شبكة ذي قار
عـاجـل










١٧-٣٠ تموز، العلامة العراقية الفارقة في تاريخ العرب الحديث.

نبيل الزعبي

 

لا يعدو السابع عشر من تموز بالنسبة للعالم، ان يكون يوماً عادياً في التسلسل الزمني على قائمة الايام والاشهر والسنين، باستثناء العراق، الذي سيبقى هذا التاريخ، والى الابد، المحطة المفصلية الابرز في التاريخ الحديث لبلد نبوخذ نصر وابي جعفر المنصور وهارون الرشيد والتاريخ الجديد المُشرِق المنبعث على ايدي من حملوا الرسالة الخالدة لعروبتهم نبراساً اعادوا العراق الى سنوات المجد التليد بعد قرونٍ عديدة من التبعية والانغلاق والقرار المُستَلَب، المرهون للخارج.

لقد شكلت ثورة البعثيين يوم ١٧-٣٠ تموز من العام ١٩٦٨ في العراق واحدة من اهم معالم التغيير الحضاري الحقيقي لهذا القطر العربي العريق الذي ، لطالما كان التوق اليه حُلُماً عربياً جميلا لكل الناطقين بالضاد ومن اثقلته تقسيمات سايكس - بيكو القطرية التي منعت  العربي من التطلُع الى اخيه العربي ، سوى  خارج الحدود المصطنعة التي عزلت الاقطار عن بعضها البعض ورسمت خطوطاً حمراء امام اي تقاربٍ مستقبلي فيما بينها ، سيّما ما يتعلق بالقرار السياسي المستقل ، خارج إطار التبعية ، او مجرّد التفكير بالوحدة المشتركة والعدالة الاجتماعية .

 لقد جاءت ثورة ١٧-٣٠ تموز لتفتح ابواب العراق للعرب ، كل العرب ، وهي التي بدأت اولى خطواتها الجديدة بتحرير نفط العراق وتحقيق شعار : بترول العرب للعرب ، بعد ان كانت باكورة انجازاتها تطهير هذا القطر من شبكات الجاسوسية التي كانت تتغلغل في مفاصل ومقدرات العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ثمّ ، وانطلاقاً من فهم " البعث "الحضاري والانساني للقومية العربية وحق القوميات الاخرى في التعبير عن وجودها وخاصياتها الذاتية ، كان بيان الحادي عشر من آذار للعام ١٩٧٠ ولم يكن قد مرّت حتى السنتين على تسلم الحزب للسلطة ، الذي انهى سنوات الاقتتال الداخلي   .

ولتبدأ ايضاً ثورة العلم على الجهل ومحو الامية التي اكتسب فيها العراق احترام وتقدير العالم اجمع لبلد، كان شبه الوحيد على هذه المعمورة، يقضي على الامية ويتسلح بالمعرفة والعلم سبيلاً للمجد والتواصل الحر بين الدول ذات السيادة والمقدرة الذاتية.

من كان ليصدّق ان العراق قبل ١٧-٣٠ تموز ١٩٦٨ كان مرهوناً لشركات النفط الاجنبية التي كانت تستأثر بكل ايرادات النفط العراقي بما في ذلك نسبة الخمسة بالمئة الى اسرة "غولبنكيان"  ، حيث لم يكن من مداخيل لهذا البلد سوى ما" تتحنَّن" عليه الشركات من مساعدات مقطوعة على حساب اراضيه الشاسعة ، البور ، التي لم تكن تنفع فيها الفلاحة والزراعة بسبب الاهمال المزمن ، الى الصناعة المعدومة جرّاء سياسة الاعتماد على ما تصدّره دول الشركات ، خاصة ً بريطانيا ،من منتجات .

جاءت ثورة السابع عشر من تموز وتحرير العراق لنفطه في العام ١٩٧٢ ، لتقترن مهمة تكريس السيادة  والقرار الحر ، بثورة الحياة على الموت التي شهدتها تربة العراق المُهمَلة التي استقدم العراق لها مئات آلاف العائلات من مصر الكنانة والمغرب العربي محققاً ، الى جانب هذه الوحدة الاشتراكية العربية ، واحدةً من اهم الانجازات الثورية الزراعية في تاريخ العراق لتُستَكمَل بثورة صناعية مترافقة مع محو الامية وبناء صروح التعليم المهني والجامعي من معاهد وجامعات  فتحت ابوابها للعرب كما كانت لكل العراقيين ، ولينعكس ذلك على امتلاك قدرة التصنيع المتوسط والخفيف والاعتماد على الذات في نواحي القدرة العسكرية وبناء الجيش المقتدر المهاب الجانح ، عقائدياً وانتماءً للعراق القوي الحر  المستقل الموحد . هذا الجيش الذي حمى دمشق من السقوط في العام ١٩٧٣ بمشاركته المميزة في حرب تشرين على الجبهتين المصرية والسورية ، وارسل المساعدات للّبنانيين دون حساب بقدر ما قدّمه من دعمٍ غير منظور لأشقائه في الاردن وموريتانيا واقطار المغرب العربي ، حتى في ذروة الحصار الاقتصادي الجائر عليه وتخصيصه الاشقاء العرب في الاستفادة من اتفاقية " النفط مقابل الغذاء "وهو الذي منع تقسيم السودان واسهم في تحقيق الوحدة اليمنية - اليمنية واقتسم رغيف الخبز مع الشعب الفلسطيني في اقسى الظروف واصعبها  بعد ان جعل فلسطين نصب بوصلته للتحرير ضد الكيان الصهيوني المغتصب الذي لم ينسَ حتى اليوم مرارة صواريخ السكود العراقية التسعة وثلاثين التي لم يفعلها حاكم عربي قبل وبعد الشهيد ، خالد الذِكر ، صدام حسين .

لقد جاء في الأحاديث المنسوبة إلى النبي العربي خير البشرية، عليه الصلاة والسلام: إذا ذُلّ العرب، ذُلّ الإسلام..

ومما قاله الشهيد صدام حسين يوماً: "إذا ذُلّ العراق، ذُلّ العرب ".

هو العراق الذي وصفه الخليفة الراشدي عمر ابن الخطاب ب" جمجمة العرب "،  ولن يكون سوى ذلك واكثر تصميماً عليه بعد السنوات العشرين التي مضت على غزوه واحتلاله بهدف انهاء الدور التاريخي الحضاري العربي لثورة ١٧- ٣٠ تموز  الباقية في ذاكرة العراقيين ووجدانهم ، متجذرةً في شخصيتهم وسلوكهم الذي يأبى الاستلاب والهوان ، وستثبت الايام حدوث ما لم يحسب له العملاء والقوى الطامعة في العراق ، ان العراق الجديد القادم ، الواحد ، الحر المستقل الارادة والقرار ، هو عراق الاحرار الذي يأبى الذل ، وفي عزته ، عزة العرب والاسلام وكل قوى التحرر والحرية في العالم .






الخميس ٩ محرم ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / تمــوز / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.