شبكة ذي قار
عـاجـل










لن يصعب على إيران القول انها ليست على صلةٍ بالمجموعات التخريبية التي تم وقفها مؤخراً في البحرين.

 

وقد تعثر أو لا تعثر السلطات الأمنية البحرينية على أدلةٍ تؤكد المخاوفَ من وجودِ صلاتٍ بين هذه المجموعات وبعضِ "المرجعيات" في إيران. ولكن ثمة ما لا يمكن لإيران أن تنكره.


فهناك، أولاً، المشروع الطائفي الذي تقوده إيران في المنطقة. وهو أشهرُ من نارٍ على علم. ودلالته انه مشروعُ انقساماتٍ اجتماعية يسعى لتوظيف المذهب لخدمة أغراضٍ سياسية. وهذا بطنٌ رخوٌ، ليس لانه يُخلّف آثاراً تخريبيةً على العلاقات الاجتماعية، وليس لأنه يُسيّسُ هذه العلاقات فحسب، بل لانه يؤسسُ لدمار اجتماعي وسياسي أشمل: نقضُ عقد المواطنة وإعادة تأسيسه على مقوماتٍ تجعل من التمايز المذهبي معياراً جديدا للعلاقة بالدولة.


ومن وجهة نظر هذا المشروع، فان الدولةَ التي لا تُمثل هذا التمايز، أو التي لا تقبل بشروطه، أو التي لا تستجيب لمعاييره ومطالباته، فانها سرعان ما تكون مرفوضةً لتظلَّ، في نظر ذلك الجزء من المجتمع، مؤسسةً ناقصةَ الشرعية، تَسهلُ مُعاداتها، كما تَسهلُ الأعمالُ المناوئة لاستقرارها.


وهناك، ثانياً، ما تعتبره إيران "مكانتها" بين الشيعة في العالم. وهذه المكانةُ المزعومةُ تحاول أن تُعطي إيرانَ ما لا تستحقُ الحصولَ عليه. فالمرجعية "المذهبية" الأمّ تعود الى النجف. اما المرجعية "السياسية" فانها إشكاليةٌ بسبب من طبيعتها بالذات. فإيران لا تستطيع أن تكون ممثلا "سياسيا" لمجموعات سكانية لم تفك عقد مواطنتها وانتمائها لبلدانها. كما انها لا تستطيع أن تُضفي على تلك "المجموعات" ما لا تنظرُ الى نفسها من خلاله.


والحال، فان "تمثيلا" كهذا لم يطلبه أحد، ولم يعترف به أحد لا في افغانستان ولا في باكستان ولا في العراق ولا في لبنان ولا في أي مكان آخر توجد فيه "أقلية شيعية".


وهناك ثالثا، الكارثةُ الطائفيةُ في العراق التي تقودها جماعات ومليشيات لا تُخفي صلاتها وروابطها "الروحية" بإيران. وهذه الجماعات تبدو وكأنها رأس الحربة في المشروع الطائفي الإيراني في المنطقة ككل. وقد أظهرت السنواتُ السبعُ العجاف المنصرمة كم سالت على هذه الحربة من دماء الأبرياء.


ولكن الدلالةَ التي لا يرقى اليها الشك هي أن إيران التي تعتبر العراق مرتكزها الطائفي الأهم كانت طرفا فعليا في أعمال القتل والتصفيات التي طالت مئات الآلاف من البشر، تارة بدوافع انتقامية من مؤيدي النظام السابق، وتارة بدوافع محض طائفية تقوم على كراهية السنة، وذلك لمجرد أنها (أو المرتبطين بها) نظرت اليهم على أنهم "ذوو غلبة" و"سلطة" في العراق.


نعم، تستطيع إيران أن تتبرأ من أية أعمال يقومُ بها شذاذُ آفاقٍ طائفيون هنا أو هناك، إلا أنها لا تستطيع أن تتبرأ من حقيقة أن مشروعها الطائفي يشكلُ مصدرَ التغذية الرئيسي لأعمال التخريب التي تُرتكب لزعزعة الاستقرار الاجتماعي لدول المنطقة.


نعم، فان الأجهزةَ الأمنية في البحرين أو غيرها من دول المنطقة قد تعثرُ أو لا تعثر على أدلةٍ تثبتُ تورط "مرجعيات" إيرانية في أعمال التحريض على العنف، ولكن الدور الذي تؤديه هذه "المرجعيات" لن يصعب العثور على أدلته في أجساد مئات الآلاف ممن سقطوا ضحية أعمال القتلِ على الهوية في العراق، كما لن يصعب العثور عليه في عمليات "الهندسة الديمغرافية" التي قادتها مليشيات المشروع الطائفي والتي أدت الى تهجير 5 ملايين إنسان، لكي يضمن أصحاب المشروع سبيلا يجعل من "الديمقراطية" جزءا "المرجعية" ولعبةً من ألعابها الخاصة بتكديس الجثث.


وقد تكون الديمقراطيةُ أداةً من أدوات عقد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في بعض الأحوال، إلا انها بوسائل "التطهير المذهبي" التي برهنت الجماعات الموالية لطهران جدارتها بها، قد أصبحت للمرة الأولى وجهاً آخر من وجوه التخريب، ودافعاً لواحدٍ من أسوأ أشكال الوحشية والعنف.


وكلُّ هذا "سحرٌ". ولكن ألا يجدرُ بالساحر الذي يحكم بلاداً فيها ما فيها من الأقليات العرقية والدينية والمذهبية، أن يخشى إنقلابَ سحره عليه؟
والسؤال الجديرُ بالاعتبار هو: إذا كانت إيران تتخذُ من المشروع الطائفي وسيلةً لزعزعة إستقرار الجوار، فلماذا لا يكون هو الآخر مشروعاً لزعزعة إستقرار إيران أيضا؟


أليس من المعقول أن يلعب الجميعُ في ملعبٍ واحدٍ، وعلى أرضٍ تستوي بالمنطلقات ذاتها لمرجعياتِ تخريبٍ وإنشقاق متماثلة؟
ولو كانت الكلفةُ التي دفعها العراقيون، بموجب المشروع الطائفي الإيراني، جديرةً بالتمّثّل في إيران نفسها، فكم كان يجب أن يكون فيها من القتلى ومن المهجرين؟
لقد تمت التضحية باستقرار وحياة نحو 20% من سكان العراق، على نحو مباشر، من مجموع 28 مليون نسمة.


فكم تساوي 20% من مجموع السكان في إيران؟
سؤال، مجرد سؤال، لقومٍ قد يعقلون وقد لا يعقلون.
 

 





الاربعاء٢٢ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب علي الصراف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.