شبكة ذي قار
عـاجـل










سنوات أثقل من الجبال مرّت على العراق أرضاً وشعباً ومياهاً ومقدّرات وأماني وحاضر مُعدم ومستقبل مجهول لم تره البشرية في أظلم فترات وجودها من نصب وأحتيال وفساد ذمم وأرتباط خارجي ومصير يتحكم به أعدائنا وأعداء الأنسانية جمعاء في ظروف مُظلمة لم يمر به العراق حتى في زمن هولاكو حتى أعتقد البعض ومعهم الملايين من البشر أنّ لا عودة للعراق الى سابق مجده وعزه ومكانته ولا أمل في أن يعيش العراقي مثل بقيّة شعوب العالم بأستقرار وأمان ورفاهية حتى جاءت الثورة الشبابية المباركة لتُظهر حقيقة العراقي الّذي لا ينام على الضيم فخسرت رهانات الأعداء وباءت محاولات الطغاة الفاسدين الى الفشل الذريع وقدّم العراق وشبابه الآلاف بين شهيد وجريج فداءاً للوطن في أشجع وأنبل وأطهر ملحمة بطولية سلمية وتظاهرات وطنية ستستمر أن شاء الله حتى تُطهِّر الأرض من دنس تجار الدين ودعاة التخلف والضبابية ويعود للعراق وجهه المُشرق وفي عرس وطني شهدت بغداد وأغلبية المدن العراقية مظاهرات صاخبة لم تتوقف ليلا ولا نهاراً بالرغم من كل وسائل القوة والترهيب والأكراه والقتل التي أتبعتها السلطات الحكومية وميليشياتها المتعددة وعندما لم يجد المحتج والمتظاهر أذاناً صاغية من الحكومة بعد كل ما جرى فلابد من الأنتقال الى مرحلة العصيان المدني أسوة بجميع الشعوب المتطلعة للحرية والأستقرار والرفاه.

من المعروف أنّ مفهوم العصيان المدني قد ظهر في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر على يد الباحث السياسي الأمريكي ( هنري دافيد ) بعد رفضه دفع الضرائب لتمويل الآلة العسكرية الأمريكية في الحرب ضد المكسيك أنطلاقاً من مفهوم ( مقاومة الحكومة ) حتى أصبح مفهوم العصيان المدني مصطلح سياسي ينطبق على العمل الجمعي السلمي لمعارضة السياسات الحكومية دون أستخدام القوة أو العنف لأجبار النظام السياسي على الرضوخ لمطالب الجماهير بالتغيير خاصة عندما تكون هذه السياسات لا تنسجم مع طموحات الشعب ومصالحه فيبدأ الشعب أولاً بالتظاهر والأستنكار ورفع لافتات وشعارات للضغط على الحكومة لترعوي وتهتم بما تطلبه الجماهير المنتفِضة والثائرة وعندما تسد الحكومة أبصارها وبصيرتها أمام الحشود الثائرة والأستخفاف بهدير المظاهرات والأعتصامات وإنّ لديها أصرار على التمسك بسياستها المخيبة للآمال يصبح لزاماً على الشعب بجميع أطيافه ومكوناته ومدنه القيام بالعصيان المدني والّذي يتميز بالخصائص التالية :

١. عمل جمعي سياسي يتطلب مقاطعة جميع الهيئات البرلمانية والمطالبة بأنتخابات عامة جديدة وبأشراف محايد والأمتناع عن التعامل مع الجهات التنفيذية للحكومة بأي شكل من أشكال التعاون وهو أيضا عمل جمعي أقتصادي كالأضراب عن العمل والدراسة والأمتناع عن دفع المستحقات من الضرائب والرسوم للحكومة.

٢. يُعد العصيان المدني أحدى الوسائل الحديثة التي تكفلها جميع الدساتير الديمقراطية الحديثة والّذي ينم عن ثقافة جماهيرية وسلوك متحضر ووعي فردي يهدف الى حماية مصالح المجموع.

٣. أبتعاداً واضحاً عن المشاركة السياسية والأمتناع عن تنفيذ قوانين الحكومة الجائرة التي لا تصب في خدمة المجتمع وسعادة أبنائه.

٤. يتصف العصيان المدني بالوضوح والأعلان والأعلام عنه بالأستفادة من وسائل الأعلام المختلفة ووسائل التواصل الأجتماعي المتعددة لكون هذا العصيان يختلف عن العصيان الأجرامي الّذي غالباً ما يكون سراً وأن أهدافه ليس واضحة وغير محددة ومخالفة للدستور والقواعد القانونية.

٥. يمثل العصيان المدني توجه أجتماعي مدني سلمي دون أستخدام للقوة بأي صورة من صورها ورسالة دستورية موجهة قانونياً ضد النظام السياسي وبرامجه الداخلية وأجنداته الخارجية وأجباره على ترك السلطة وتسليمها بيد الوطنيين الأحرار أصحاب المصلحة الوطنية الحقيقية الداعمة للتغيير.

٦. يجب أن تُوجّه الدعوة للعصيان المدني من قبل تيارات وطنية عراقية مشهود لها بالولاء والأخلاص للوطن والنزاهة في الأداء والشفافية في العمل.

٧. حماية ممتلكات الدولة وأصول مؤسساتها المالية وعدم المساس بها لأنها ملك الشعب ومنع المندسين من العبث بموجوداتها.

٨. ضرورة التعاون مع الجيش والشرطة المحلية عندما تُثْبِت هذه الأجهزة تعاونها مع الجماهير ولديها القدرة على التفريق ما بين السلوك الديمقراطي والسلوك الأجرامي.

ولنا في التأريخ حالات متعددة من العصيان المدني والتي أثمرت عن تغيير نُظم سياسية متعددة كما حصل في المانيا عام ١٩٢٠م والّذي أفشل الأنقلاب الّذي أستهدف جمهورية فايمار والثورة الوردية في جورجيا ضد الرئيس أدوارد شفرنادزة عام ٢٠٠٣م والثورة البرتقالية في أوكرانيا عام ٢٠٠٤م والحراك الشعبي في الجزائر الّذي أسقط نظام بوتفليقة والعصيان المدني الّذي أطاح بحكم الرئيس البشير في السودان ولنا في الله خير ناصر على أعدائنا حتى يتحقق النصر الناجز على الأشرار ويعم الأمن والسلام في ربوع وطننا الحبيب.

الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي
أوسلو ٢٨ / ١٠ / ٢٠١٩م





الاربعاء ١ ربيع الاول ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / تشرين الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.