شبكة ذي قار
عـاجـل










من أين يبدأ الفساد، وكيف؟

(ثقافة الرياء وأنموذج رئيس التحرير)

نبيل الزعبي

 

لم يزل مخضرمي الإعلام الرسمي في أكبر دولة عربية من ناحية السكان، يتذكرون حادثة "تنكيل "رئيس تحرير إحدى الصحف القومية للنظام بأحد محرري صحيفته لمجرد أن الأخير حلم يوماً أنه أصبح رئيساً لتحرير الصحيفة فكان جزاؤه العقوبة القصوى على "حلمٍ "لم يكن من حقه ولو "في المنام ".

قد لا يُخفى العجب أن رئيس التحرير المعني بذلك، متربعُ على عرش "مملكته" الإعلامية لعقودٍ غير محددة من السنين، عاصر خلالها أكثر من رئيس جمهورية في بلده، ولم يكسب رضاهم وحسب، وإنما استطاع أن يكسب رضا كل من عمل تحت أمرتهم على طريقة (أمرك مطاع) وعرف كيف يتلون مع تلون كل سياسة وتبدل التقلبات المتتابعة ،مادحاً ومقرظاً، وعند الضرورة ، ضارباً بسيف اولياء نعمته وهو الحاضر غب الطلب لكل ما يُملى عليه من اوامر وتوجهات .

تراه يوماً مدٌاحاً متخطياً كل حدود التزلف والنفاق، ويوماً تراه شتٌاماً لا يخلو كلامه من إسفاف، وإن سالت عن السبب يأتيك الجواب: فتش عن المصالح وكيف تتبدل.

كما أنه لن يُخفى العجب ايضاً كم عدد الكوادر الاعلامية الموضوعة تحت "عهدته" وبقيت في مواقعها الدنيا وممنوعُ عليها كل تدرُج في الوظيفة لتدفع بها الى واحدة من ثلاث احتمالات مصيرية :

التدجين الكامل وتحويلهم الى "صوت سيده" بكل ما للكلمة من معنى ، وترويج ثقافة الرياء وسيلةً للوصول ،

المعارضة للواقع القائم مع ما يترتب على ذلك من "ضرائب"باهظة مطلوب دفعها ، فلا تبدأ بالصرف من الوظيفة ولا تنتهي بالملاحقات والمضايقات الامنية وغيرها ،

الهجرة الى بلاد الله الواسعة التي فيها من "يقدّر المواهب" ويستفيد منها اعلامياً في حال كون البلد المضيف على عداءٍ او خصامٍ سياسي مع البلد الام ، ليجدالمعني نفسه مع الايام "بوقاً "ممتازاً مسخّراً للتآمر على بلاده متخذاً صفة اللاجئ السياسي في افضل الحالات ، وخائناً في نظر بلده موضوعاً على القائمة السوداء وينتظر يوماً يتخلى فيه مشغليه عنه اذا ما صفيت النوايا بينهم وبين بلاده فيُقدّم "عربون" وفاء على ذمة المصالح الجديدة وينتهي غير مأسوفٍ عليه من كلا الطرفين . رئيس التحرير ، نموذجُ صارخ للفساد عندما يبدأ من الرأس ويستجر معه آفات اخرى قد تكون الخيانة والتآمر احداها من حيث يدري المرتكب او لا يدري وهو يتحول مخدّراً لا همَ له سوى ارضاء ولي نعمته وتنفيذ ما يملي عليه دون تفكُر او تدبُر .

انموذج "رئيس التحرير"،لا يقتصر وجوده في مكان وزمان محددين ، وانما يغزو كل فضاءات الفساد في بلادنا ويتخطى في رمزيته ، الغالبية العظمى ممن يتولّون المسؤوليات القيادية في مجتمعاتنا بحيث قد تراهم في الوزارات والمجالس النيابية والادارات العامة والمؤسسات وكل ما يتحكم في شؤون البلاد والعباد ، ويتميّزون عن غيرهم في القدرة على تجاوز السن القانونية ،نظراً لمواهبهم ، او بزرع اتباع ومحاسيب ترّبوا على ايديهم و رعايتهم ، فيتوزعون في شتى المجالات الحيوية والمصيرية للناس ، ولا عجب حينها ان تجد منهم في المالية العامة والمصارف والقضاء والاعلام والمافيات الكبرى التي تتحكم بالغذاء والدواء والطاقة وتتقن احتكارها او تهريبها وتخزينها ،وتضخُم ثرواتها نتيجة الاثراء غير المشروع ومكافئةً لها من مشغليها في جعلها الواجهة القذرة لاعمالهم وانماء مصالحهم بكل الطرق غير المشروعة .

قد لا يحتمل ما تقدم ،التعميم على كل من يتولى المواقع القيادية والمسؤولة في مجتمعاتنا على غرار موقع "رئيس التحرير "غير ان هؤلاء مطالبين بالتمايز عن غيرهم واخراج انفسهم من حال الصمت على ما يجري تحت ذريعة "ما باليد حيلة" ،وهم قادرون على ذلك اذا ما قرروا تزويد الرأي العام بكل ما يملكون من معلومات مخفية في صدورهم ولا يملكون جرأة اظهارها في العلن ، وكل وسائل الاتصال الحديثة تتيح لهم القيام بذلك هذه الايام ولو بالاسماء المستعارة ورفد الهيئات الحقوقية والشعبية التي تتصدى للفساد ، بكل ما تملك من معطيات ووقائع تفصح المرتكبين ،اقله ،امام الرأي العام بداية ً، في سبيل تشكيل اوسع جبهة معارضة نحو للتغيير الحقيقي في البلد والوقوف سداً منيعاً امام اي من النماذج الشبيهة ب"رئيس التحرير " كي لا يبقى متربعاً على فساده ويجد من يبخّر له ويقول (كرمى لِعَيْنَي رئيس التحرير ).






الثلاثاء ١٨ محرم ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أب / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.