شبكة ذي قار
عـاجـل










 

مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات في العراق

دليل عزلة النظام السياسي الشعبية

 

أحمد أبو داود

 

يحتل نموذج الإدارة اللامركزية  اهمية في بعض النظم السياسية الديمقراطية في العالم، لكن النموذج الذي طبق في العراق منذ ما يسمى بانتخابات ٢٠٠٦ و٢٠١٣ تعرض للتشويه الفاضح والانتهاك الصارخ ، شانه شأن اي ممارسة سياسية اخرى جرت في البلاد منذ احتلاله سنة 2003. حيث شهدت تجربة المجالس المحلية في العراق فشلاً ذريعاً بسبب عدم الاهتمام بقضايا الناس الاساسية المشروعة. وكل ذلك بسبب ظاهرة الفساد المالي والمحاصصة الطائفية والمحسوبية العائلية والعشائرية واهمال قضايا الشعب الاقتصادية والمجتمعية خصوصا في مجال قطاع الخدمات. اضافة الى ارتفاغ معدلات الفقر والتخلف والبطالة وانتشار الأوبئة بجانب العديد من المشكلات الاجتماعية مما دفع منظمات المجتمع المدني وكافة شباب العراق خاصة في الجنوب والوسط وبغداد وغيرها من المحافظات للاحتجاج والثورة العارمة عبر تظاهرات سلمية والمطالبة بحل المجالس البلدية.

واليوم تحاول القوى السياسية المسؤولة عن كل تلك الاهوال إعادة تشكيل المجالس المحلية وبنفس الأدوات التي قادت النظام السياسي في العراق بعد الاحتلال الامريكي الايراني، الى الفشل الامني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، بغية التمهيد للاستحواذ على الأغلبية في الانتخابات التشريعية القادمة.

مجالس المحافظات مجدداً.. وحتمية تكرار الفشل

لقد جرت قبل يومين انتخابات مجالس المحافظات وسط محاذير سياسية ومقاطعة واسعة وسخط شعبي كبير، وكما تم توقعه فقد كانت نسبة المشاركة قليلة بعد انسحاب حتى القطاعات السياسية التي تعد من أكبر أطراف العملية السياسية البائسة في العراق،  مما يرجح تكرار المجالس لتجربتها الفاشلة وذلك لعدة اسباب اهمها فساد الاسس التي تقوم عليها العملية السياسية الاحتلالية وكذلك قانون الانتخابات الذي اعتمد وجود الأحزاب نفسها التي جاء بها المحتل الامريكي والايراني والتي تتسبب في كل المآسي التي يعانيها العراق وشعبه الأبي.

وفي العديد من دول العالم فإن مجالس المحافظات تعد بنية مؤسسية دستورية تشكل قاعدة أساسية للنظام البرلماني الديمقراطي بجانب كونها مؤسسة حيوية للإدارة اللامركزية في تلك الدول. لذا تشكل تلك  المجالس بمجموعها مؤسسة حيوية لتعزيز فرص التشريع المحلي ضمن إطار خصوصية المحافظات واحتياجاتها الاجتماعية والسياسية بجانب دورها الوظيفي المهم في الرقابة على المؤسسات المختلفة في المحافظات لحماية حقوق المواطنين إضافة إلى توفير الخدمات من المستشفيات والطرق والمدارس. ومن هنا فان دورها في تلك الانظمة والمجتمعات المتطورة يضمن تطوير فرص الإدارة اللامركزية في التشريع للسياسات، وممارسة الرقابة على الإدارة والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي لتقديم الخدمات المجتمعية.

 لكن هذا النموذج الذي تمارس فيه الديمقراطية المؤسسية في الدول المتطورة، سيطرت عليه في العراق الأحزاب السياسية التي هيمنت واحتكرت السلطة منذ الاحتلال حتى الآن وفق قواعد ابعد ما تكون عن الديمقراطية، بل تتمثل بالمحاصصة الطائفية والسياسية واعتبار السلطة غنيمة عبر الاستحواذ على الثروات.

 لذا فإنه مما لاشك فيه هو أن تذهب مجالس المحافظات مرة أخرى نحو القواعد والأسس التي تبنتها الأحزاب الحاكمة التي اوجدها المحتل باعتبار ان ممثلي هذه السلطات المحلية هم حكراً على عوائل وعشائر نافذة تابعة لتلك الاحزاب وليسوا منتخبين على أساس الكفاءة والنزاهة والقدرة على إدارة موارد البلاد.

