شبكة ذي قار
عـاجـل










ولغرض اعطاء الموضوع اكثر وضوحا"  أقول هذا هو المعنى الذي آل إليه معنى الشعوبية فأصبح للشعوبية معنى مزدوج هو الحط من الجنس العربي ، والنيل من الدين الإسلامي من خلال اشاعة البدع والتأويل بالاحاديث والوقائع من اجل تسهيل عملية نفوذهم الى احاسيس المواطنين البسطاء عاطفيا" ، ووسيلتها لذلك التعصب لرفع شأن غير العرب وبخاصة الفرس والتفاخر بأمجادهم ، ورقى حضارتهم ، وما يتبع ذلك من تصغير شأن العرب والهجوم عليهم ، ووصفهم فأحقر الأوصاف ويصور الجاحظ حركة الشعوبية وأهدافها بقوله:  إن عامة من ارتاب في الإسلام كانت الشعوبية أساس ارتيابهم فلا تزال الشعوبية تنتقل بأهلها من وضع إلى وضع حتى ينسلخوا من الإسلام لأنه نزل على نبي عربي ، وكان العرب حملة لوائه عندما نزل كانت النزعة الشعوبية واسعة وقوية بين الفرس لعدة أسباب منها أنه في عصر الفتوحات الإسلامية ، كان الفرس أكثر تحضراً من العرب ، وأكثر مدنية  فنمى لديهم شعور بالاستعلاء يعمق نزعة التعصب لديهم بعد أن قام المسلمون ممثلون بالعرب بالسيطرة على بلادهم ، كما أن الفرس قد دخلوا الإسلام بأعداد هائلة فتشكلت منهم أكثرية عددية بين الموالي الذين اضطهدهم الأمويون وخراسان وهو المكان الذي يظهر فيه بني العباس لمحاربة بني أمية». ولذلك اختار العباسيون منقطة خراسان الكبرى لتكون بداية ثورتهم ( بقيادة أبي مسلم الخراساني ) رغم أن هناك مسافة أكثر من ألفين كيلومتر تفصل خراسان من الشام اتخذت الحركة الشعوبية من الآداب وسيلة لزرع بذور العنصرية والكراهية في نفوس أبناء أمتها تجاه العرب خاصة والإسلام عامة وكان الشعر أحد أهم أفروع الآداب المستخدمة في هذا الإطار لكونه الأكثر التصاقا في عقول القراء والمستمعين والأسهل حفظا في الذاكرة من أعمدة الأدب الشعوبي ، الفردوسي والخيام وأبومسلم وقد اشتق هذا الاسم من الآية الكريمة *  يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم * الحجرات / 13 وذلك لأن المسلمين من غير العرب دعوا إلى التسوية وكانت هذه الآية من شعاراتهم  ومن شعاراتهم الحديث النبوي الشريف لا فضل لعربي على عجمي كلكم لآدم وآدم من تراب ، ثم توسع العرب فأطلقوا لفظ الشعوبي على من يحقر العرب وتوسعوا بعد ذلك فأطلقوه على الزنديق والملحد ، معتبرين الزندقة والإلحاد مظهرا ينم على كره العرب لأنه كره لدينهم ، ثم أطلق بعد ذلك على الموالي أما عن أسباب نشوء الشعوبية  ،

 

فيقول المرحوم الشيخ الوائلي (( تنقسم الأسباب إلى قسمين ، القسم الأول فعل ، والثاني رد فعل وهذا الأخير أعني ردة الفعل ملخصه أن العرب كانوا في الجاهلية ممزقين لا تجمعهم جامعة  وكانت الدولة لغيرهم ، فجاء الإسلام ووحدهم وأوطأهم عروش كسرى وقيصر فنظر العرب فجأة فإذا بهم أمة عظيمة بيدها أكثر من سلاح تخافها الأمم وينظر إليها الناس بإجلال باعتبارها المبشرة بالإسلام والحاملة لتعاليمه ، فنفخ ذلك فيهم روح الغرور وأخذوا يعاملون الشعوب التي افتتحوها معاملة فيها كثير من الغطرسة والصلف ولم يسووهم بهم ، ومن الحق أن يشار إلى أن فعل العرب هذا بالموالي هو ردة فعل لما كان يعامل به العرب من قبل الروم والفرس ، وكان ما أشرنا إليه من معاملة للموالي هو على مستوى سائر الناس ، أما ما كان ، أما القسم الثاني : الذي هو فعل فهو امتداد للعصور السالفة عندما كان العرب أيام الأكاسرة والقياصرة ليس لهم شأن يذكر ، وقد اختفت هذه النظرة للعرب لفترة طويلة بعد حكم الإسلام هذه الشعوب ، ولكن عادت إلى الظهور بفضل عوامل كثيرة لا سبيل للإفاضة بها هنا (( ،

 

