شبكة ذي قار
عـاجـل










كانت القضية القومية عند صدام مسألة مركزية في سياسة الدولة العراقية الداخلية والخارجية. وكان الشهيد يتعامل معها بوعي ناضج يستحضر الظروف العامة والخاصة كلما أثارها في أي مناسبة وطنية أو قومية أو دولية. وبحكم انها قضية شائكة وخطيرة لأبعادها الايديولوجية والثقافية والتاريخية والسياسية, وارتباطاتها بمفاهيم أخرى محايثة مثل الأمة و النضال العربي والعمل الوحدوي والقطرية والتجزئة , وتفاعلاتها مع الساحة الدولية , فان الشهيد كان ينظر اليها باعتبارها قضية واقعية ذات سياق تتفاعل فيه معطيات كثيرة أكثرها حضورا مؤامرة الغرب وأدواته لاجهاضها وعرقلة المسير نحو تحقيق الوحدة العربية . ومثل كل القضايا الكبرى في حياة الزعماء الأفذاذ , قام الشهيد بتشخيص وضعية القومية العربية/ الوحدة فوجد انها تعاني من واقع متعدد الاتجاهات والتصورات وصيغ العمل المبسطة والمجتزأة , واقع متعال ومجرد يستبعد مكونات الواقع ومستلزماته ويتعلق بالمبادىء العامة . ان الطريق الصحيح في العمل الوحدوي كما يقول الشهيد : ( يجب ألا يؤخذ بطريق واحد وأن يعمل عليه من خلال روافد متعددة عن طريــق الاقتصاد.. والفكر.. والسياسة.. والعمل الفني.) 1 . أي أن كل البنى المجتمعية تساهم في بناء القومية وترسيخها في عقل العربي ووجدانه , الا أن العامل الاقتصادي مؤثر مباشر وقوي في العمل الوحدوي وفي الوحدة لذلك سخر الشهيد جزءا كبيرا من اقتصاد القطر العراقي لهدف الوحدة , والكل يتذكر كيف كان يوزع الشهيد كميات هائلة من نفط العراق على كثير من الأقطار العربية غير المنتجة للنفط أو يبيعه لها بأسعار تفضيلية. ان الوطن كنظرية وممارسة سياسية جسر يمتد في اتجاه الوحدة , فكل الجهود الوطنية في شتى القطاعات هي اصلا في الفكر القومي الصدامي وسائل في خدمة القومية العربية , وبين الشعور القومي والشعور الوطني علاقة جدلية ودينامية , وكل مواطن عربي لا يحمل في داخله الهموم القومية هو كائن تجريدي متعال عن الواقع , والحديث عن النسبة بين القومي والوطني مثل الحديث عن النسبة بين الدجاجة والبيضة. يقول صدام : ( عندما نتحدث عن الأمة يجب ألا ننسى الحديث عن الشعب العراقي. وعندما نرسخ الايمان بالعلم العربي ذي الألوان الأربعة الذي يرفعه الحزب في بعض المناسبات كعلم قومي , يجب ألا نخطىء فنسعى بالنتيجة أو بالنوايا, لجعل المواطن في القطر لا يعتبر العلم العراقي شيئا مقدسا.


وكذلك عندما نتحدث عن الوطن العربي , يجب أن لا نسقط من الحساب أن نربي العراقي على أن يعتز بهذه الرقعة من الأرض/ القطر العراقي/ التي يعيش عليها, والتي هي دستوريا وطنه , وأن يكون مستعدا فكريا ونفسيا للدفاع عنها حتى الاستشهاد, لانها وطنه الملموس والذي يتفاعل معه بشكل عملي خاص, في حين أن تفاعله مع الوطن العربي هو تفاعل مبدئي عام).2


يرفض صدام ما يسميه الانتماء الشكلي الى الأمة لأنه ( انتماء الى التاريخ والى الأرض بدون انتماء صميمي الى الشعب)3 . لذلك لا يمكن عزل العناصر الثلاثة :التاريخ , والأرض , والشعب, عن موضوع الأمة والقومية العربية. ان القومية العربية مسألة تاريخية وجغرافية وبشرية لا يجوز في النضال من اجلها التفريط في احدى مسائلها الثلاث , لأن ذلك يسهل للأعداء تحريف الطريق نحوها . يواجه صدام خصوم القومية العربية باعداد الفرد العربي اعدادا تربويا وثوريا وعلميا . ويكون هذا الاعداد في مجمله منطلقا من بداية تعليم الطلاب على كيفية حمل السلاح وانتهاء بفلسفة خوض معارك من أجل القضية الكبرى تحرير فلسطين . وتعتبر فلسطين في الفكر القومي الصدامي رمزا مقدسا وشعارا ثقافيا للقومية العربية, وفي مناسبات عديدة يصعب التفريق بين القومية العربية وفلسطين في خطب وكتابات الشهيـــــد. يشتد الحنين الى القومية/الوحدة العربية , كما تنبه الى ذلك صدام , في ( الظروف الساخنة) وأما في (في ظروف السلم) فيضعف أو يتلاشى ذلك الحنين. ان القومية العربية تتعايش أكثر ويقوى عودها عندما تواجه الأمة العربية مأزقا من نوع ما, كما ان التجزئة أو الدعوة اليها يتسع حقلها في الظروف العادية. ان من ايجابيات القومية العربية مواجهة كل أشكال التحدي والصعوبات ,و( لم تمر بفترة استخدم أعداؤها كل الصيغ المبتكرة في الايذاء ضدها مثل هاته الفترة)4 .


وأخطر أعداء القومية العربية هو الكيـــان الصهيــــوني .وفي سياق النضال من اجل القومية العربية وظف صدام هذا العدو كعامل مساعد للعمل الوحدوي , كيف ذلك يقول صدام : ( فالكيان الصهيوني عامل مساعد للعمل الوحدوي كعامل استفزازي يحرك الكثيرين من ابناء الأمة العربية ممن لا يتحرك بعوامل داخلية على طريق البناء والنضال ولا يعني ذلك أننا نبقي الكيان الصهيوني يعمل ضد الامة لكي يستخدم كعامل مساعد على طريق وحدتها في حالة توفر امكانات الامة لازاحة مثل هذا الكابوس, ولكننا نقصد أن نستفيد حتى من العوامل المضادة للأمة من أجل تحريك عوامل الحياة والصيرورة في داخلها على طريق الارتقاء والتقدم والوحدة...)5 .


رحم الله صدام وكل رفاقه البعثيين .


هـــــــوامش :
1 / مقتطفات من أحاديث صدام اعداد حسن محمد طوالبه ط :الأولى أبريل 1979 دار الطليعة بيروت ص: 93
2 / نفس المرجع ص : 31
3 / نفس المرجع ص : 35
4 / نفس المرجع ص : 97
5 / نفس المرجع ص : 98

 

 





الاحد ١٩ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أبـــــــو ميسون نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.