 

انتخابات مجالس المحافظات التفاف على إرادة وتضحيات شباب تشرين

يعد فشل الأحزاب الطائفية أمراً محتوماً لا لأنها تشكل الاساس العقائدي لتقسيم العراق وتفتيت المجتمع وحسب، وإنما مضافا إلى ذلك، لأنها لم تقدم مناهج اجتماعية واقتصادية وسياسية تخدم العراق والعراقيين لكونها تفتقر للاهتمام بمشاكل وقضايا المواطنين كالفقر والامية والتخلف والبطالة وشيوع المدن العشوائية وغيرها من الكوارث الاجتماعية. فاهتمت الأحزاب الدعوية بمصالحها الذاتية والشخصية، للاستحواذ على المال والنفوذ، وهيمنت أحزاب الأغلبية المذهبية وساد انعدام التنوع الفكري والمنهجي في الحياة العامة مما خلق العديد من الاخفاقات والمشكلات الفكرية والاستراتيجية البنيوية التي لا مجال لتعدادها في هذا المقال.

لقد فشل نموذج المجالس المحلية في العراق فشلا ذريعاً، بسبب الفساد المالي والمحسوبية والعلاقات العشائرية وعدم وجود ثقافة سياسية في مجال الإدارة الذاتية مما دفع شباب العراق للانتفاضة في محافظات الجنوب والوسط وغيرها للمطالبة بحل تلك المجالس ومحاسبة المسؤولين.

 ويتخوف المواطنون اليوم من تكرار نفس الممارسات والكوارث مما دفع لعزوف الاغلبية الساحقة من ابناء الشعب العراقي الأبي عن المشاركة في الانتخابات المزعومة. باعتبار، ان الذهاب الى صناديق انتخابات تلك المجالس ، واضافة الى ما تم ذكره اعلاه ،  هو دعم للمليشيات التي ساهمت بقتل شباب العراق، ثوار تشرين حيث كان من اهم منجزات تلك الثورة هو الغاء مجالس المحافظات، لذا فان انتخاب تلك المجالس هو طعنة غادرة في ظهر الثورة والثوار .

 

سيادة الصراعات والانتهاكات لقواعد النزاهة والشفافية والرقابة على الانتخابات

ولتتويج الفشل وتعزيزه فان الانتخابات جرت في ظل استمرار الصراعات السياسية العلنية منها والخفية على المصالح والنفوذ واستمرار محاولات شراء الأصوات واستخدام الضغوط  الغير مشروعة على الناخبين وغيرها من الانتهاكات الصارخة البعيدة كل البعد عن الممارسات "الديموقراطية" المزعومة،  تلك الانتهاكات التي سبق ان أشار اليها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان غوبيتش امام مجلس الامن الدولي عام ٢٠١٨ اضافة الى الاتهامات المدعومة بالادلة والبراهين لانتخابات ٢٠١٩م التشريعية، من دون ان تفضي كل الاحتجاجات والادلة واثبات التزوير الى اية نتيجة تُذكر ، مما رسخ قناعة الشعب العراقي الابي بالفساد المتأصل في ما يسمى بالعملية السياسية وان لا حل إلا بإسقاطها.

 

الاجماع على استمرار الفساد المالي والسياسي

إن ٨٠٪ من اتجاهات الرأي العام، تؤكد بان مجالس المحافظات ستعيد انتاج نفس الظواهر الخطيرة المتمثلة باستمرار الفساد السياسي والمالي لان الأحزاب العميلة التي جاء بها المحتل والتي قادت التجربة السابقة الى الفشل هي ذاتها التي ستقود المجالس المحلية للمحافظات، لأن هذه الأحزاب الدعوية لا تمتلك مناهج واستراتيجيات اقتصادية، ولا زراعية او صناعية. وحتى اقتصاد الخدمات تعرض للفشل بسبب سرقة وتبذير ترليون دولار كان بالإمكان استخدامها في بناء قطاعات خدمية متطورة لـ ٣٠ مليون مواطن عراقي، وتتحمل الأحزاب التي استحوذت على السلطة منذ ٢٠٠٣م المسؤولية عن نهب موارد العراق والفشل الذريع البنيوي والوظيفي للنظام.

إن مقاطعة الانتخابات العامة بنسبة تتجاوز ٨٠٪ من الناخبين تؤكد القناعة الراسخة لدى الأوساط الشعبية في العراق بالفشل السياسي والاقتصادي للأحزاب السياسية الدعوية التي جاء بها المحتل الامريكي والايراني و التي احتكرت السلطة منذ سنة 2003، والتي اضافة الى تبعيتها للاجنبي المحتل وتنفيذها لكل اجنداته حيث انها لم تقدم الحد الادنى من الخدمات التي تضمن الامن والاستقرار او تراعي مصالح الشعب العراقي عموماً و الطبقات الشعبية خصوصاً فارتفعت معدلات الفقر بشكل غير مسبوق في تاريخ العراق المعاصر، وساد التخلف في اغلب مناحي الحياة،  وعمّ البؤس وانعدام الامل باي فرصة للتغير والتجديد نتيجة لاستمرار المناهج المتخلفة في إدارة الاقتصاد وهيمنة مافيات الجريمة المنظمة والسلاح المنفلت الذي يفتك بالعراقيين ويستبيح دماءهم ويضرب عرض الحائط بأمنهم وأمانهم .

 

 






الاربعاء ٧ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.