شبكة ذي قار
عـاجـل










لطالما اعتبرت سامرّاء العراقيّة مركزا مهمّا في دائرة الأحقاد الفارسيّة الصّفويّة على العراق والعرب والعروبة بصفة عامّة، وترجع مكامن هذه الأحقاد ومولّداتها لطبيعة الرّهان الذي توليه ولاية الفقيه الشّعوبيّة المتخلّفة للمدينة.

تتميّز سامرّاء علاوة على تاريخيّتها ورمزيّتها وإسهاماتها الحضاريّة والإنسانيّة على مرّ التّاريخ خصوصا في الحقبة العبّاسيّة بجملة من الخصائص الفريدة من حيث تعدّد مكوّناتها وفسيفسائيّة النّسيج المجتمعيّ فيها بمنتهى التّناسق والتّناغم والتّعايش السّلميّ ما يبوّئها لتمثيل عيّنة عراقيّة مصغّرة ناصعة تماما تحدّث عن القدرة العراقيّة العجيبة في استثمار عنصر التّعدّد والاختلاف وتوظيفه من حيث التّكامل والتّضامن والتّآزر لبلوغ مراتب حضاريّة واجتماعيّة وثقافيّة متقدّمة عن غيرها بأشواط.

ولأنّ الفرس كانوا دوما توّاقين لتقويض أمن العراق ولتخريبه طيلة صفحات التّاريخ، فإنّهم خير من درس ويدرس هذه الخلطة الكيميائيّة العجيبة التي تضرب مخطّطاتهم الشّيطانيّة في مقتل ويعملون بالتّالي على تفكيكها وإنهائها.

ليس من النّبوغ في شيء التّأشير لمساعي الفرس الجهنّميّة لضرب العراق وتخريبه وتمزيق نسيجه المجتمعيّ وتقويض دعائم الاستقرار فيه، بل قد يغدو ضربا من التّكرار والإطناب غير المجدي التّذكير بمساعي منظومة ولاية الفقيه لتقسيم العراق وتشظيته وخصوصا سعيها لتفريسه لما يشكّل ذلك اللّبنة المحوريّة والأهمّ لتهيئة الظّروف اللاّزمة لتعميم تلك السّياسات على بقية الوطن العربيّ.

كما أنّه من البداهة بمكان اعتماد الفرس على الورقة الطّائفيّة اعتمادا شبه كلّي لتفريق أبناء العراق وضرب بعضهم ببعض، وذلك لإخفاء نواياهم التّوسّعيّة الاستيطانيّة الشّعوبيّة المنطلقة حصرا من الدّوافع القوميّة الفارسية الصّفويّة.

وفي الحقيقة مرّ الفرس منذ غزو العراق عام 20033 واحتلاله للسّرعة القصوى للشّروع في تصفية العراق وأهله بالتّنسيق المتناهي مع الأمريكان، وعمّموا الخطاب الطّائفيّ عبر أحزاب العمليّة السّياسيّة المنصّبة والناشئة في أحشاء الاحتلال، وأغرقوا مدن العراق ومحافظاته من زاخو للفاو في موجة مستعرة لا تنتهي من القتل على الهويّة، كما تداولوا في عملهم ذاك على كلّ محافظة حسب خصوصيّاتها.

وخصّ الفرس سامرّاء بمخزون كبير من الثّأر مستغلّين وجود مراقد الأئمّة فيها بمدلولاتها ومكانتها وقدسيّتها وما تمثّله من مطيّة غالية لابتزاز العراقيّين وأهالي سامرّاء بادّعاء حماية العتبات المقدّسة فيها حينا ونصرة المظلومين فيها أحيانا وغير ذلك من الأساليب.

ولمّا استيأس الفرس مؤخّرا من التّعويل على الورقة الطّائفيّة في العراق خصوصا بعد تنامي يقظة العراقيّين واستعادتهم لوعيهم الوطنيّ والقوميّ وتمثّل ذلك خصوصا بملاحقات أقطاب العمليّة السّياسيّة المتهاوية في العراق وطردهم من الاجتماعات العامّة وغير ذلك وخصوصا ما حدث للمجرم نوري المالكي مؤخّرا في محافظات الجنوب، عاودت منظومة الشّرّ الإيرانيّة اختلاق مشروع جديد في سامرّاء وذلك بحمل أهلها على التّفويت في أراضيهم وممتلكاتهم لما يسمّى بالوقف " الشّيعيّ " وإجبارهم على الانصياع لذلك بالقوّة والتّهديد والتّرويع في فصل إرهابيّ عنصريّ جديد.

قد يسأل سائل لماذا سامرّاء وفي هذا الوقت تحديدا؟
إنّ استهداف سامراء ليس أبدا عبثيّا، إذ وكما تقدّم، تتحوّز هذه المدينة التّاريخيّة على تنوّع مجتمعيّ كبير لم يفض إلاّ لأرقى مظاهر التّعايش السّلميّ والتكافل حتّى لكأنّه لا وجود حقّا لفوارق بين متساكنيها سواء كانت مذهبيّة أو عرقيّة أو إثنيّة، وبالتّالي فإنّ خلخلة هذا الاستقرار وإن جزئيّا سيتيح للفرس تعويض خساراتهم في مناطق لطالما راهنوا عليها وعدّوها تابعة لهم حسبما يتهيّؤ لهم ذلك خاصّة مدن الجنوب ومحافظاته، كما يتوقّعون أنّ العزف مجدّدا على وتر المراقد والعتبات المقدّسة قادر على استجلاب العراقيّين من أبناء سامرّاء وضمان انخراطهم في هذا المشروع الجهنّمي الجديد.

كما أنّ الفرس يرومون من خلال أحداث سامرّاء لتحقيق هدفين مهمّين آخرين وهما :

1- صرف الأنظار وتشتيتها عمّا ترتكبه مجاميعهم الإجراميّة من جرائم مروّعة هناك وتعثّر بل وفشل خطّة تركيع الموصل وإبادتها بفضل الصّدّ والمقاومة التي تئنّ تحت ضرباتها قطعان الميليشيّات المسلّحة الغازية وذلك في تنفيس عن المجرمين وإسعافهم ولملمة انهيارهم النّفسيّ.

2- مواصلة قرار التّغيير الدّيموغرافيّ والإبادة العرقيّة في العراق وهما أكبر ما تعمل الإدارة المجرمة الإيرانيّة بالتّواطئ مع المجتمع الدّوليّ وخاصّة المعسكر الأمريكيّ والصهيونيّ على تنفيذه.

هذا، وإنّه ورغم ما تتمتّع به الإدارة الإيرانيّة من عوامل التّفوّق من حيث الإمكانيّات اللّوجستية والعسكريّة والإعلاميّة، فإنّها ستواصل حصد الهزيمة تلو الهزيمة بفضل تحفّز العراقيّين وثبات مقاومتهم وإلمامها المبهر بسياسات الفرس وإعدادها للخطط المقاومة سواء التّكتيكيّة أو الاستراتيجيّة الكفيلة بقبر أحلام الصّفويّة الخمينيّة التّوسّعيّة. وإنّ سامرّاء ستظلّ عراقيّة عربيّة شامخة وستبقى عصيّة عن التّفريس كما حال العراق المقاوم المنتفض منذ الاحتلال.





الجمعة ٢٣ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.