وهناك من الكتّاب من يرى أن كلمة الشعوبية اصطلاح تاريخي نشأ في العصر العباسي الأول بتأثير ظروف تاريخية معينة حين اشتد الصراع العربي والفارسي في ظل دولة بني العباس والكلمة منسوبة إلى الشعوب فقد كانت تشير في البدء إلى أصحاب النزعة القائلة بأن الشعوب – جميع الشعوب – سواسية في الفضل ولذلك كان يطلق أيضا على أصحاب هذه النزعة بادئ الأمر اسم  أهل التسوية لكن دعاة الشعوبية لم يقفوا عند مبدأ المساواة بل تعدوه إلى وضع العرب بمرتبة أدنى ، كما فعل بعض غلاة الفرس من كتاب ورجال دين يتظاهرون بالإسلام ويؤمنون بتقاليد المجوس القديمة ، وإذا كان بعض الأدباء مثل صادق هدايت قد جاهروا بأفضلية الجنس الآري ، كما فعل هتلر تماما ، فرجال الدين من المسلمين الفرس برروا تحت ذريعة محاباة أهل البيت ، وهم العرب الأقحاح تهجمهم على العرب بدءا من الخلفاء الراشدين وانتهاء بعرب القرن الحادي والعشرين قام ألشعوبيون بحركات انفصالية لتقويض الدول العربية الإسلامية ، وفي مقدمتها طبعا الدولة العباسية ومن هذه الحركات:  حركة سنباذ التي قام بها اتباع أبي مسلم الخراساني وحركة إسحاق الترك الذي أدعى أنه نبي أرسله زرادشت وحركة المقنع الخراساني وحركة بابك الخرمي الذي أراد إحياء الديانة المجوسية ، واليوم يتنازع مؤرخو إيران وتركيا على نسبه فكل جماعة تدعي انتسابه إليها ، وقد اشار بالدقة القائد المؤسس للبعث الخالد المرحوم احمد ميشيل عفلق في كلمته عام 1943 بذكرى مولد الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم حيق قال (( رجل من العرب بلغ رسالة سماوية فراح يدعو اليها البشر، ولم يكن البشرحوله الا عربا فاستجاب للدعوة نفر قليل  وقاومها اكثرهم، فهاجر مع المؤمنين وحاربه المشركون الى أن انتصر الحق فآمن به الجميع. فملحمة الاسلام لا تنفصل عن مسرحها الطبيعي الذي هو ارض العرب، وعن ابطالها والعاملين فيها وهم كل العرب. مشركو قريش ضروريون لتحقق الاسلام ضرورة المؤمنين له، والذين حاربوا الرسرل ساهموا في ظفر الاسلام كالذين ايدوه ونصروه. ان الله  قادر ان ينزل القرآن على نبيه في يوم واحد، ولكن ذلك اقتضى اكثر من عشرين عاما، وهو قادر ان ينصر دينه ويهدي اليه كل الناس في يوم واحد، ولكن ذلك لم يتم في اقل من عشرين عام، وهو قادر ان يظهر الاسلام قبل ظهوره بعشرات القرون وفي أية أمة من خلقه، ولكنه اظهره في وقت معين وفي حينه، واختار لذلك الأمة العربية وبطلها الرسول العربي. وفي كل ذلك حكمة، فالحقيقة الباهرة التي لاينكرها الا مكابر، هي اذن، ان اختيار العرب لتبليغ رسالة الاسلام كان بسبب مزايا وفضائل اساسية فيهم، وان اختيار العصر الذي ظهر فيه الاسلام كان لان العرب قد نضجوا وتكاملوا لقبول مثل هذه الرسالة وحملها الى البشر، وأن تأجيل ظفرالإسلام طوال تلك السنين، كان بقصد ان يصل العرب الى الحقيقة بجهدهم الخاص وبنتيجة اختبارهم لأنفسهم للعالم  وبعد مشاق وآلام، ويأس وأمل، وفشل وظفر. اي ان يخرج الايمان وينبعث من اعماق نفوسهم، فيكون الايمان الحقيقي الممتزج مع التجربة، المتصل بصميم الحياة ، فهل يدري اولئك الغيورون الذين يريدون ان يجعلوا من الاسلام جرابا يسع كل شيء، ومعملا ينتج شتى المركبات والادوية، انهم بدلاً من ان يبرهنوا على قوته ويحفظوا فكرته من كل تغير طارئ، يقضون بذلك على روحه وشخصيته ويفقدونه مميزاته الحية واستقلاله وتعيينه، وانهم من جهة اخرى يفسحون المجال لدعاة الظلم وأرباب الحكم الجائر، كي يستمدوا من الاسلام اسلحة يطعنون بها مادة الاسلام نفسه، اي الامة العربية ؟.  اذن فالمعنى الذي يفصح عنه الاسلام في هذه الحقبة التاريخية الخطيرة، وفي هذه المرحلة الحاسمة بين مراحل التطور، هو ان توجه كل الجهود الى تقوية العرب وانهاضهم وان تحصر هذه الجهود في نطاق القومية العربية ))

 

 

يتبع بالحلقة السابعة

 

 





الجمعة ٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب زامـــل عــبـــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.