شبكة ذي قار
عـاجـل










محطات فـي ذاكرة سفير عراقي

أحمد صبري

 

 

لَمْ يكُنْ سفيرًا عاديًّا نهض بِدَوْر تمثيل بلاده في عددٍ من السَّاحات على مدى (44) عامًا قضاها السَّفير عوض فخري في مركز وزارة الخارجيَّة، وسفيرًا للعراق في عددٍ من ساحات الحدَث عربيًّا ودوليًّا، وإنَّما كان شاهدًا على أحداث ومنعطفات وتحدِّيات عاشها العراق واحتفظ بحُلْوِها ومُرِّها في تضاريس ذاكرته الَّتي لَمْ تنَلْ مِنْها سنوات العمر واستحقاقاتها، فتحوَّل إلى ذاكرة حيَّة أسعفته في تدوين أبرز محطَّات عمره الوظيفي وحتَّى الشَّخصي.

وجال السَّفير عوض فخري على أبرز محطَّات عمله، وكان في قلْب الحدَث، وشاهدًا على أسراره وخفاياه، وكرَّس جهده وخبرته وفِطنته السِّياسيَّة للدِّفاع عن العراق وحقوقه المشروعة في القضايا الخلافيَّة مع بعض جيرانه بالحوار الهادئ لخفضِ منسوب تصاعد الخلاف وتراكم مدَياته. والسَّفير عوض فخري شخصيَّة تتمتَّع بذاكرة حيَّة، يُجيد سرْدَ تفاصيل الأحداث بدقَّة متناهية، ويحتفظ في ذاكرته خفايا أحداث خطيرة مرَّ بِها العراق، لا سِيَّما مسار العلاقة مع إيران في سبعينيَّات القرن الماضي تُوِّجت باتِّفاق تاريخي كان للجزائر دَوْر كبير في إبرامه مع إيران بواسطة الرئيس الراحل هواري بومدين.

ويتوقف فخري عِند تلك المحطَّة بالقول: بعد أن وصلت المباحثات السرِّيَّة بَيْنَ العراق وإيران إلى مستوى الإعلان عن الاتِّفاق ومكانه، اقترحت إيران لقاء شاه إيران مع الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر في جنيف، إلَّا أنَّ الاتِّجاه كان الجزائر مكانًا للقاء شاه إيران محد رضا بهلوي والنَّائب صدام حسين، والسَّبب أنَّ زعيمَي البلدَيْنِ سيحضران مؤتمر منظَّمة الأوبك في طهران.

ويصف لحظات توقيع اتِّفاق الجزائر في السَّادس من آذار ـ مارس 1975 بَيْنَ العراق وإيران بأنَّها كانت لحظة تاريخيَّة ومرحلة فاصلة في علاقة البَلدَيْنِ. وعن تلك اللحظة يروي السَّفير «نهض صدام من مكانه ومشَى بخطًى ثابتة وواثقة لِيلتقيَ الشَّاه عِند منتصف الطريق المُخصَّص للقاء، وكان باستقبالهما الرئيس الجزائري هواري بومدين».

لقَدْ ترَك السَّفير عوض فخري بصمةً يُشار لها بالبنان في المواقع الَّتي شغلها في عدَّة بُلدان عربيَّة وأجنبيَّة كانت محطَّ تقدير من مرؤوسيه، وحاول أن يجمعَ مخرجات أبرز محطَّات مَسيرته، كما يصفُها بأنَّها مسرح الحياة شاءت الأقدار أن يخرجَ من بَيْنِ صفوف المتفرِّجين في ذلك المسرح؛ لكَيْ يقفَ على خشبته وصفَها بأنَّها أوراق وليست مجموعة قصص، بل هي واقع صادفها في حياته، عادًّا حياة الدبلوماسي أنَّها ليست لهْوًا، وإنَّما حياة مليئة بالأشواك والتحدِّيات والمفاجآت.

ويمتاز السَّفير عوض فخري بأريحيَّة واضحة، وخبرة في قواعد العمل الدبلوماسي نالت إعجاب وتقدير مَن عمل معهم، لا سِيَّما في الدَّائرة القانونيَّة في وزارة الخارجيَّة، وعاصَر العديد من وزراء الخارجيَّة الَّتي عمل معهم داخل العراق وخارجه. ويتوقف السَّفير المتقاعد عوض فخري عِند أسرار تبادل أسرى الحرب العراقيَّة الإيرانيَّة الَّتي تمَّت في آب ـ أغسطس عام 1988 وصفَها بأنَّها كانت واحدة من أنجح وأكبر صفقات تبادل الأسرى بالمنطقة الَّتي بلغت نَحْوَ (150) ألفَ أسيرٍ من كلا البَلدَيْنِ، فيما خصَّص جزءًا من روايته للأحداث الَّتي صادَفتْه على مدى العقود الأربعة الَّتي عاشها في السِّلك الدبلوماسي، لا سِيَّما أحداث الاجتياح العراقي للكويت في الثاني من آب 1990، وما تلاها من حرب وحصار، وصولًا إلى احتلال العراق عام 2003، واصفًا تداعياتها على العراق والمنطقة عمومًا بأنَّها كانت كارثيَّة على الرغم من أنَّ العراق حاول تفادي ارتداداتها بالحوار والمبادرات والاستجابة لمتطلَّباتها، إلَّا أنَّ قرار غزو العراق واحتلاله كان قَدِ اتُّخذ من قِبل إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن الَّتي أثبتت وكشفت الوقائع أنَّ العراق خالٍ من أسلحة الدَّمار الشَّامل وليس له علاقة بتنظيم القاعدة، ولَمْ يهدِّد الأمن القومي الأميركي وهي الَّتي كانت المزاعم الَّتي استند إِلَيْها بوش في تبرير حربه على العراق أثبتت الوقائع بطلانها.






الثلاثاء ١٠ شعبــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / شبــاط / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أحمد صبري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.