شبكة ذي قار
عـاجـل










نهض العراق بعد عام 1968 نهضة كبرى ، بعد أن حرر اقتصاده من قبضة الاحتكارات الأجنبية ، ووضع مشاريعه في الزراعة والصناعة والتصنيع المدني والعسكري ومشاريع الري ودعم السدود بمنظومات حديثة في قمة أولوياته .. وبنى جيشًا من العلماء والفنيين والمهندسين والدارسين بعد تدعيم الثقافة ومناهج الدراسة التربوية والدراسات العليا ، الأدبية والعلمية ، والانفتاح على الخارج ونَوَعَ مصادر العلوم والأسواق المختلفة .. النهوض كان متوازنًا يقوم على قاعدة الاقتصاد المنتج دون الاعتماد على واردات النفط .

هذه النهضة هي التي أثارت الغرب ، لأن نهوض العراق أو أي دولة عربية تحقق أو تقترب من الاكتفاء الذاتي وتتخلص من التبعية وتغلق منافذ الاختراق والنقص في مجالات الغذاء والدواء والمياه والصناعة والتصنيع الخفيف والثقيل وتحقق التكامل الاقتصادي ، يشكل إنذارًا بأن تلك الدولة أو ذلك النظام سيصبح ( أُنموذجًا ) يحفز الأقطار العربية على الاقتداء بنهجه وتطوره العلمي وبالتالي تبدأ ( عدوى ) النهوض تستشري في واقع الأمة .. وهنا لا بد من اتخاذ الاجراءات العملية من أجل ( إطفاء ) ذلك النموذج قبل أن يصل وهجه الفكري والعملي إلى باقي الأقطار العربية الأخرى .

الغرب ، قد اتخذ قرارًا يمنع بموجبه العرب من تأسيس وحدتهم القومية ، وذلك لغرض إبقائهم ضعفاء في أقطارهم سجناء في حدودهم المصطنعة .. حتى حالة الضعف هذه بات الغرب يعمل على تغيير واقعها الراهن إلى واقع آخر أكثر شرذمة وضعفًا يتمثل بإسقاط النظم السياسية العربية وتفكيك كياناتها الوطنية من أجل إعادة تشكيلها بعد إغتيال الهوية القومية العربية وتمزيق الإسلام بين إسلام معتدل وإسلام متطرف .

وتفقير العرب يجعلهم يعتمدون على الخارج في كل شيء حتى في حمايتهم .. فالغذاء والدواء مستورد والصناعة مستوردة والسلاح مستورد والعمالة والخدمات مستوردة عدا التكنولوجيا ممنوعة عليهم .. وفي هذا الإطار تظهر الثغرات ويظهر الاختراق متمثلاً في الأمن الغذائي والدوائي والمائي ، فضلاً عن الاختراق في الأمن الصناعي والعسكري والمعلوماتي .. فإذا كانت أمريكا واوربا و( إسرائيل ) وإيران وتركيا ، كل هذه الدول تريد أن تستبقي العراق ضعيفًا ومنهكًا واستهلاكياً وبالتالي مدجنًا وغير قادر على تكوين عناصر قوته على أساس البناء والنهوض الوطني ، فإن الهدف هو تكريس ( اختلال التوازن الاستراتيجي ) في المنطقة ولأهداف الهيمنة .. لهذا ، فإن الإيغال بتدمير العراق شعبًا وكيانًا وبيئة ، يؤكد أن توافق مصالح هؤلاء على إضعاف العراق ليس فقط في ركنه المادي ، إنما التدمير يطال الجانب النفسي والاعتباري الذي ينتهي إلى اليأس والتحلل .

فما الذي يحصل في العراق الآن ؟

حين أُسقِطَ النظام الوطني عام 2003 بدأت أمريكا وإيران بتدمير الدولة .. وخطوة التدمير هذه تمثلت بحل الجيش النظامي العراقي .. يقول ( بول بريمر ) في مقابلة متلفزة أجاب على سؤال : من أصدر القرار الخاص بحل الجيش العراقي ، أجاب بريمر: ( هو القرار الذي اتخذه آية الله علي السيستاني .. فالشيعة وهم يشكلون الأكثرية .. دعوناه إلى التعاون مع قوات الاحتلال .. فقال السيستاني ، لا نستطيع التعاون معكم ، كما الكرد ايضًا ، إذا كنتم تريدون إبقاء جيش صدام .. وهذا كان سببًا قويًا لحل الجيش العراقي ) !! .

إذن .. إن قرار حل الجيش العراقي كان قائم على شرط إيراني ، وهو قرار  إيراني - أمريكي بالنتيجة .. حيث رضخت أمريكا لشرط إيران - حسب بريمر - ، وأمريكا تعلم علم اليقين أن هذا القرار سيكرس ( فراغًا أمنيًا ) خطيرًا ما يزال العراق وشعب العراق يعانيان من نتائجه ، حيث فسح المجال لإرهاب الميليشيات الإيرانية التي أنجبت داعش وتعاونت وما تزال مع القاعدة .. وأمريكا دولة احتلال كبرى من الصعب أن تخفى عليها هذه الحقيقة .

