شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

زيارة " باراك أوباما " الرئيس الأمريكي للمنطقة، وتبعه وزير خارجيته المعين الجديد "جون كيري" في زيارة عمل، لم تسفر عن شيء سوى طمئنت القادة الإسرائيليين ومباركتهم تشكيلتهم الوزارية وتنفيذ مطالب "إيباك" بتجديد التزام أمريكا بحماية أمن الكيان الصهيوني، خاصة وإن الحالة السورية وهي على تخوم الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد وصلت إلى نهايتها من جهة، وضرورة رأب الصدع في العلاقة الإستراتيجية بين تل أبيب وأنقرة العضو في حلف الناتو، بعد أن تعكرت بسبب الجريمة التي اقترفتها (إسرائيل) على ظهر أسطول الحرية التركي وهو في طريقة إلى غزة المحاصرة ، فيما يقع الملف النووي الإيراني في دائرة تفاهم " الإعلام السياسي" بين واشنطن وتل أبيب .

 

المشكل، في مرمى الزيارة ليس فيها بحد ذاتها، إنما في الرسائل التي تنبعث عنها باعتبارها فعل من أفعال السياسة ، لقد عاند "أوباما" "نتنياهو" سابقاً بشأن الخط الأحمر الذي أبداه الأخير حيال الملف النووي الإيراني، فأعلن "نتنياهو" اتساع بناء المستوطنات الإسرائيلية لعرقلة ما يسمى بحوار السلام في المنطقة. وخلال الزيارة جامل " أوباما " أطروحات "نتنياهو" حول أهمية النظر إلى الجهود المتسارعة التي تقوم بها طهران على طريق إنجاز التخصيب خارج أطر وكالة الطاقة الذرية، واعتراضات الإتحاد الأوربي على الخط العسكري للمفاعلات إيرانية.

 

زيارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" للمنطقة قد حققت الآتي :

- الصلح بين أنقرة وتل أبيب بشأن جريمة أسطول الحرية.

- أن تقدم (إسرائيل) إلى تركيا تعويضات عن الضحايا الأتراك .

- إعادة تبادل السفراء بين أنقرة وتل أبيب .

- تطبيع العلاقات بين تركيا و (إسرائيل) .

- رفع الحصار عن الأراضي الفلسطينية المحتلة .

- تجميد الاستيطان الصهيوني .

- عدم الإصرار على يهودية (إسرائيل).!!

- وعد للسلطة الفلسطينية في رام الله بنصف مليار دولار لمعالجة أزمة السلطة المالية .

- وعد الأردن بـ (200) مليون دولار لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين.

 

في الجانب السياسي هنالك ملفان ساخنان هما :

أولاً- الملف النووي الإيراني، الذي يتسم بإصرار القيادة الإيرانية على امتلاك السلاح النووي، وإعادة تشكيل المنطقة على وفق رؤاها الإمبراطورية، وتصادم هذه الرؤى مع المصالح الأساسية الغربية بشكل عام وتوافقها إستراتيجياً في بعض المفاصل الخاصة، واقتراب مهلة الترويكا الأوربية ووكالة الطاقة الذرية، لكي تفصح طهران عن موقفها بكل وضوح ودقة وصراحة، حتى نهاية شهر آذار الجاري .. هذا الملف وعلى ما تشير إليه المؤشرات قد تناوله تصريح "أوباما" في تل أبيب فشل (سياسة الاحتواء) التي تتبعها أمريكا ومن ورائها الدول الغربية، بمعنى أن خيار التفاوض بات صعباً ومضيعة للوقت الذي تشتريه طهران بكل وسائل التعنت والصلف والغطرسة والخداع والتسويف، من أجل الوصول إلى (القدرات) النووية العسكرية.!!

 

أمام هذه الحالة.. ما العمل ، وما هو خيار أمريكا وإنذارات الترويكا الأوربية ؟ ما هي المحددات التي تمنع أمريكا من الوصول إلى أهدافها لمنع التسلح الذري الإيراني ؟

 

أمريكا تعاملت مع إيران، والأخيرة تعاملت مع أمريكا تعاملاً إستراتيجياً وضع مصالحهما في إطار توافق إستراتيجي في العراق من ناحية، وتعاوناً مشتركا في استخدام أداة (الطائفية) الإيرانية في تنفيذ أحد مفاصل التخريب على مستوى الشعب العربي وعلى مستوى الدين الإسلامي الحنيف، بما يحقق نجاحاً على طريق إعادة تشكيل المنطقة وفقاً للرؤية الأمريكية – الصهيونية .. ولكن هل غاب عن ذهن دهاقنة السياسة الأمريكية الرؤية الإستراتيجية الإيرانية، التي هي الأخرى ترمي إلى إعادة تشكيل المنطقة على وفق رؤاها (القومية – الأيديولوجية)، وحتمية الصراع والتصادم بين الرؤيتين على المصالح والنفوذ وعلى الأمد المتوسط والبعيد ؟!

