شبكة ذي قار
عـاجـل










من المهم جدًا الادراك أن الخطوة الأمريكية حيال القدس لم تكن مفاجئة إنما مخطط لها .. وإن الإدارة الأمريكية الجديدة التي يترأسها المتصهين " دونالد ترامب " ، هي استكمالاً لسياسات الإدارات الأمريكية التي سبقتها إلى البيت الأبيض في عدد من المراحل :

1- مرحلة إنهاء القضية الفلسطينية ، التي تعمدت أمريكا والغرب الاستعماري والصهيونية العالمية على إدخالها في نفق المفاوضات العقيمة التي أنتزعت التنازلات الفلسطينية والعربية دون مقابل سوى الوعود والكلام والبيانات الختامية للمؤتمرات واللقاءات والوساطات المخدرة دون نتيجة تذكر أو تنفيذ وغياب الادراك العربي الجدي لطبيعة الوسيط والوساطة والزمن ، فيما تستمر الجرافة الإسرائيلية تنهش الأرض والشجر والبشر .. وخاصة منذ أن بدأت سياسة ( الخطوة خطوة ) ، التي اتبعها اليهودي الصهيوني " هنري كيسنجر " إثر كارثة عام 1967 وهزيمة الأنظمة العربية .

2- مرحلة إبعاد العرب عن قضية فلسطين وتحويل الصراع من صراع ( عربي – إسرائيلي ) إلى صراع ( فلسطيني – إسرائيلي ) ، حيث حرمت القضية الفلسطينية من عمقها العربي الاستراتيجي - والأنظمة العربية راضية مستسلمة !! .

3- مرحلة الصراع ( الفلسطيني – الفلسطيني ) وإرغام الجغرافيا الفلسطينية على التقسيم الجيو - سياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة .. وهو فخ إسرائيلي استنزف الحركة المسلحة الفلسطينية وأرهق الموارد المالية والبشرية طيلة عقود .

4- مرحلة تدمير القوى العربية الساندة للقضية الفلسطينية ممثلة بالخط الأول ( مصر ) بإخراجها من دائرة الصراع وتكبيلها باتفاقية كامب ديفيد و( الأردن ) معاهدة وادي عربة و( سوريا ) اتفاق الجولان الذي دام عقود من السنين وحتى الوقت الحاضر و( لبنان ) بتلغيمها بحزب الله الذي بات حارسًا للأمن الإسرائيلي ، و( العراق ) باحتلاله وإسقاط نظامه الوطني وتدميره .. وذلك من خلال مخطط الشرق الأوسط الكبير ونظريته الفوضى الخلاقة .

4- استبعدت أمريكا جهات دولية وإقليمية عن طاولة المفاوضات وخاصة الأوربيين وانفردت وسيطًا منحازًا يعمل من أجل إبتلاع الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية وتهجير أهلها بوسائل القمع الوحشية متجاهلة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ومتجاهلة مجازر الكيان الصهيوني وحروبه العدوانية والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وبيانات منظمات حقوق الإنسان .. فيما تدعي أمريكا أنها تحمل راية هذه الحقوق في العالم ‍‍!! .

- إن قرار الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة للمستعمر الإسرائيلي العنصري ، هو قرار شنيع تلغي أمريكا كل قرارات الأمم المتحدة بصورة انفرادية وتتجاوز عليها وتعلن إنحيازها العلني المطلق للكيان الصهيوني ، وهي بهذا الموقف تؤكد عدم حيادها وسيطًا حين تفرض إرادتها المجحفة على أحد طرفي الصراع ، يعني أنها لا تصلح أن تكون وسيطًا نزيهًا وعادلاً ، وإن قرارها هذه تتحمل مسؤليته أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لمخالفاتها قراراته فضلاً عن مسؤلياتها أمام المجتمع الدولي والشعب العربي والشعوب الإسلامية .

- كما أن الموقف الأمريكي الرسمي من القدس يشكل خرقًا فاضحًا لمساعي المنظمة الدولية والمجتمع الدولي منذ الجريمة الكبرى التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 ولحد الآن ، وإجهاضًا للمساعي والقرارات الأممية حول القضية الفلسطينية ، التي لا تقبل التصرف الانفرادي والكيفي بأي حال .

- القدس المحتلة ليست أي مدينة في العالم ، إنما هي مدينة عربية تاريخية لها مكانتها الروحية لدى العرب والمسلمين ، فهي ليست مدينة يهودية حتى تكون عاصمة لكيان إستعماري عنصري محتل لأراضي فلسطين .. وليس لأمريكا ولا لغيرها الحق في أن يتصرف بها وبمستقبلها لحساباته السياسية ولحسابات سياسية إسرائيلية عنصرية يعرفها العالم والتاريخ منذ 69 عامًا ، ارتكبت خلالها مجازر ضد الإنسانية غطت عليها أوربا وأمريكا بدوافع إستعمارية حاقدة .. والكيان الصهيوني يؤسس لـ( دويلة ) دينية – عنصرية عجلت بريطانيا على إنشائها وعمدت أمريكا على احتضانها وحمايتها ودعمها سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا وماليًا ، وهي الآن تكرس أسس هذه الـ( دويلة ) التي تنقصها ( الشرعية الواقعية ) بحكم احتلالها أراضي غيرها عن طريق المجازر والتجريف ، كما تنقصها ( الشرعية القانونية ) ، رغم اعتراف الغرب المستعمر بها كيانًا ما يزال يعاني ويشك بوجوده القائم على الدعم والاسناد الخارجي .

