شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد شهد العالم المعاصر موجة من العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي على العديد من دول العالم، والتي أخذت في بعض الأحيان شكلاً شاملاً وطويل الأمد كما هو الحال بالنسبة لكوبا وليبيا والعراق وسوريا وايران، وما زالت دول أخرى مهددة باستخدام مثل هذه العقوبات ضدها، حيث يتذرع مجلس الأمن والقوى المتنفذة فيه بأن العقوبات الاقتصادية وسيلة لمعاقبة أنظمة حكم أو منظمات خارجة عن القانون الدولي ( الشرعية الدولية )، وسواء كانت هذه الذريعة مقبولة أم غير مقبولة، شرعية أم غير شرعية، فإن الشعوب هي التي تتحمل التبعات الظالمة التي تترتب على العقوبات الاقتصادية.

 

هذه الازدواجية في النظرة لحقوق الإنسان فضلاً عن الآثار المدمرة المترتبة على تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد الشعوب مثل العقوبات الاقتصادية التي فرضت ضد دول بعينها مثل ( كالعراق وليبيا وكوبا والسودان وسوريا وجنوب إفريقيا ) وغيرها.

 

وقد عرف "العقيد" وليام دفلاك الحصار بأنه عملية حربية تمارسها قوة ضد منطقة محصنة أو مدينة بقصد احتلالها، وتذهب دائرة المعارف "كستون" الجديدة إلى التوسع في تعريف الحصار فتقول، ( إنه العمل الذي يقوم به جيش ما بالمرابطة أو بالبقاء في مواجهة قلعة أو موقع محصن، أو مدينة يدافع عنها العدو، فإذا أمكن الإحاطة بالمدافعين تماماً فإن القوة المتفوقة يمكنها أن تمنع وصول الإمدادات إليهم، ومن ثم يسهل قذفهم بالقنابل حتى يستسلموا وقد تقوم القوات المهاجمة بفتح ثغرات في النطاقات الدفاعية للنفوذ إلى عمقها والاستيلاء على المنطقة المحاصرة وأسر المدافعين فيها أو الانتظار حتى يتضوروا جوعاً ).

 

كما يقوم الحصار في المعنى التقليدي على قطع الاتصالات أو مراقبتها، حيث لا يكون القطع إلا وسيلة لضمان فاعلية الحصار ويشتمل الحصار في المعنى المعتمد في الغالب على إجراءات أكثر عمومية وإلزاماً، كذلك فإن الحصار الاقتصادي يعني فرض عقوبات أوسع من الحظر لأنه يستهدف قطع جميع العلاقات الاقتصادية والمالية ومن الشائع أن الحصار هو استخدام القوة لفرض احترام حظر معين.

 

أنواع الحصار الاقتصادي وتطبيقاته :

 

1- الحصار السلمي : وهو ما يعرف عادة ( الحظر البحري ) وكوسيلة لتسوية الخلافات الدولية في الربع الثاني من القرن التاسع عشر باعتباره صورة التدخل أو القصاص في حالة السلم وفي حالة نزاع لم يصل بعد إلى درجة الحرب، ولعل أشد أنواع الحصار من هذا النوع هو الحصار البريطاني الفرنسي ضد هولندا، 1832م وكذلك الحصار البريطاني لمواني اليونان 1850م، والحصار البريطاني الألماني المشترك 1902م. ضد فنزويلا،في محاولة لإجبارها على تنفيذ بعض مطالب رعاية تلك الدول، وكذلك طبق سنة 1927م عندما فرضت فرنسا وبريطانيا وروسيا حصاراً مشتركاً على أجزاء معينة بالقرب من ساحل اليونان، بهدف إجبار تركيا على منح الاستقلال لليونان.

