شبكة ذي قار
عـاجـل










سبق أن تم إقرار قانون ( رقم ٤ لسنة ٢٠١٨ ) من قبل مجلس النواب في دورته السابقة ونشر في جريدة الوقائع العراقية بعدد ( ٤٤٨٦ في ٩ / ٤ / ٢٠١٨ ) إلا أن المحكمة الاتحادية سجلت لديها دعوى من قبل رئيس مجلس محافظة ميسان ومحافظ البنك المركزي ضد المدعى عليهم رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء الاتحادي ووزير النفط الاتحادي إضافة لوظائفهم وذلك لعدم دستورية عدد من النصوص الواردة في قانون شركة النفط.

أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها بعدم دستورية عدد من مواد القانون الأمر الذي أدى إلى إيقافه وتأجيله ( قرار المحكمة العدد ٦٦ وموحداتها ٧١و١٥٧و٢٢٤ / اتحادية / إعلام / ٢٠١٨ ) سأتولى ايجازه بعد أن أعرض خلاصة لهذا القانون الذي سيعاد عرضه خلال هذا الفصل الحالي بعد مراجعة قرار المحكمة الاتحادية الملزم من قبل المجلس، ويسعى العراق جاهداً إلى التطلع لجعل شركة النفط الوطنية كشركة أرامكو والشركات العالمية النفطية الكبرى وبعد إقرار هذا القانون ستنضم إلى الشركة الوطنية ( ٩ ) شركات نفطية بإدارات مستقلة عن وزارة النفط.

سوف أعرض خلاصة لمضامين مواد هذا القانون التي بلغت ( ٢٢ مادة و٩٥ فقرة ) ـ تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري وتمارس أعمالها في جميع أراضي جمهورية العراق ومياهه الإقليمية وتهدف الشركة إلى الاستغلال الأمثل للثروة النفطية والغازية وتعتمد الشركة عدداً من الوسائل لتحقيق أهدافها منها إدارة وتطوير وتشغيل الحقول المنتجة والمكتسبة وغير المطورة وإبرام عقود الاستكشافات والإنتاج والتصدير وتطوير عمليات التنقيب والإنتاج والتصدير والنقل والتخزين وإدارة عقود الخدمة التي تم إبرامها في جولات التراخيص وتطوير الجهد الوطني في عمليات الاستخراج والتسويق والصناعة النفطية والغازية وتأسيس شركات مملوكة لها وتمويلها على أساس الجدوى الاقتصادية والمالية والمجتمعية، أما رأس مال الشركة فيتكون من قيمة الموجودات الثابتة ( ٤٠٠ ) مليار دينار عراقي كرأسمال تشغيلي وفتح حسابات لها في البنك المركزي العراقي بالعملة المحلية والعملات الأجنبية ولها حق فتح حسابات في البنوك الأجنبية خارج العراق ولها حق الاقتراض من أي جهة.

أما الهيكل التنظيمي للشركة يتكون من مجلس إدارة ورئيس للشركة ضمن مواصفات محددة ونائبين واختيار ( ٣ ) من رؤساء مجالس إدارة الشركات المملوكة وثلاثة خبراء بدرجات خاصة من المختصين بالصناعة النفطية، كما تناول القانون تشكيلات المرتبطة بمركز الشركة يحددها النظام الداخلي وهي شركة استكشافات واستخراج وإنتاج النفط والغاز وتتفرع منها عدة شركات، ثم يتطرق القانون إلى مهام مجلس إدارة الشركة من بينها المصادقة على الحسابات الختامية والموازنة العامة للشركة الأم ووضع سياسات وبرامج لتطوير البنى التحتية وإقرار الشفافية ومكافحة الفساد ووضع خطط لتشجيع القطاع العراقي، ثم يتناول القانون مهام رئيس الشركة وحقوقها والتزاماتها ومن بين الأحكام العامة والختامية إلغاء قانون تأسيس شركة النفط الوطنية رقم ١٢٣ لسنة ١٩٦٧ وعدة قوانين ذات العلاقة بعمل الشركة وتصدر الشركة نظاماً يحل محل القوانين المستثناة، ولها الحق بإنشاء مجمعات سكنية لسكنى الموظفين وإلزام الشركة بسياسة عدم التمييز الجنسي والطائفي والعرقي والقومي في التوظيف ووضع ضوابط والاستعانة بالاستشاريين والخبراء وشركات استشارية متخصصة في داخل العراق وخارجه وممارسة جميع الصلاحيات والحقوق المخولة للشركة، وتضمن القانون اجتماعات مجلس الشركة وإجراءات الاجتماع وطبيعة القرارات وإلزام الشركة بالسياسة النفطية للدولة وكيفية تسوية الحسابات بين الشركة ووزارة المالية وبشأن أرباح الشركة فتؤول نسبة لا تتجاوز ( ٩٠% ) منها إلى خزينة الدولة وتوزع بقية الأرباح حسب النسب التي وردت في المادة ( ١٣ ) واستثمار حوافز العاملين في الشركة من أحكام قانون رواتب الموظفين القطاع العام رقم ( ٢٢ لسنة ٢٠٠٨ ) كما اعتبر القانون الخدمة في الشركة خدمة تقاعدية اعتباراً من نفاذ القانون وتخضع حسابات الشركة إلى رقابة ديوان الرقابة المالية الاتحادية وهناك تفاصيل كثيرة لا يتسع احتواءها في هذه الدراسة القصيرة وبالإمكان الرجوع إلى القانون للتعرف عليها.

