شبكة ذي قار
عـاجـل










 بين ثقافة القطيع ونظرية "ماعز يهوذا"

متى يُدَق المسمار الأخير في نعش النظام

نبيل الزعبي

 

على ايقاع الاتهامات المتبادلة بين أطراف المنظومة الحاكمة وتخوين الطرف الواحد منها للآخر ، لم يعد يفاجئنا هذا الكم من الفضائح التي تتكشف على الملأ كل يوم، حتى لتخال نفسك أنك تعيش في غابةٍ  من العصابات المافياوية المنظمة، قوامها وحوشُّ بشرية لا تمت إلى الأخلاق والإنسانية بأية صلة، تتاجر بكتب الأديان السماوية وتجيِّر ذلك لتكريس فسادها الذي لا يميّز بين القوانين والخروج عليها، وجلّ ما ينزعون إليه هو تكبير أحجامهم وتوسيع  حظائرهم الطائفية وتحويل اللبنانيين إلى قرابين جاهزة يُضَحُّون بها كلما دعت المصلحة التي تقرُّها الحظيرة وتتوافق عليها باقي الحظائر .

أيّ نوعٍ من اللصوصية تلك الخبرية التي تتحدث عن أجهزة استماع يضعها رئيس سابق للجمهورية في مكتبه وهو يستقبل رئيس حكومته كي ينقل بالصوت ما يجري بينهما إلى من يتنصت عليهما في غرفةٍ أخرى، وفي أية خانة من عدم الأخلاق ما جرى، سوى الحضيض!

هو الحضيض الأخلاقي والسياسي المرادف لجهنّم الاقتصادي والاجتماعي الذي زُجَّ في أتونها اللبنانيون وباتوا أقرب إلى العيش في مجارير الفساد التي تتحكم بها سيول المنظومة بوحولها وبقايا نتانتها حيث لا عجب أن يتبرأ الوزراء المعنيين، من مسؤوليتهم عن إغراق الأوتوستراد اللبناني بشلّالات المياه الهادرة كلّما أمطرت السماء متخذين من لون المياه الموحلة ذريعةً لرمي المسؤولية على بعضهم البعض وكلهم في التقصير سواء وحوّلوا حياتنا الى طين ووحول، غير أنها تتمايز عن وحول البلديات، بكونها ممزوجةً بشتى ألوان العذاب والقهر والمعاناة .

هي المنظومة المتكاملة في عهرها وفسادها، المتوزعة الأدوار بين موالاة ومعارضة، تثرى الأولى على حساب الرشاوى والخوّات، وتدافع الأخرى عنها مسميةً الرشى إكراميات، والخوّة هدايا، بينما القضاء تحول إلى مطيّة يتقاذفها الطرفان، بعضه (أي القضاء) عازم عن انهاء اعتكافه مطلع العام المقبل، والبعض الآخر المطالب بتحسين معيشته مهددّ بإحالته إلى مجلس القضاء!!

ومع ذلك، تَرانا في وحول شتوة اليوم قبل الأخير من شهر تشرين ثاني المنصرم، نرى ما هو أنظف من كل ما يلتصق بسمعة المنظومة مجتمعة، فلا تستثني فيها من يستحق، في بلدٍ، ما عاد العهر فيه رذيلة، ولا القوادة قمة العيب، امام هذا الدرك القاتل من الانحطاط الاخلاقي المنظّم والموت المتدرّج للقيَم.

هل هو النظام الذي يُحتَضَر وقد فقد كل مقومات بناء الدولة، ام هي المنظومة المتمادية في انحدارها وتزيد من مشروعية قرب فنائها كلما استشعرت بقوتها المجردّة من كل نوازع الانسانية والاخلاق،

ام ان العلّة تكمن في شعبنا الذي اعاد تجديد الثقة بممثليه الفاسدين داخل الندوة البرلمانية وجعلهم يتفاخرون بعديد نواب كتلهم، مما جعل المنظومة لا توفر جهداً لتدجينه وتطويعه ومسخ ما أمكن لديها من شرائحه الى ما اُصطُلِح على تسميته ب "ماعز يهوذا "،

ولا عجب في هذه التسمية عندما نعلم ان بعض "المسالخ" تمتلك ماعزًا يسمى "ماعز يهوذا "وهو مدرَّب ليقود المواشي بهدوء الى المذبح حيث يرونه ويثقون به ويتبعونه معتقدين انه يعرف طريق الخروج لكنه يقودهم الى الموت.

لقد كانت هذه النظرية من أكثر ما استوقفني مؤخراً من مطالعات، كمصطلح يعود منشؤه الى الولايات المتحدة الاميركية، حيث يتم تداوله منذ زمن بعيد في بلاد العم سام، بين القوتين الحزبيتين الاساسيتين داخل المجتمع الاميركي:

-لدى الحزب الديموقراطي وهو يتوجه عموماً نحو الشباب محدودي الثقافة والمعرفة، غير المتعلمين التعليم العالي وجلّهم من فئات مفككة داخل المجتمع الاميركي والكثير منهم من الأقليات..

-أما القطيع الآخر لدى الجمهوريين، فقوامهم من الطبقة المتوسطة والمهنيين والعمال المدربين، ولكن المتشددين وطنياً ودينياً!!!

هكذا تُستَنسَخ نظرية "ماعز يهوذا "وتُطَبّق في أكثر مكان من العالم، كما هو حال اللبنانيين المنضوين داخل قطعان الطوائف والمذاهب ايها السادة.

هي النظرية التي يتدرّب عليها شعبنا المخدّر كي يتأقلم وجرثومة الطائفة التي تفتك به يوماً بعد يوم وهو يرى بأم عينيه كيف تتبخّر مدّخراته وجنى عمره، ضائعاً بين جيوش المحلّلين الاقتصاديين الذين يُشبِعونه طحناً في تنظيراتهم ولا يرى العجين سوى سراباً، وتراه عاجزاً عن الحصول على حبة دواء ويستحيل عليه دخول المستشفى، استحالة ابنائه الحصول على وجبة غذاء ولو لمرّة واحدة في اليوم،

ومنهم من يفتش عنها في قمامة الميسورين وحديثي النعمة، التجار الكبار وتايكونات المال المتلاعبين بالعملة الوطنية وقوت الشعب وغذائه ودوائه، وبات الشارع ملاذاً للجريمة والقتل في وضح النهار بقصد السرقة وسلب الناس وتصفية الحسابات الشخصية، ومن لم يمت بذلك، قضى على نفسه انتحاراً متهربّاً من عناء حياة لم يعد يجد فيها ما يستحق العيش دون كرامة ٍأو شرف.






الجمعة ١٥ جمادي الاولى ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / كانون الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.