 

لقد أثبتت حقائق الواقع المعاش على الأرض، أن التعويل على العامل الطائفي والعرقي كأداة للتغيير والتشكيل لم يعد كما هو تأثيره منذ عشر سنوات خلت، لأن الكثير من أوراق الطائفية والعرقية قد تساقطت، وإن الذين كانوا يسترون عوراتهم بهذه الأوراق باتوا عراة تماماً أمام الشعب العربي وأمام العالم، وذلك لعدم تقديم البديل الذي يؤسس لبنية وطنية- قومية- إسلامية رصينة ومتماسكة تعتمد على الثوابت أولاً والقوانين الوضعية والسماوية ثانياً .

 

على هذا الأساس، لم يعد ذو قيمة، تقسيم أمريكا دولاً عربية (معتدلة) وأخرى (متطرفة) .. وتقسيم إسلام (معتدل) وإسلام ( جهادي متطرف) .. ومسلمين (معتدلين وسطيين) ومسلمين (إرهابيين) ، على الرغم من أن خطوط التشابك الإستراتيجي لهذه الموضوعة، التي تربطها أمريكا وأدواتها بـ(القاعدة) قد تكشفت من خلال واقع التحولات في السياسة وتداعياتها .. كيف ؟

 

دعونا ننظر إلى النتائج في العراق وفي تونس وليبيا ومصر واليمن والسودان وسوريا.. كلها دولاً فاشلة بامتياز .. فهل هو هذا البديل نحو الأحسن والأمثل، وهوهذا الذي يرعى ويحافظ على مصالح كل الفرقاء بما فيها المصالح الأمريكية على المدى المتوسط والبعيد ؟!

 

والمغزى من ذلك .. إن أدوات التغيير الطائفية أخذت تتآكل بسرعة فائقة على مستوى القطر العراقي وبقية الساحات العربية.

 

ثانياً- الملف السوري الساخن، الذي يمثل ثورة شعب يرفض نظام الحكم الطائفي، كما هو حال الشعب العراقي الذي يرفض نظام الحكم الطائفي، وكلا النظامين تابعان لإيران، قد وصل إلى خيار الصفر، وهو الخيار الذي لا تريد إيران أن تفقده بحيث وظفت قدرات العراق المحتل مادياً وسياسياً وعسكرياً واستخبارياً وأيديولوجياً- طائفياً لخدمة ديمومة النظام في دمشق، أما الخيار الإيراني الصفيق على لسان خامنئي هو أن (المالكي) خط أحمر وكأن العراق ضيعه إيرانية شأنها شأن التوصيف الإيراني لسوريا ولجنوب لبنان.!!

 

العد التنازلي لنظام دمشق اقترب من خيار الصفر، والتغيير لصالح الشعب العربي السوري بات على الأبواب، وإن ذرائع الدخلاء على الثورة لم تعد تنطلي على الشعب السوري .. وإن جدران النظامان في دمشق وبغداد أخذت تتآكل وبلغت مرحلة الانهيار، الذي يتم بتوازي الشروط الذاتية والظروف الموضوعية، وهو محصلة حتمية ترتبط بالزمن وبعوامل الصمود والمطاولة واستنهاض روح التحدي للواقع الفاسد المرفوض في كل من البلدين.

 

المتغيرات في المنطقة ..اشتملت على تسوية تركيا مع حزب العمال الكردي- التركي (PKK)، بنزع سلاحه وتحييد فعالياته المعرقلة للجهد العسكري التركي في حالة التصعيد على الجبهة المتعلقة بسوريا بشكل خاص وعلى مستوى المنطقة بشكل عام، ويقع هذا التصعيد المحتمل في إطار التحول في الإستراتيجية الأمريكية من خط الاحتواء صوب الخيار المفتوح .!!

 

لقد قابل تصريح الرئيس الأمريكي "أوباما" حول تحول الخيار الإستراتيجي الأمريكي من (سياسة الاحتواء) إلى (سياسة الخيارات المفتوحة)، وهو الأمر الذي يعني انتهاء خيار القوة الناعمة، تصريح أطلقه "علي خامنئي" صاحب القرار الأول والأخير في الحرب والسلم ( بأن إيران ستمحو من الوجود - تل أبيب وحيفا - تحديداً إذا تعرضت إيران لهجوم الدولة العبرية) .. والمعنى في هذا التصريح ، جاهزية إيران للرد على (إسرائيل)، في الوقت الذي يؤكد فيه "أوباما" التزام بلاده بأمن الكيان الصهيوني وضمان هذا الأمن .

 

ماذا يعني ذلك ؟ هل أن أمريكا ستترك (إسرائيل) لخياراتها بعد أن عزز نتنياهو سلطته في تحالف معروف الاتجاهات؟ وهل أن مثل هذه السلطة قادرة على خوض حرب إقليمية مهما تكن حدتها؟ وهل أن أمريكا ستتكفل بالحرب الافتراضية لتستعيد مكانتها الإقليمية والدولية التي فقدتها؟ أم تنأى بنفسها عن أحداث (متوقعة) تؤجل قدرات إيران النووية لأكثر من عشر سنوات على أقل تقدير؟ أم أن هذه التصريحات النارية كسابقاتها، هي مجرد جعجعة بصوت عال ، ولكن لا نرى طحيناً ؟!

 

 





الاثنين ١٣ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.