شبكة ذي قار
عـاجـل










 

محاضرة وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق (آفي ديختر) حول الدور الإسرائيلي في العراق: لقد حققنا في العراق أكثر مما خططنا وتوقعنا

 

*(إنّ تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية تشكل أهمية استراتيجية للأمن الصهيوني).

*(إن العراق تلاشى كقوة عسكرية وكبلد متحد، وخيارنا الاستراتيجي بقاءه مجزءاً)..

*((ما زال هدفنا الإستراتيجى هو عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربى واقليمى).

*(ذروة اهداف اسرائيل هو دعم الاكراد بالسلاح والتدريب والشراكة الامنية من اجل تاسيس دولة كردية مستقلة فى شمال العراق تسيطر على نفط كركوك وكردستان).

*(ان تحليلنا النهائى و خيارانا الاستراتيجى هو أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية).

 

* نص المحاضرة :

 

((ليس بوسع أحد أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف على هذه الساحة بل وأكثر مما خططنا له وأعددنا فى هذا الخصوص . يجب استحضار ما كنا نريد أن نفعله وننجزه فى العراق منذ بداية تدخلنا فى الوضع العراقى منذ بداية عقد السبعينات من القرن العشرين، جل وذروة هذه الأهداف هو دعم الأكراد لكونهم جماعة أثنية مضطهدة من حقها أن تقرر مصيرها بالتمتع بالحرية شأنها شأن أى شعب.

 

فى البداية كان المخططون فى الدولة وعلى رأسهم " أورى ليبرانى " المستشار الأسبق لرئيس الوزراء ثم سفيرنا فى تركيا وأثيوبيا وإيران قد حدد إطار وفحوى الدعم الإسرائيلى الأكراد. هذا الدعم كان فى البداية متواضعا، دعم سياسى و إثارة قضية الأكراد وطرحها فوق المنابر. لم يكن بوسع الأكراد أن يتولوها فى الولايات المتحدة وفى أوروبا وحتى داخل بعض دول أوروبا. كان دعم مادى أيضا ولكنه محدود.

 

التحول الهام بدأ عام 1972 . هذا الدعم اتخذ أبعادا أخرى أمنية، مد الأكراد بالسلاح عبر تركيا وإيران واستقبال مجموعات كردية لتلقى التدريب فى إسرائيل بل وفى تركيا وإيران.

 

هكذا أصبح هذا الدعم المحرك لتطور مستوى العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والأكراد، وكان من المنتظر أن تكون له نتائج مهمة لولا أن ايران الشاه والعراق توصلا الى صفقة فى الجزائر عام 1975، هذه الصفقة وجهت ضربة قوية الى الطموح الكردى. لكن وفق شهادات قيادات إسرائيلية ظلت على علاقة بزعيم الأكراد مصطفى البرزانى. الأكراد لم يتملكهم اليأس، على العكس ظلوا أكثر إصرارا على الإستمرار فى صراعهم ضد السلطة فى بغداد.

 

بعد إنهيار المقاومة الكردية كنتيجة للاتفاق مع إيران توزعت قياداتهم على تركيا وسوريا وإسرائيل. إسرائيل وانطلاقا من إلتزام أدبى وأخلاقى كان من واجبها أن تظل الى جانب الأكراد وتأخذ بأيديهم الى أن يبلغوا الهدف القومى الذي حددوه، تحقيق الحكم الذاتى فى المرحلة الأولى ومرحلة الإستقلال الناجز بعد ذلك.

لن أطيل فى حديثى عن الماضى، يجب أن ينصب حديثى على أن ما تحقق فى العراق فاق ما كان عقلنا الاستراتيجى يتخيله.

 

الآن فى العراق دولة كردية فعلا ، هذه الدولة تتمتع بكل مقومات الدولة أرض شعب دولة وسلطة وجيش واقتصاد ريعى نفطى واعد، هذه الدولة تتطلع الى أن تكون حدودها ليست داخل منطقة كردستان ، بل ضم شمال العراق بأكمله ، مدينة كركوك فى المرحلة الأولى ثم الموصل وربما الى محافظة صلاح الدين الى جانب جلولاء وخانقين .

 

الأكراد حسب ما لمسناه خلال لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين لايدعون مناسبة دون أن يشيدوا بنا وذكروا دعمنا  ويثمنوا مواقفنا والإنتصار الذي حققوه فى العراق فاق قدرتهم على استيعابه.

 

وبالنسبة لنا لم تكن أهدافنا تتجاوز دعم المشروع القومى الكردى لينتج كيان كردى أو دولة كردية. لم يدر بخلدنا لحظة أن تتحقق دفعة واحدة مجموعة أهداف نتيجة للحرب التى شنتها الولايات المتحدة وأسفرت عن احتلاله.. العراق الذي ظل فى منظورنا الاستراتيجى التحدى الاستراتيجى الأخطر بعد أن تحول الى قوة عسكرية هائلة، فجأة العراق يتلاشى كدولة وكقوة عسكرية بل وكبلد واحد متحد، العراق يقسم جغرافيا وانقسم سكانيا وشهد حربا أهلية شرسة ومدمرة أودت بحياة بضع مئات الألوف.

 

إذا رصدنا الأوضاع فى العراق منذ عام 2003 فإننا سنجد أنفسنا أمام أكثر من مشهد :

 

1. العراق منقسم على أرض الواقع الى ثلاثة كيانات أو أقاليم رغم وجود حكومة مركزية.

2. العراق ما زال عرضة لإندلاع جولات جديدة من الحروب والإقتتال الداخلى بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد.

3. العراق بأوضاعه الأمنية والسياسية والاقتصادية لن يسترد وضعه ما قبل 2003.