 

2- الحصار الاقتصادي الحربي أو العسكري : هو منع دولة معينة من الحصول على الأسلحة أو قطع الغيار أو المعدات العسكرية، عن طريق الالتزام الطوعي إلى الدول المعينة، وقد يتم هذا الأسلوب الجزائي عن طريق فردي أي من قبل دولة واحدة أو عن طريق جماعي بواسطة دول مجتمعة، وذلك مثل القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي رقم 1199 في عام 1999م والذي اعتبر ما يحدث في كوسوفا يعد تهديداً للسلام والأمن الدوليين، وقرر فرض خط عسكري على الاتحاد السوفيتي كما أنه قد يتم بصورة إقليم أو في إطار منظمة إقليمية مثل جامعة الدول العربية أيضاً، وهذا ما حدث كذلك في الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في آب 1990م بسبب اجتياحه للكويت.

 

أهداف الحصار الاقتصادي :

 

1- أهداف موضوعية : وهي تتركز أساساً في محاولة إِحداث تغييرات في تصرفات حكومة الدولة التي صدرت هذه الإجراءات ضدها وذلك مع اختلاف التفاصيل بالنسبة لكل حالة.

 

2- الأهداف الثانوية : وهي الأهداف التي تتعلق بمركز وسمعة الحكومة الفارضة لهذا الإجراء ونفوذها، كما هو الحال بالنسبة لسيطرة الولايات المتحدة على معظم دول أمريكا اللاتينية والاتحاد السوفيتي. على دول مشرق أوروبا، وحيث يرتبط فرض هذه الإجراءات بغرض إظهار القوة والقدرة على الحركة في المجال الدولي.

 

3- الأهداف في حرب الخليج الثانية: لو نظرنا إلى الأحداث والسيناريوهات التي كانت تطرح من قبل الدول في إرغام العراق على الانسحاب من الكويت، لرأينا أن مفهوم الحصار كان هو البديل الثاني الذي طرح للنقاش بدل الحرب العسكرية لتحقيق هذا الانسحاب، وكان كثيراً من الدول ضد مبدأ الحرب إلا أنه بعد انتهاء الحرب، عادت الإجراءات والعقوبات لتأخذ الصدارة في أزمة الخليج، وكان الحصار والمقاطعة ضد العراق يستهدفان بلداً يرتبط 95% من صادراته بإنتاجه النفطي ولا يكفي لحاجاته الغذائية إلا بنسبة 20%.

 

 

وسائل الحصار الاقتصادي

شهدت ظاهرة الحرب تطور المسيرة البشرية في أهدافها ودوافعها ونتائجها، وشهدت الوسائل الإستراتيجية للصراع المسلح كالوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية تطوراً انعكس في تطورات ظاهرة الحرب، الاقتصادية عبر العصور القديمة، والعصور الوسطى، وكذلك العصور الحديثة، وقد يكون استخدامها قبل الحرب، أو خلالها، أو في زمن السلم وتستمر في زمن الحرب كونها عنصراً رئيسياً في الحرب الشاملة وحيث هذا التدمير لا يحدث إلا بأدوات ووسائل يستطيع من خلالها إحراز الهدف المنشود وهي:

 

1- الوسائل البرية : ويعني منع الاتصال الاقتصادي لبلد الهدف والعالم الخارجي عن طريق تقييد حركة التجارة الخارجية للبلد المستهدف مع العالم الخارجي بشقيها الاستيراد والتصدير من خلال منع صادرات البلد ووارداته عبر أراضي الدولة أو الدول الأخرى.

 

2- الوسائل البحرية : والذي يعني غلق الطرق بوجه السفن والوسائط الأخرى للعدو، أو عزل موانئه عن العالم الخارجي، فيهدف إلى التأثير في اقتصاد البلد المستهدف وشل قدراته من خلال تعطيل حركة التجارة الخارجية المارة عبر البحر، ومنع مرور صادراته ووارداته بواسطة البحر أو من خلال تهديد موانئه التجارية وفرض الحصار عليها وفي هذا النوع من الحصار حصاراً اقتصادياً في حقيقته.

