شبكة ذي قار
عـاجـل











عندما فُرض حظر النفط العربي على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، رأت إيران أن الأمر لا يخصها، وأنها في وضع لا يجبرها على استخدام النفط كسلاح سياسي، وأن من واجبها كما قال الشاه : "أن تفي بما التزمت به من عقود" . كما ادعى الشاه تبني سياسة متوازنة تجاه الشرق الأوسط ، وأكد ذلك بسلوكه تجاه الطرفين. و استمر بتزويد (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية بالنفط بصورة مباشرة .

وعندما اجتمع أعضاء (الأوبك) في كانون أول (ديسمبر) عام1973م، وتم تعديل سياسة حظر النفط؛ لمنع توحيد موقف الدول الغربية، بحيث توجه الحظر نحو الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا ، وصنفت دول غربية أخرى على أنها تمتاز بوضع أفضل لم تشارك إيران العرب في الاجتماع بالحظر المفروض على الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها شاركت في الاتجاه المطالب برفع سعر النفط داخل الاجتماع وقامت بتزويد الولايات المتحدة الأمريكية بالنفط، بحيث اعتمدت عليها الولايات المتحدة ،واعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية اعتماداً كلياً؛ لتأمين وصول الوقود والنفط في ظل الحصار النفطي ووجدت البحرية الأمريكية في المحيط الهندي والبحر المتوسط وغربي المحيط الهادي نفسها تعتمد على موارد الإمدادات الإيرانية، وأصدر الشاه شخصياً أوامره إلى شركة النفط الوطنية الإيرانية بتحويل الوقود إلى الأسطول الإمبراطوري الإيراني، الذي أرسل بدوره الوقود إلى الأسطول: الأمريكي، وأتاحت تلك المساعدة من جانب الشاه للبحرية الأمريكية أن تواصل عملياتها في المحيط الهندي، وهو تطور عده الكثيرون في ذلك الوقت -وما زالوا- مبرراً لقرار إدارة نيكسون بالاعتماد على الشاه .

واستطاعت إيران من خلال ذلك أن تنال رضا الولايات المتحدة الأمريكية، التي كافأتها بمزيد من صفقات الأسلحة الأمريكية وشراء تقريباً أي نوع من الأسلحة، بل جميعها باستثناء الأسلحة النووية من ترسانة الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك أكثر الأسلحة تطوراً في الترسانة الأميركية الخاصة ، وبالتالي حصل الشاه على طائرة (ف- 15 ،(التي كان مولعاً بتزويد جيشه بها .

ولم يقتصر الدور الإيراني في الحرب على إمداد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالنفط، بل امتد ليساهم بدور فعال في نجاح المفاوضات القائمة؛ لفك الاشتباك بين الأطراف المتنازعة في الحرب.

ذلك أنه عند توقيع اتفاقية فك الاشتباك بين مصر وسوريا من طرف و(إسرائيل) من طرف آخر، بعد تدخل وضغوط أمريكية، كانت العراق القوة الفاعلة والقادرة على إعاقة ذلك الاتفاق ، ولكن كيسنجر أكد للمفاوضين المصريين عندما كان في القاهرة في كانون ثاني (يناير) عام1974م، أنه لا يوجد مبرر للقلق من الدور العراقي، وقال : "الشاه سوف يتولى أمر العراق"، ولم تمض أيام على تطمينات الولايات المتحدة الأمريكية لمصر بعدم القلق من معارضة العراق، لاتفاق فك الاشتباك بين مصر و(إسرائيل)، حتى نقلت وكالات الأنباء رسالة صادرة من طهران قالت :

"أعلن متحدث عسكري إيراني أنه قتل عديدون، وجرح واحد وثمانون شخصاً، في اشتباك وقع على الحدود بين القوات الإيرانية والعراقية"، وجاء في بيان عراقي أن خسائر الطرفين كانت فادحة، وقال بيان عراقي : "إن القوات الإيرانية بدأت تحشد جنودها على الحدود، وأن وحدات الطيران الإيراني اخترقت المجال الجوي العراقي" .وبذلك نجح الشاه في تشتيت القوة العراقية وإشغالها، وساعد في إنجاح المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) ومصر، وهي سياسة لطالما اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية على تطبيقها.

وبالرغم من ذلك الوفاق والتخطيط المشترك بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، والذي وصل إلى إدراج الولايات المتحدة الأمريكية إيران ضمن آلية تطبيق خطة التدخل العسكري واحتلال منابع النفط، إلا أن الشاه لم ترق له فكرة تهديد الولايات المتحدة الأمريكية بذلك التدخل؛ لأنه اعتبر ذلك تعدي على الهيمنة التي رسمها لإيران في المنطقة، وهو ما كان الشاه قد استبعده من خيارات السياسة الأمريكية منذ الانسحاب البريطاني.

لذلك رد على التهديدات الأمريكية بالتدخل العسكري لاحتلال منابع النفط، في 16 كانون ثاني (يناير) عام1974م- رغم أنه من المفهوم ضمناً أنه لم يكن معنياً بالتهديدات الأمريكية- بأنه إذا استمرت سياسة التهديدات ضد الدول المنتجة للنفط "فإننا سنتخذ الإجراءات اللازمة؛ لمواجهة هذه التهديدات" .

وذلك أكد نية الشاه الاضطلاع بدور الحارس للمنطقة، دون التدخل الأمريكي، واستبعاده وجود أي قوة أجنبية في المنطقة، حتى وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي رسمت له الدور.

إن ما قام به الشاه لم يتعدى سوى إدارة ازمة النفط لصالحه، في إطار سعيه الواضح لتعزيز دوره الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهيأت له الظروف السياسية ذلك، فإيران إحدى أهم الدول المنتجة للنفط، وقادت موقفاً حيادياً في حظر النفط العربي، ودعمت السياسة الأمريكية أثناء الأزمة، ومارست دوراً هاماً في المنطقة لها.

وجاء ذلك منسجماً مع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط التي هي العامل الاستراتيجي الأهم في تحديد السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
 





الاثنين ١٢ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.