 

نحن لم نكن بعيدين عن التطورات فوق هذه المساحة منذ عام 2003، هدفنا الإستراتيجى مازال عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربى وإقليمى لأننا نحن أول المتضررين.

 

سيظل صراعنا على هذه الساحة فاعلا طالما بقيت القوات الأمريكية التى توفر لنا مظلة وفرصة لكى تحبط أية سياقات لعودة العراق الى سابق قوته ووحدته.

 

نحن نستخدم كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسى والأمني.

 نريد أن نخلق ضمانات وكوابح ليس فى شمال العراق بل فى العاصمة بغداد. نحن نحاول أن ننسج علاقات مع بعض النخب السياسية والإقتصادية حتى تبقى بالنسبة لنا ضمانة لبقاء العراق خارج دائرة الدول العربية التى هى حالة حرب مع اسرائيل، العراق حتى عام 2003 كان فى حالة حرب مع إسرائيل.. وكان يعتبر الحرب مع إسرائيل من أوجب واجباته.

 

إسرائيل كانت تواجه تحدى استراتيجى حقيقى فى العراق، رغم حربه مع ايران لمدة ثمانية أعوام واصل العراق تطوير وتعزيز قدراته التقليدية والإستراتيجية بما فيها سعيه لحيازة سلاح نووى.

 

هذا الوضع لايجب أن يتكرر نحن نتفاوض مع الأمريكان من أجل ذلك، من أجل قطع الطريق أمام عودة العراق ليكون دولة مواجهة مع اسرائيل.

 

الإدارة الأمريكية حريصة على ضمان مصالحنا وعلى توفير هذه الضمانات عبر وسائل مختلفة :

 

1. بقاء القوات الأمريكية فى العراق لفترة لا تقل عن عقد الى عقدين حتى فى حالة فوز باراك أوباما الذي يحبذ سحب القوات الأمريكية حتى نهاية عام 2010.

2. الحرص على أن تشمل الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية أكثر من بند يضمن تحييد العراق فى النزاع مع إسرائيل وعدم السماح له بالإنضمام الى أية تحالفات أو منظومات أو الإلتزام بمواثيق تتأسس على العداء ضد إسرائيل كمعاهدة الدفاع العربى المشترك أو الإشتراك فى أى عمل عدائى ضد إسرائيل إذا ما نشبت حرب فى المنطقة مع سوريا أو لبنان أو إيران.

 

الى جانب هذه الضمانات هناك أيضا جهود وخطوات نتخذها نحن بشكل منفرد لتأمين ضمانات قوية لقطع الطريق على عودة العراق الى موقع الخصم. استمرار الوضع الحالى فى العراق ودعم الأكراد فى شمال العراق ككيان سياسى قائم بذاته، يعطى ضمانات قوية ومهمة للأمن القومى الإسرائيلى على المدى المنظور على الأقل .

 

نحن نعمل على تطوير شراكة أمنية واستراتيجية مع القيادة الكردية رغم أن ذلك قد يثير غضب تركيا الدولة الصديقة. نحن لم ندخر جهدا فى سبيل إقناع الزعامة التركية وعلى الأخص رجب أردوغان وعبد الله جول بل والقادة العسكريين أن دعمنا للأكراد فى العراق لا يمس وضع الأكراد فى تركيا.

 

أوضحنا هذا أيضا للقيادة الكردية وحذرناها من مغبة الإحتكاك بتركيا أو دعم أكراد تركيا بأى شكل من اشكال الدعم، أكدنا لهم أن الشراكة مع إسرائيل يجب أن لا تضر بالعلاقة مع تركيا وأن ميدان هذه الشراكة هو العراق فى الوقت الحالى، وقد يتسع المستقبل لكن شريطة أن يتجه هذا الأتساع نحو سوريا وإيران .

 

مواجهة التحديات الاستراتيجية فى البيئة الإقليمية يحتم علينا أن لا نغمض العين عن تطورات الساحة العراقية وملاحقتها، لا بالوقوف متفرجين بل فى المساهمة بدور كى لا تكون تفاعلاتها ضارة ومفاقمة للتحديات.

 

تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية عن تكريس وإدامة تحييد مصر، تحييد مصر تحقق بوسائل دبلوماسية لكن تحيي العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملا كاملا .

 

لا يمكن الحديث عن استخدام خيار القوة لأن هذا الشرط غير قائم بالنسبة للعراق. ولأن هذا الخيار مارسته القوة الأعظم فى العالم، الولايات المتحدة، وحققت نتائج تفوق كل تصور، كان من المستحيل على اسرائيل أن تحققه إلا بوسيلة واحدة وهى استخدام عناصر القوة بحوزتها بما فيها السلاح النووى.

 

تحليلنا النهائى أن العراق يجب أن يبقى مجزأ ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية، هذا هو خيارانا الاستراتيجى. ومن أجل تحقيقه سنواظب على استخدام الخيارات التى تكرس هذا الوضع، دولة كردية فى العراق تهيمن على مصادر إنتاج انتاج النفط فى كركوك وكردستان هناك إلتزام من القيادة الكردية بإعادة تشغيل خط النفط من كركوك الى خط IBC سابقا عبر الأردن وقد جرت مفاوضات أولية مع الأردن وتم التوصل الى اتفاق مع القيادة الكردية، وإذا ما تراجع الأردن فهناك البديل التركى أى مد خط كركوك ومناطق الإنتاج الأخرى فى كردستان تتم الى تركيا واسرائيل، أجرينا دراسات لمخطط أنابيب للمياه والنفط مع تركيا ومن تركيا الى إسرائيل .

 

المعادلة الحاكمة فى حركتنا الاستراتيجية فى البيئة العراقية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات العربية فى دولها الرئيسية من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومى لإسرائيل

 

 





السبت٢٣ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب ابو مهيمن الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.