قوات الاحتلال الغاشمة قبل رحيلها، وفي سجون المتحصنين بالمنطقة الخضراء والأوكار السرية ولدى وحدات الجيش، وبدلا من تناقص أعداد المعتقلين بعد رحيل الأمريكان تضاعفت، وان العرب السنة وحدهم يشكلون نحو 98% منهم. وكلهم بلا استثناء يتعرضون للتعذيب الوحشي والاغتصاب والابتزاز، فلا يخرج البريء فضلا عمن انتهت محكوميته إلا بعد أن يدفع إتاوات ورشاوى باهظة، وأحوال المعتقلين وظروفهم لا إنسانية، وهناك جرائم حرب وإبادة ترتكب بحق الموقوفين أثناء التحقيق وبعده، ويعرف القريب والبعيد، والعدو والصديق زيف ادعاءات المروجين للديمقراطية المزيفة، وشعارات الحرية الكاذبة التي تلقنوها من أبواق أسيادهم.


ربما يقول قائل أصبحت رواتب الموظفين أضعاف ما كانت عليه قبل الاحتلال وكانت الناس تبيع أثاث منازلها وأبوابها ليسدوا رمقهم، ولكن هل يعلمون أن الناس اليوم تبيع دورها لتهاجر وتترك أوطانها، أو لتقدم الرشاوى للمتخمين من السجانين والمحققين والمخبرين؟ ويكفي أن الدولة في زمن الحصار وزعت قبل أن تشن أمريكا حربها على العراق الحصة التموينية لثلاثة أشهر قادمة سلفا، وعدد مفرداتها ثماني عشرة مادة معيشية أساسية كانت توزع بعدالة ودقة لسائر المواطنين من أقصى البلاد إلى أدناها، واليوم في عهد الرخاء وبيع النفط بلا عدادات يتسلم الناس الحصة التموينية بعد موعدها بستة أشهر وتقلص عدد مفرداتها إلى خمس مواد، ومادة الشاي مستعملة ترمى على المزابل، والدقيق ممزوج ببرادة الحديد، والسمن تجاوز تاريخ صلاحيته في المخازن، هذه هي مكتسبات العملية السياسية اليوم والفارق بين الجيلين ما قبل وما بعد.


أما الخدمات فقد خاض العراقيون حرب الخليج الأولى والثانية على مدى عشر سنوات خُربت فيها معظم منشآت البنية التحتية، وخرج منها بلا مدخرات، وكان سعر النفط عشرة دولارات والكمية مقننة بأقل من مليون برميل، واستطاعوا سد حاجات المواطنين وإعادة الكهرباء والماء والمجاري وصيانتها بثلاثة أشهر بجهود ذاتية، واليوم تضاعف سعر برميل النفط عشر مرات، وكميات التصدير مفتوحة، وبعد عشر سنوات ترفل بغداد بالظلام وظروف العيش فيها أسوأ مدينة في العالم، رغم ما تدعيه أمريكا من تقديم للمساعدات الفنية، وصرف ترليونات الدنانير تتراجع الحال من سيئ إلى أسوأ، فلا الكهرباء؟ ولا الماء؟ ولا المجاري ولا الخدمات صالحة؟ وقد أغرقت مياه الأمطار والمجاري قبل أسابيع بغداد ومدن العراق، فأين تذهب عوائد النفط؟ ومتى يتم إصلاح البنية التحتية لتعود خدمات المواطنين كما كانت، “أم اللي استحوا ماتوا”


وكم دفعت نتائج الموازنة بين العهدين بمن كانوا معارضين للنظام السابق والحاقدين عليه إلى الشعور بالذنب والندم لأنهم جهلوا الحقيقة وظلموا أنفسهم حينما عارضوا النظام وقد سمعنا الكثير منهم يتمنى عودة الماضي بعد أن عرف خيره وجرب شر وفساد وفسق من جاءوا بعده، وان ساسة العراق المتحكمين بمقدراته اليوم هم أولى بأن يطبق عليهم قبل غيرهم قانون الاجتثاث وإجراءات العدالة والمساءلة التي شرعوها.

 

 





الاربعاء ٢٣ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.