شبكة ذي قار
عـاجـل










تنتشر نيران التمرد والثورة والاحتجاجات الدامية في جميع عواصم الأقطار العربية , فسقطت عروش بمن فيها أو عليها وثمة عروشا أخرى آيلة أو مرشّحة للسقوط المدوّي , وأصبح يوم الحساب العسير مع بعض الأنظمة يقترب بخطوات بل بقفزات متسارعة , الاّ في إمارة آكلي المرار*. وأعني بها دولة الكويت العظمى. فلا شيء يحدث ولا أحد يجيء في هذه الامارة التي فقدت منذ أكثر من عقدين الهيبة والسمعة والقيمة الاعتبارية للدولة , ولم تكن في الواقع سوى دويلة مصطنعة. وأصبحت مجرد بقعة جغرافية تضم آبار نفط وقواعد عسكرية أمريكية وآلاف من البشر هم في الحقيقة في خدمة النفط والأمريكان , إبتداءا من أمير البلاد الى أصغر موظّف.


تتوارد من بلاد عربية وأعجمية شتى أخبار تظاهرات وإحتجاجات ومواجهات مسلّحة تترك كل يوم قتلى وجرحى بالمئات. ولا يبدو في أفق التطورات التاريخية الجارية ورياح التغيير العاصفة في بلاد العرب أي تأثير أو صدى على شعب"دولة"الكويت الذي إختار العزلة واللامبالاة والتفرّج على مآسي الآخرين التي لا يُخفى فيها دور ومصلحة وضلوع حكومته والعائلة الأميرية الحاكمة . ومن النادر أن تأتي أخبار من إمارة آل الصباح لها قيمة أو أهمية على الصعيدين المحلّي وألاقليمي. وبالكاد يستطيع المتابع للشأن العربي رؤية هذه الدويلة المنبوذة , باستثناء حاجة الآخرين لدولاراتها ونفطها المدرار , على مسرح الأحداث.


ومعظم الاخبار التي تخرج من الكويت "الشقيقة جدا" هي أم إستجواب وزير بسبب فساد أو هدر المال العام , أو تقديم إستقالة الحكومة , التي إستقالت للمرة السادسة في ظرف ثلاث سنوات! والتي يرأ سها دائما الشيخ ناصر الحمد. ويعني إن فخامته الغير مُبجّل شكّل كل ستة أشهر حكومة , طبعا فاشلة وفاسدة كسابقتها. وهي ظاهرة عجيبة غريبة لا تحصل في أي مكان في العالم. وإذا كان هذا الرجل فاشل أو عاجز أو فاسد وغير كفوء لادارة شؤون دولة الكويت "العظمى" فلماذا الاصرار يا ترى من تكليفه كلما سقطت حكومته بتشكيل حكومة جديدة؟ أم أن إخوتنا الكوايتة , أميرا وحكومة وشعب , يضحكون على بعضهم البعض , دون أن يدركوا أنهم أصبحوا مضحكة ومسخرة للعدو والصديق.


ففي عالم كرة القدم على سبيل المثال , إذا خسر فريق ما مبارتين متتتاليتين تقوم الدنيا ولا تقعد على مدرّب الفريق. وتبدأ الصحف الرياضية وغيرها باجراء محاكمة إعلامية وبكلمات وتُهم ثقيلة , ووتُقدّم الصائح والحلول لرئيس ذلك النادي أو الفريق باستبعاد المدرب فورا والمجيء بآخر أفضل منه ..الخ. ويُفترض أن إدارة شؤون الناس وقيادة حكومة أهم بكثير من تدريب فريق رياضي. لكن الأسرة الحاكمة في إمارة الكويت ما زالت مصرّة على دفن رأسها في رمال الوهم والخداع مفضّلة تكرار نفس المسرحية المملّة لأنها واثقة بان شعبه , أي جمور المتفرّجين , مُصاب بعمى الألوان وما عاد يميّز بين الغترة والعقال.


لكن ما لا يدركه أصحاب الشأن في إمارة الكويت , لأنهم يعشون في حالة ضياع وتيه وإنكار مزمنة , هو أن بروجهم العاجية سوف لا تصمد لأسبوع واحد في وجه رياح وأعاصير التغيير والتطور والمطالبة بالاصلاحات التي تعصف بالمنطقة. فعلى بعد شمرة عصا منهم كما يُقال , تشتعل النيران في ديار وتخوم جيرانهم. وإذا كان قد حالفهم الحظ , والحماية الأمريكي البريطانية في البقاء في الحكم الى زمنا هذا , فان عجلة التطوّر وقوانين التاريخ والسياسة وعلم الاجتماع ترفض بقاء "إسرة حاكمة" الى الأبد حتى وإن ربطت مصيرها بمصير القوى العظمى وإستأسدت على غيرها بجيوش أعداء الأمة وناهبي ثرواتهم وقاتلي أبنائها.


* المرار شجرٌّ - مرٌّ على ما يبدو -إذا أكلته الابل تقلّصت مشافره , كما ورد في ديوان أمريء القيس.


mkhalaf@alice.it

 

 





الجمعة٢٥ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٩ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.