شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد أسابيع قليلة، يطوي الصراع المتفجر في سوريا عامه الخامس، ومعه تستمر آلة الحرب والتدمير في قتل البشر وتدمير الحجر وحرق الشجر. وجولات الاتصالات السياسية واللقاءات التي انعقدت تحت عناوين جنيف 1 و2 و3 وفيينا 1 و2 لم تسفر عن نتائج جدية لجهة وضع آلية عملية لوضع حدٍ لهذا الصراع الذي حصد حتى الآن مئات الوف القتلى، وأكثر من نصف سكان سوريا من المشردين والنازحين إلى الخارج والمتنقلين في الداخل وبالكاد يجدون فسحة آمان ينصبون فيها خيمهم بعدما شملت الحرب كل النواحي من قلب المدن إلى الأرياف وكل السهول والجبال فضلاً عن الحصار والتجويع وحيث تتقدم مسؤولية النظام على الأخرين.

هذا الصراع المتفجر حوّل ساحة سوريا إلى ساحة جاذبة لكل أشكال التدخل الإقليمي والدولي بالنظر إلى أهمية الموقع الجيوساسي لسوريا. ومن انخرط في هذا الصراع مباشرة، وقع في وهم القدرة على الحسم العسكري لصالحه. لكن تبين أنه بعد خمس سنوات، أن أحداً لا يستطيع ذلك وأن بدت الخارطة العسكرية مترجرجة في بعض الأحيان.

لقد كان جنيف (1)، فرصة لإنتاج حل سياسي، خاصة وأن الأمور لم تكن لتصل إلى هذا المستوى من التعقيد، لو لم تكن ساحة سوريا شهدت هذا التعدد من أطراف التدخل الدولي والإقليمي في صراعها، ولما كانت قد ظهرت "داعش" ومثيلاتها، ولما كان النظام يومذاك أسير الاحتواء الإيراني لمواقعه ولا أسير الاستقواء الروسي بآلته العسكرية و لما كانت المعارضة قد وصلت إلى هذا المستوى من العسكرة ومعها باتت أسيرة التجهيز والتمويل من قوى الإقليم وعلى رأسها تركيا وقوى دولية ما رست وما زالت تمارس سياسة التقية معها.

لو قدر لقطار جنيف (1) أن تنطلق صفارته لما كان النظام مضطراً لأن يشتري وقتاً مقابل تخليه عن مخزون السلاح الكيماوي، والذي كان بمثابة الدفعة الأولى التي قبضها الكيان الصهيوني من البازار السياسي الإقليمي والدولي المفتوح على سوريا.

أما وأن "جنيف (1)" لم تشكل مندرجاته تأسيساً فعلياً لحل سياسي ولا "جنيف (2)" ولا "جنيف (3)"، فإن الصراع استمر على وقع تصاعد الأعمال العسكرية ظناً أن ذلك ينهي الصراع وهذا وهم أيضاً. لأن هذا الصراع الذي استهلك قدرة المنظومة الأمنية العسكرية الحاكمة ولم يحسم، واستنزف قدرة التدخل الإيراني المباشر ومعه كل التشكيلات الميليشياوية التي استقدمت، وزجت في الصراع تحت عناوين ومبررات مختلفة، ولم يحسم، وبعد ذلك، جاءت الآلة العسكرية الروسية علها تستطيع الحسم ولن تستطيع، فإن الصراع لن تستطيع حسمه قوى المعارضة ولم يحسم بتدخل إقليمي ودولي آخر أيضاً ولسبب بسيط أن هذا الصراع بأسبابه الداخلية وأبعاده الإقليمية والدولية هو اليوم عند نقطة التقاطع بين الاستراتيجيات الإقليمية والدولية والمتقابلة. وبالتالي فإن مقاربته من زاويته العسكرية والتفكير بالحل انطلاقاً من هذه المقاربة، هو كمن يراهن على التقاط السراب الذي كلما اقترب من خطه المرئي أمامه ابتعد إلى مسافة أبعد.

من هنا، فإن الحل للصراع في سوريا يجب أن ينظر إليه من خلال المقاربة السياسية والتي تتحدد بأربع نقاط رئيسية:

1- أن يقتنع الجميع أن حسم الصراع بالأسلوب العسكري هو وهم، وبالتالي يجب أن يقتنع الجميع أن الحل السياسي هو الذي يضع حداً لهذا الصراع المتفجر.

2- إن تقدم المعارضة نفسها فريقاً موحداً في الإطار التنظيمي والرؤية السياسية وأن تسقط شعار إسقاط النظام وتركز على دور المنظومة الأمنية – العسكرية – السياسية بكل شخوصها ورموزها وما شهدته حركتها مؤخراً يشكل تطوراً إيجابياً.

3- إن تقر المنظومة السياسية التي تدير النظام أن هناك معارضة غير تلك التي تسميها وإنما تلك التي تمثل النبض الشعبي والذي انتقض ضد حكم الأجهزة والقمع والاستبداد ومصادرة الحريات.

4- إن يقتنع الجميع أن مرحلة ما قبل 15/ آذار/2011، ليست كما بعدها، وأن إعادة هيكلة الحياة السياسية على قواعد الديموقراطية والتعددية واعتبار وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومؤسسات خارج النقاش السياسي باعتبارها مسلمات وطنية. إذ لا المنظومة السياسية الأمنية باتت في وضع القادرة على إعادة إنتاج نظام سياسي يحكم البلاد بنفس الآلية والضوابط، ولا بإمكان القوى التي تمارس القمع المجتمعي استناداً إلى الخطاب السياسي الاقصائي والالغائي والتكفيري يمكنها أن تكون البديل الموضوعي لنظام كان قمعه ومصادرته للحياة السياسية أحد أسباب الانفجار الشعبي.

على هذا الأساس، فإن الحل السياسي الذي يخرج سوريا من دوامة هذا الصراع المتفجر، ويضع حداً للتدمير والتشريد الحصار والتجويع، هو إنتاج نظام سياسي جديد يحقق امتلاء سياسياً داخلياً على قاعدة المواطنة في إطار مدنية الدولة، ويضع حداً لحالة الانكشاف الوطني التي أفسحت المجال لكل أشكال التدخل في الشأن السوري لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية على حساب الأمن الوطني السوري والأمن القومي العربي.

لقد سبق وطرحنا رؤية لآلية حل سياسي لأزمة سوريا في تشرين الثاني /2011 واليوم نعيد التأكيد عليها لأنها
الحل الوطني الممكن في ظروف معطيات المرحلة الراهنة.





الثلاثاء ١ جمادي الاولى ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / شبــاط / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب كلمة المحرر الاسبوعي لموقع طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.