 

3- الوسائل الجوية: وهذا النوع لا يقل أهمية عن الوسائل البحرية ولاسيما في تطور فاعلية سلاح الطيران المستخدم في تنفيذ الحصار وسرعته للأضرار بالقدرة الاقتصادية للبلد المستهدف، كما تزداد فاعلية سلاح الطيران وتأثيره كلما تكررت الغارات الجوية في فترات دورية متقاربة بهدف شل عجلة الإنتاج بالمصانع.

 

بعض الدول المتأثرة بالحصار الاقتصادي أُنموذجاً

( ليبيا – السودان – العراق )

 

 أن الحصار الاقتصادي يستدعي استجابات معينة من السلوك الإنساني تحددها كمية الانفعالات الشديدة المفروضة من خلاله أولاً، والطبيعة المفروض عليها هذا الحصار، وفي كل الأحوال فإن الحصار بيئة تستلزم تكيفاً يناسبها، وبمقدار ما ينجح الإنسان في قدراته على التكيف المناسب لإحداثيات الحصار بمقدار ما يكون بعيداً عما يحدثه الانفعال المصاحب لعملية الحصار وفيما يأتي بعض الأمثلة على الآثار الناتجة عن الحصار الاقتصادي.

 

1- آثار الحصار على ليبيا :

 

أ- أصيبت حياة الشعب الليبي بالشلل شبه التام بسبب الآثار المترتبة على الحصار في 31/آذار/1992م، وتدهور الاقتصاد الليبي بشكل خطير، وتضررت مقدرات الشعب على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وعاش الشعب الليبي المظلوم تحت وطأة الحصار الذي فرضته الدول الكبرى.

 

ب - أعلنت أمانة الصحة الليبية أن (300) رضيع وأكثر من (140) سيدة ماتوا بسبب نقص الأدوية وتأخر وصولها من جراء الحظر الجوي المفروض على ليبيا منذ عام 1992م.

 

ج - أفادت الإحصاءات إلى أن قطاع الزراعة تأثر إلى حد كبير وبخاصة تربية المواشي، حيث أدى نقص الأدوية البيطرية إلى خسارة تقدر بحوالي (40) ألف طن من اللحوم.

 

د- بلغت خسائر قطاع الطيران أكثر من (700) مليون دولار.

 

مما لاشك فيه أن الحصار المفروض على ليبيا قد انعكس سلباً على الاقتصاد العربي، حيث نجد أن قيمة الخسائر الليبية تجاوزت (15) مليار دولار نتيجة دخول اقتصادها في دوامة من الركود العميق حسبما أشار التقرير الاقتصادي العربي الموحد، رغم ذلك فإن الحصار لم يستطع تقييد حركة الاستثمارات الليبية التي اخترقت هذا الحصار، وتحركت بوعي في اتجاهات مختلفة ومدروسة لتحقيق عوائد كان لها الأثر الفعال في تأمين احتياجات الشعب الليبي في الداخل وتخفيف حدة آثار الحصار على الاستثمارات والتجارة البينية العربية ورغم ذلك فقد انتهى الى تدمير ليبيا وتغيير نظام الحكم فيها وقتل الالاف من ابناء الشعب الليبي وحل قواته المسلحة وهذه هي رغبة اميركا والكيان الصهيوني.

 

2- آثار الحصار الاقتصادي على السودان

 

إنً السودان الذي لا يملك ثروات في الخارج ويقع ضمن الدول العربية غير النفطية واجه معاناة شديدة رفعت مديونيته الخارجية من (17) مليار دولار إلى (23) مليار دولار بنسبة (13%) من إجمالي الناتج المحلي البالغ (220) مليار دولار، وقد انعكست الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي بلغت قيمة الدولار فيها نحو (1550) جنيه سوداني على الأوضاع السودانية حيث تراجعت بشدة نتيجة الحصار وتوتر الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي، وتعنت الجانب الأوربي، وتعسفه في مواجهة الصادرات السودانية التي تقع معظمها في المواد الخام والسلع الزراعية سريعة التلف، ونتيجة لهذه الأوضاع عانى السودان من عجز في الموازنة العامة بلغ (2,1%) من إجمالي الناتج المحلي وقسمت السودان الى شمال وجنوب ولازالت تعاني من المشاكل الاقتصادية والسياسية الصعبة.

