شبكة ذي قار
عـاجـل










الدولة التي تنشد البقاء وتريد البناء لابد لها من وجود دعائم للحفاظ على ديمومتها، والعمل على بناء حياة حرة كريمة لأبنائها ، فالدولة إن لم تنجح في التنمية وحماية الوطن في طريقها إلى الإنهيار ، وإن وجدت فهي مجرد هيكل كرتوني سرعان ما تسقط أمام أي هبة ريح قادمة ، وهي في مصاف الدول الفاشلة التي لا قيمة لها لا في عيون أبناء الوطن ، ولا في المحافل الدولية ، هي دولة عالة على المجتمع الدولي .

البناء السياسي للدولة يعتمد على حجم المشاركة السياسية للمواطنين ، وهو ما يعني التنافس من خلال صناديق الاقتراع ، لتحقيق حكم الأغلبية ، والحرص على حماية الأقلية ، وهذه لن تكون إلا في ظل وجود أحزاب سياسية ذات برامج تنموية ، وخطط لتحقيق الازدهار والتقدم الذي ينشده الوطن والمواطنين ، في ظل رقابة شعبية تقف في وجه الفساد والمفسدين الذي يكلل وجوه الدول الفاشلة بالسواد ، وكثيرة هذه النماذج في عالمنا المعاصر ، ومع الأسف أن جلّ دولنا العربية فاشلة سياسياً .

العمل الحزبي عمل تنظيمي يجمع المواطنين على أهداف واضحة المعالم للمنتمين لهذا الحزب ، مواده تتطلع إلى الأخذ بيد المواطنين ، وقياداته تعمل من أجل الوطن، بعيداً عن حب الذات والتمظهر بالمظاهر غير الأخلاقية التي تمس المصلحة العامة ، متفانية في تحقيق أكبر قدر من التقدم في كل مرحلة من مراحل الحكم الذي يتولى الحزب فيها السلطة ، ليعطي نموذجاً للآخرين بأنهم وبحزبهم قد انتدبوا للمصلحة العامة ، وكل دولة يغيب عنها العمل الحزبي ليست بالدولة التي تحكم من خلال رغبة شعبها وطموحات مواطنيها ، فالعمل الحزبي تنظيم جماهيري ، يجمع المواطنين على أهداف وطنية ، والنماذج التي تقوم سياساتها على العمل الحزبي نماذج ناجحة ، بشرط أن لا يكون هذا الحزب حزب السلطان ، يسير في فلك الحاكم ، فالحزب من يأتي بالحاكم وليس العكس ، فهل لنا أن نرى نماذج حزبية جماهيرية تعمل على تحقيق الديمقراطية من خلال انتخابات حرة ، وتطبق مفهوم تداول السلطة .

الدولة أيضاً تحتاج إلى قوة تحمي حدودها ، وتقف في وجه الطامعين بثروتها ، خوفاً من هؤلاء الذين يبحثون عن نهب ثروات الآخرين ، بما يعني حاجتها إلى جيش قوي يسير في ضوء توجيهات السلطة السياسية ، بعيداً عن أن تكون السلطة بأيدي العسكر ، فهؤلاء نموذج بعيد كل البعد عن نموذج سلطة الشعب أياً كانت الوطنية التي يتمتعون بها ، فالجيش لا يحكم وليس صاحب نفوذ سياسي ، ولا يخرج من ثكناته العسكرية إلا في الوقت الذي تصدر له أوامر من السلطة السياسية ، فنماذج حكم العسكر قد فشلت ، حتى وإن أصاب بعضها النجاح هنا أو هناك ، لأن حكم العسكر هو بمثابة اغتصاب للسلطة من بين أيادي المواطنين ، والسلطة السياسية هي ملك المواطنين لتحقيق أهدافهم .

أي دولة فيها عمل حزبي يمارس العمل السياسي على أرض الواقع ، وفي ضوء قوانين حزبية ، ومن خلال صناديق الاقتراع يصل إلى السلطة ، وبايمان بمفهوم تداول السلطة ستحقق مثل هذه الدولة النجاح ، وهذا النجاح يحتاج إلى من يحيط سواره بالقوة لحمايته من الاغتصاب ، سواء أكان هذا الاغتصاب من الداخل أو الخارج .

ما نشاهده في النموذج العربي في النظام العربي الرسمي لا يحقق ضرورة ديمومية الدولة العاملة على تحقيق طموحات أبنائها ، سواء بالعمل الحزبي المنظم ، والوصول إلى السلطة من خلال صناديق الاقتراع ، وتطبيق مفهوم تداول السلطة ، مع وجود جيش يحمي الدولة وحدودها ، فدولنا هياكل كرتونية موبوءة بالفساد ، يحكمها الطامحون بعيداً عن رغبة الجماهير ، فهي فاشلة في تحقيق التنمية وتحقيق الأمن الوطني ، مما يعني أن على الجماهير مواصلة النضال لتطبيق الديمقراطية ، من خلال صناديق الاقتراع ، وعلى اعتبار أن العمل السياسي عمل جماعي من خلال الاحزاب السياسية ، تبني جيوشها ليس لحماية الحاكم ، بل لحماية الوطن والمواطنين ومكتسبات الشعب .

تباً لنظام سياسي يصر على حكم الوطن ، ويستبد بمصالح المواطنين ، يتطلع لديمومة سلطته على حساب فناء وطن ، يبني حكمه على جماجم جماهير الشعب ومعاناة المواطنين ، فهذه النماذج قد عفى عليها الزمن ، فليست في صالح الجماهير، ولا تستطيع تحقيق حماية جدران الوطن من الطامعين ، ونحن في أمتنا حتى نتمكن من تحقيق أهدافنا في الوحدة والحرية والحياة الحرة الكريمة ، حياة الحرية والتحرير، لا بديل لنا عن سلطة الجماهير من خلال أحزاب سياسية منظمة ، وامتلاك قوة تحمي السلطة الوطنية ، فسبب فشلنا لأننا لم نتمكن من انجاز التنمية بكل أنواعها ، ولا نملك جيشاً خارج عن سلطة الحاكم المستبد .

dr_fraijat45@yahoo.com





الاثنين ١ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / كانون الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.