قرار المحكمة الاتحادية العليا

لقد تضمن قرار المحكمة وصفاً دقيقاً لعدم دستورية مواد هذا القانون وفقاً لما عرضه المتحدث الرسمي للمحكمة وخلاصته بالآتي :
١ـ عدم دستورية المادة ٣ من القانون لتعارضها مع أحكام المادتين ١١٢ و١١٤ لأن الطعن يجب أن يكون من الحكومة الاتحادية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط.

٢ ـ إن الفقرتين ثالثاً وخامساً من المادة ٤ من القانون بقدر تعلق الأمر بعملية تسويق النفط هي من مهام وزارة النفط والشركة المرتبطة بها لذلك فإن الفقرتين تتعارض مع نص المادة ١١٢ / أولاً وثانياً من الدستور.

٣ ـ إن نص المادة ٧ أولاً من القانون التي نصت أن رئيس الشركة موظف بدرجة وزير، إن ذلك يتعارض مع المادة ٦٢ ثانياً حيث جاء النص المذكور خلافاً للمشروع الحكومي رغم كونه متضمناً جنبة مالية.

٤ ـ إن الفقرة ثانياً من المادة ٧ تجعل شركة سومو من التشكيلات المرتبطة بمركز الشركة، إن هذا النص يتعارض مع نص المادة ١١٠ أولاً وثانياً من الدستور.

٥ ـ المادة ٨ من القانون التي نصت على مهام مجلس الإدارة تبين أن غالبية هذه المهام من اختصاصات الحكومة الاتحادية مع الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط استناداً إلى المواد ٧٨ و٨٠ و١١٢م من الدستور.

٦ ـ كما أن المادة ١١ من القانون تتعارض مع المواد ٧٨ و٧٠ و١١١ و١١٢ من الدستور التي تتعلق بالاستقطاعات والكلف الاستثمارية والتشغيلية في الحقول المستثمرة وتسوية الحسابات بين الشركة ووزارة النفط.

٧ ـ إن المادة ١٢ من القانون التي بينت الإيرادات المالية للشركة وأرباحها وأوجه توزيعها تتعارض مع المواد ٧٨ و٨٠ / أولاً وثانياً و١٠٦ و١١١ و١١٢ من الدستور.

٨ ـ كما أن المادة ١٦ / أولاً من القانون نصت على استثناء الشركة والشركات المملوكة لها من قوانين الإدارة المالية والشركات والجمارك وإقامة الأجانب وتنفيذ العقود وبيع وإيجار أموال الدولة وهذه الفقرة تتعارض مع المادة ٥ من الدستور التي لا تجوز إلغاء قانون بنظام أو تعليمات.
٩ ـ إن المادة ١٨ من القانون نصت على ( الشركة تساهم في تنمية القطاع الزراعي والصناعي والخدمي وهذه المادة تتعارض مع أحكام المادتين ٧٨ و٨٠ من الدستور.

أما بقية الطعون الواردة في عريضة الدعوى الموحدة فقد ردت لعدم تعارضها مع أحكام الدستور ومع السياسة العامة للدولة.

التوصيات
أولاً ـ يجب إعادة النظر في مواد القانون من قبل مجلس النواب ووزارة النفط والجهات ذات العلاقة لدراسته بمهنية وتنفيذ ما ورد في قرار المحكمة الاتحادية شكلاً ومضموناً.

ثانياً ـ في حالة عدم الأخذ بأية فقرة من قرار المحكمة فيمكن إعادة الطعن بعدم دستورية القانون مرة ثانية فعلى مجلس النواب إلغاء أو تعديل المواد التي اعتبرتها المحكمة غير دستورية استناداً إلى المادة ٩٤ من الدستور ( قرارات المحكمة الاتحادية العليا ملزمة للسلطات كافة ).

ثالثاً ـ ضرورة الاختيار الدقيق لموظفي الشركة ابتداء من المدير ومدراء الأقسام واعضاء مجالس إدارتها ( السمعة والأمانة والتخصص والاستقامة ) وإعادة تقيم أدائهم كلما دعت الحاجة إلى ذلك وإقامة دورات علمية وتقنية بهدف تطوير قدراتهم.

رابعاً ـ إبعاد الأحزاب والتنظيمات والمليشيات من التدخل في شؤون الشركة وبالذات التسويق وعمليات التنقيب بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومحاربة الفساد بكل صوره.

خامساًـ الاهتمام بمديرية حماية المنشآت النفطية التابعة لوزارة الداخلية وانتقاء أفرادها من النخب والمميزين فيها مع الدعم المادي والمعنوي لهذه المديرية.

سادساًـ لا نجد مبرر للإسراع في تشريع هذا القانون في مثل هذه الظروف الحرجة ونأمل ترحيله إلى الدورة البرلمانية القادمة.

سابعاً ـ يجب أن يكون لوسائل الإعلام دوراً ريادياً في شرح مضامين هذا القانون وبيان عيوبه وأن يكون للقنوات الفضائية الدور المميز في استضافة ذوي الاختصاص في توضيح أهمية الثروة النفطية في رفاهية الشعب العراقي بكل أطيافه.

ثامناً ـ يجب وضع أسس وقواعد بشأن توزيع موارد الثروة النفطية والغازية على المحافظات بما يحقق العدالة والإنصاف ومنح الأسبقية للمحافظات المتضررة الذي لحق بها الدمار والخراب نتيجة الحروب والأعمال العدوانية.




الجمعة ١ جمادي الثانية ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / كانون الثاني / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب المستشار سعيد النعمان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.