 

3- آثار الحصار الاقتصادي  على العراق

 

إنً الحصار الاقتصادي  على العراق الذي نتج عن قرار الأمم المتحدة رقم 661 في 6 آب 1990م بعد اجتياح العراق للكويت، وأشار القرار المشؤوم على إقرار عقوبات اقتصادية خانقة. وقد عانى العراقيون الأمرين من هذه العقوبات الظالمة التي حرمتهم من الغذاء والدواء، فضلاً عن كل وسائل التقدم التقني التي وصل إليها العالم في حقبة التسعينات من القرن الماضي، مما أدى إلى وفاة مليون ونصف مليون طفل نتيجة الجوع ونقص الدواء الحاد وافتقادهم لأبسط وسائل الحياة، بعد أن استمر هذا الحصار قرابة 13عام حيث انتهى عملياً باحتلال العراق في 9/4/2003م.

 

والحديث عن العراق الذي كانت عملته – الدينار - تساوي (3,5) دولار بداية عام 1990م لا ينحصر في الدمار الشامل الذي لحق بالبنية الأساسية وكافة المشروعات والمصالح الحيوية فحسب، وإنما يهتم أكثر بالشعب العراقي الذي كاد أن يهلك لولا بدء تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء، ليسمح للعراق ببيع بترول يمكنه من تدابير احتياجات الشعب الأساسية

 

ويرى عبد الستار عشرة الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية المصرية، أن الوضع الاقتصادي في العراق صعب للغاية، وأنه كلما بدأت بغداد تتخذ خطوات نحو تأهيل وإصلاح بعض قطاعاتها الإنتاجية التي ربما تحتاج لعشرات المليارات من الدولارات تحدث مشكلة وتتعرض للضرب الذي يعيدها إلى ما تحت الصفر. وأن أزمة الخليج الأولى التي ألمت بالعراق أثرت بوضوح على علاقاتها التجارية مع جيرانه العرب التي كانت تتم من خلال اتفاق النفط مقابل الغذاء.

 

فقد العراق تعاطف بعض الدول الغربية والإقليمية وحتى العربية منها التي كانت تسعى لإبرام صفقات تجارية وصناعية للمساهمة في تخفيف حدة خسائر الحصار على الشعب العراقي، كل هذه العوامل انعكست بالسلب على الميزان التجاري العربي الذي يعاني من عوامل خارجية أخرى ومشاكل قديمة ومزمنة في الشحن والجمارك وحرية تدفق الأفراد ورؤوس الأموال والبضائع بين الدول العربية.

 

الأمر الذي ضاعف من تأزم الموقف، لاسيما خلال العام الذي جاء بانخفاض حاد في أسعار البترول وأزمات اقتصادية أخرى.

 

وخلاصة القول أن موجة العقوبات الاقتصادية والحصار التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول المهمة في العالم سواء تحت مظلة الأمم المتحدة أو خارجها والتي تفرض تحت عناوين متنوعة وذرائع متباينة أدت إلى تدمير اقتصاديات الدول التي شملها الحصار فضلاً عن الآثار التي سببها من المجاعة والوفيات وكثرة السرقات والنهب والقتل للحصول على لقمة العيش للسعي وراء توفير ما يسد رمق الجوع والعطش.

 

 لذلك فإن أهداف الحصار الاقتصادي لا تقل أهمية وتدميراً من آثار العولمة الاقتصادية وأهدافها وأن تشكل صورة للعالم بما يوافق أهدافها ومصالحها.

 

 





الاثنين ٢٨ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب د. شاكر كريم القيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.