شبكة ذي قار
عـاجـل










لا شك بأن الخروج من متاهات الفراغ الرئاسي يُعتبر جسراً لاستكمال الهيكلية المؤسساتية للدولة اللبنانية. ولذلك يأتي انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية خطوة مهمة، نهنئ اللبنانيين على إنجازها. ولكننا سنبدي رأياً في شكل الانتخاب ومضمونه كي تكتمل باكتمالها، إذا اكتملت، فرحة اللبنانيين بولادة رئيس جديد للجمهورية، هذه الولادة التي حصلت بعد مخاض طويل فاق في طوله كل حسابات الحمل والولادة المعروفة في كل دول العالم.

ما كان ملفتاً للنظر بشكل صادم، هو أن السياسيين اللبنانيين، الذين يقررون مسار هذا الاستحقاق، أعلنوا بكل صفاقة أن الاتفاق كان انتصاراً لهم، وما كان ليحصل لولا ما يتميزون به من حكمة ورزانة وحرص على مصلحة لبنان واللبنانيين.

هؤلاء السياسيون أنفسهم، تناوبوا طوال مرحلة الفراغ الرئاسي على إلقاء التهم ضد بعضهم البعض. والمريب في الأمر أنهم بعد إدخال الاستحقاق في غرفة الولادة تبادلوا التهاني وتبادلوا الإشادة بأدوارهم الحكيمة. فكانت النتيجة أن من عرقل في السابق وقف الآن مبتهجاً بدوره الذي لولاه لما حصلت الولادة، ولولاه لكانت الأم والجنين في مرحلة الخطر. والأكثر صدما لأفهامنا هو أنهم اعتبروا أن لبنان قد نجا من الأخطار الداهمة التي تناسوا في المرحلة السابقة أن لبنان في خطر.

هؤلاء السياسيون، حمَّلوا في مرحلة الفراغ مسؤوليته لهذا الطرف الخارجي أو ذاك، وبعد أن جاءتهم كلمة السر من الخارج عن الاتفاق على انتخاب رئيس، راحوا ينسبون الفضل لأنفسهم في إنجاز الاستحقاق، وكأنهم كانوا أصحاب القرار في التعطيل أو في التعجيل.

وفي لحظة استغفال عقولنا أبعدوا عامل التدخل الخارجي عن نجاح خطوة انتخاب رئيس للبنان، لكي يغطي كل تابع منهم على تبعيته. ولم تفلح وسائلهم في التجاهل والتجهيل في أن الخارج هو من يسقط رئيساً أو يأتي برئيس. ينتخب رئيساً أو يمنع انتخاب رئيس.

وكي لا ننسى، وكي لا نخطئ في وضع إنجاز استحقاق انتخاب رئيس للبنان في موقعه الصحيح، علينا أن نتذكر أن هذا البلد محكوم بنظام هرمي للتبعية. وإذا كان مفهوم التبعية يعني مصادرة الأعلى لقرار الأدنى، فالمنهجية الهرمية، من تحت إلى فوق، تتلخص بالآتي :

- رهن معظم أطياف الشعب اللبناني قرارهم لأمير طائفتهم، وبدوره رهن الأمير قراره بدعائم استقواء في الخارج. وبناء عليه، تحكم لبنان ثلاثية قديمة – جديدة، وهي الخارج السيد، والأمير المسود، والشعب المطواع.

- ولأن للحلقات الأعلى مصالح لها الأولوية، وللأمير مصالح أيضاً، ومصالح الحلقتين الأعلى تقتضي تسخير الشعب، فيكون ناتج المعادلة أن كل الضغط يُثقل أكتاف الشعب. وإذا لم يتململ الشعب، فستبقى المعادلة ثابتة ما بقي الشعب جاهلاً حقوقه وقوَّته.

- ولأن مشكلة استباحة سيادة الأوطان واستباحة مصالح شعوبها، تبدأ من خضوع الأدنى إلى الأعلى، أي تبدأ المشكلة في الشعب أولاً، فإن حلها لا يمكن أن يبدأ إلاَّ من أدنى وليس من أعلى. فلا حلَّ من دون وعي الشعب لحقوقه ومصالحه. ولا بُدَّ من أن ينتفض الشعب ضد التبعية لأمير طائفته.

ولكن نتساءل : على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟

ولأن مزامير داوود، لم تدفع الشعب لأن يحرِّك ساكناً، وبقي يلفه الجمود.

ولأن الشعب ما يزال مقتنعاً بأكذوبة ما تُروِّجه دعاوى أمراء الطوائف بأن لكل طائفة في لبنان (أمير) يحميها، وإذا ضعفت مكانة الأمير ستضعف هيبة المذهب.

سيبقى نظام وراثة الإمارة، عائلياً كان أم حزبياً وحركياً، هو السائد، وستبقى عوامل الاستقواء بالخارج نعمة للأمراء. ولكنها تمثِّل قمة النكبة على الشعب.

ولأن الخارج هو من سمح بانتخاب رئيس للجمهورية عبر وسطائه من أمراء الطوائف، فلن نرجو خيراً عميماً للشعب اللبناني، والخير كل الخير لسلاطين الخارج وأمراء الداخل.

وإذا أردنا أن نكذِّب أنفسنا، ولأنه لا تُؤخذ الدنيا بالتمني، بل تؤخذ الدنيا غلابا، فإننا نتمنى أن يُكذِّب الرئيس الجديد كل ما يدفعنا إلى القلق، ويسير على الحقيقة التي تقول : لا خلاص للبنان بانتخاب رئيس، بل بخلاصه من وصاية الخارج والداخل معاً.
 





الثلاثاء ١ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.