- لم تحترم حكومة الاحتلال الإسرائيلي القوانين الدولية وقرارات المنظمة الدولية ، وهي تمعن في ممارسة سياسة القضم التدريجي للأراضي الفلسطينية وتجريف المنازل والمزارع الفلسطينية وتغيير معالم المدن والتراث الحضاري الفلسطيني .

- قرار أمريكا ، الذي يعتبر بداية مرحلة جديدة وخطيرة على طريق إنهاء القضية الفلسطينية ، هو قرار غبي يقوض السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ويضعها في عزلة ، ويثبط صدقيتها المتهتكة أصلاً ، وستنتهي بأن لا يصدق أمريكا أحدًا حتى أصدقائها ، مهما قدمت من تبريرات وتفسيرات لا تستقيم مع الاعتراف بشيء ليس من حق الإسرائيليين وليس من حق الأمريكيين إنما هو حق تاريخي للفلسطينيين أصحاب الأرض منذ آلاف السنين وقبل أن تظهر أمريكا إلى الوجود !! .

- القرار الأمريكي الفاضح والغبي يعتبر خرقًا لمبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني .. وهو في حقيقته مكافئة لـ( إسرائيل ) على استمرار احتلالها ، وتنكيلها بالشعب الفلسطيني وفرض سياساتها المخالفة للقانون الدولي .. حيث أن التصرف الأمريكي غير المسؤول يجرد قرارات الأمم المتحدة من قيمتها القانونية طالما لا تعترف هذه القرارات بالسيادة الإسرائيلية على القدس ولا بإجراءات سلطات الاحتلال التي تستهدف تغيير الوضع القائم بضم القدس بقرار الاحتلال غير الشرعي ، وهو قرار باطل ولا يرتب أي أثار قانونية .. وهذا ما تقرّه إتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، اللتان تؤكدان على ( أن الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يرتب لسلطاته أي حقوق أو آثار على حق السيادة الأصلي للشعب الفلسطيني ) ، لأن الاحتلال لا يخول بنقل السيادة على القدس إلى الدولة المحتلة ، لأن الاحتلال مؤقت ومحدود الأجل على وفق قرارات الأمم المتحدة .

- إن صدور قرار مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1995 يقضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس يشكل إعترافًا أمريكيًا بقرار ( إسرائيل ) بضم القدس المحتلة .. فيما يشكل قرار الإدارة الأمريكية الأخير إعترافًا بالقدس عاصمة لـ( دولة الاحتلال ) ، الأمر الذي يؤكد أن أمريكا شريكًا إستعماريًا في احتلال فلسطين وليس راعيًا سياسيًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين .. كما أن القرار يخالف بصورة صريحة قراري مجلس الأمن الدولي بتاريخ 25/ سبتمبر- أيلول 1971 وعام 1981 وقرار الجمعية العامة لِلأمم المتحدة رقم ( 22 50 ) الصادر بتاريخ 4 ديسمبر- أيلول 1995 ويتضمن ( شجب انتقال البعثات الدبلوماسية إلى القدس وإعادة تأكيد معاهدتي لاهاي وجنيف على الجولان السوري ) .. فضلاً عن مخالفته ( لاتفاقية أوسلو والمعاهدات العربية الإسرائيلية ) ، ومخالف لرأي محكمة العدل الدولية .

- وعلى هذا الأساس ، لا يجوز نقل السيادة على القدس المحتلة إلى الكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية .. ولا يجوز وفقًا للقانون الدولي أن تقوم أمريكا بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلية ، التي تمارس القمع والانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني .

- إن قرارات الكونغرس الأمريكي لا يجب أن يفسح لها مجالاً للتنفيذ خارج حدود الدولة الأمريكية .. كما إنها من غير المعقول أن تصنع منها قرارات تنفذ في الخارج كأحكام نافذه لحساب ( دولة ) وعلى حساب دولة أخرى أو شعب آخر .. إذ ليس هنالك دولة مارست مثل هذا الأسلوب المجحف عدا أمريكا - وهي تختزل لوحدها مجلس الأمن الدولي - الأمر الذي يقتضي وضع حدٍ لذلك ومنع سريان قرارات الكونغرس الأمريكي على دول أخرى خارج حدودها الدستورية ، لكونه يشكل سابقة تتعارض مع الحق السيادي للدول .. وهي قرارات محلية مخالفة لمبدأ ( عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة ) .. ولما كان الاحتلال الإسرائيلي غير مشروع ، فإن ضم القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال يعد عملاً غير مشروع وغير قانوني !! .

- لن تتراجع أمريكا ولا الكيان الصهيوني ولا حتى النظام الفاشستي في طهران إلا عن طريق القوة وحرمانها من استثمار مصالحها الواسعة على المستوى السياسي والاقتصادي ومنع السفر وإيقاف رحلات الطيران والتبادل التجاري وغلق الأجواء وغلق البعثات القنصلية والتجارية والثقافية والدبلوماسية .. عندئذٍ ، ستدرك أمريكا كما يدرك الكيان الصهيوني والنظام الفاشي في طهران وأي دولة تساند القرار الأمريكي أن السيف يحز في بنيتها السياسية والاقتصادية فستضطر مرغمة على التراجع ( إنه الردع ) لإعادة النظر بقراراتها !! .

تأجيل تنفيذ قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو في حقيقته سيف مسلط على رقاب شعبنا الفلسطيني المناضل وعلى رقاب العرب والمسلمين ، ذو حدين .. حده الثاني يأكل في صدقية السياسة الأمريكية التي بلغت الحضيض !! .





الاثنين ٢٢ ربيع الاول ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.