فتدمير العراق بدأ من هذا القرار .. ثم سار تدمير الدولة بالمنهج البريطاني القائم على توزيع النِسَبْ على وفق معادلة حصص تمثل الأكثرية والأقلية والتي تسمى ( المحاصصة ) الطائفية وهدفها تمزيق الشعب إلى طوائف وشرائح وقوميات ، وشرذمته بإبراز قيادات إثنية وطائفية وعشائرية وواجهية لكي تتعدد الرؤوس وتتوقف حركة الدولة .. حتى بات العراق عبارة عن دكاكين من ممثلي هذا الجمع الهائل على مسرحه المحتل يتصدر هذا الجمع الميليشيات الطائفية الإرهابية الموالية سياسياً وأيديولوجيًا للحكومة الصفوية الفارسية .

ومن ضمن مراحل تخطيط طهران لابتلاع العراق هي أن يكون ( تابعًا ) للدولة الصفوية وسوقًا يرتبط بإيران ويعتمد عليها في الطاقة ، وهو بلد الطاقة ، بالغذاء وهو سلة غذاء المنطقة ، في السلع والبضائع الاستهلاكية ، وهو الذي حقق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المنتجات والصناعات .. وإن جعل العراق تابعًا يقتضي منعه من التطور ومنعه من النهوض بأعباء المشاريع الوطنية ، وتكبيله بآفات التصحر والتلوث البيئي وضعف قدراته على الصمود وبالتالي أن يبقى بلا إرادة وطنية .. عندئذٍ ، يشعر بأن منفذًا وحيدًا أمامه ليبقى على قيد الحياة هو إيران .

فالأحزاب الإسلاموية الحاكمة التي تقود العملية السياسية المأزومة تراوح مكانها وتعمل على تدوير عناصرها دوريًا في عملية خداع لم يشهد لها تاريخ العراق من قبل مثيًلا .. وقد كشف الشعب العراقي هذه اللعبة المتهتكة تمامًا وطيلة أكثر من خمسة عشر عامًا والتدوير والتزوير مستمر وشعب العراق لا يمارس حقه في حسم هذه اللعبة القذرة ، بسبب تسلط الميليشيات الطائفية المسلحة المرتبطة بإيران الصفوية .. وكل يعلم بفِرق الاعدام التي شكلها ( قيس الخزعلي وآوس الخفاجي وهادي العامري ونوري المالكي ) في البصرة ، والتي مارست جرائم الاعدام بوسائل مختلفة بحق الناشطين الوطنيين من النساء والرجال وهو أسلوب رادع كشف حقيقة القتلة التي تحركهم قيادة قاسم سليماني وبتخطيط الإرهابي سفير إيران في بغداد .. ولكن هذا الأسلوب لن يجدي نفعًا طالما أن الكارثة مستمرة وتجاهلها ما يزال في لعبة الدوران التي يمارسها البرلمان في خداعه المستمر .. رغم الفساد والاعتراف به رسميًا ، ورغم السرقات التي لم يكشف عنها أحد وهي بالمليارات ، ورغم مئات الآلاف من الشباب والنساء في السجون ، ورغم المفقودين الذين تظهر اسماؤهم في قوائم سجن مطار المثنى ، ورغم الحالة الكارثية التي يعاني منها شعبنا في الجنوب على وجه الخصوص .. يستمر البرلمان بلعبته القذرة لتدوير حركة السلطات التنفيذية ومليشياتها والتغطية على القاذورات التي تطفح في كل مكان في العراق .. لا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا للسقي ولا خدمات ولا بضاعة مستوردة خالية من المسرطنات .. فقط ( زبالة ) إيران وبعض مستوردات دول الخليج ، التي لا يهمها سوى الربح .

حالة العراق وشعب العراق كارثية بكل معنى الكلمة .. فهو لا يمتلك حقًا سياديًا ولا يمتلك إرادة وطنية بحكم الاحتلال الأمريكي والإيراني ، ولا يمتلك خيارًا في تصريف ثرواته الوطنية .. فالنفط والغاز تتحكمان بهما شركات الدولتين المستعمرتين للعراق ، ولا يمتلك خياره في قراره السياسي والاقتصادي كدولة عضو في الأمم المتحدة وعضو في جامعة الدول العربية .. والتدوير قائم هو أن يتولى الكرد رئاسة جمهورية العراق ، ويتولى ( شيعة الفرس الصفويين ) رئاسة الحكومة ، وتتولى الحقائب الوزارية ، لنهب ثروات البلد ، قوائم المرشحين الذين تقدمها أحزاب السلطة في العملية السياسية المتهتكة .. فأين هي الوطنية ، وأين هي السيادة ، وأين هو الاستقلال ، وأين هي الإرادة الحرة الكريمة يا شعب العراق ؟! .





الخميس ٧ ربيع الاول ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / تشرين الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب الرفيق المجاهد أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.