شبكة ذي قار
عـاجـل










ما أن عاد رئيس حكومة الاحتلال الخامسة نوري المالكي من زيارته إلى واشنطن حتى ضرب عصفورين بحجر، ليصدع العملية السياسية السقيمة بشرخ يزيد من إعتلالها وإضطرابها. فقد وجه إتهامه إلى ما يسمى بنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وفق المادة الشهيرة "4 إرهاب"؛ ثم أصدر مذكرة إعتقال عبر القُضاة الخمس المسيسين بأوامره. وكذلك أتجه بعزل نائبه صالح المطلق، طالباً من مجلس النواب سحب الثقة منه، لتتمكن وزارة الداخلية من مسائلته، لأن الأخير أتهمه بالمستبد.


أن ردة الفعل تتشعب سريعاً بين شخوص الاحتلال بحسب فئاتهم وتكتلاتهم، وأن هروب الهاشمي إلى شمال العراق محتمياً بمسعود البارزاني، لها أبعاد أخرى. خصوصاً وأن البارزاني قد صرح قائلاً: "أن الوضع يذهب الآن إلى أزمة حقيقية وخطيرة، وأن الشراكة الحكومية الآن مهددة بالإنهيار". وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده هذا اليوم الأربعاء المصادف 21-12-2011 دعى المالكي كردستان لتسليم الهاشمي للقضاء، وهدد باستبدال وزراء إئتلاف العراقية، وتشكيل حكومة أغلبية سياسية.


ورغم كثرة تلاطم التصريحات والتعليقات، لكننا نود هنا أن نسبر سببية المالكي في هذه الأزمة الكبيرة والجديدة التي أستغرب لها العديد من السياسيين والإعلاميين شرقاً وغرباً. فهل فعلاً يروم إلى تطبيق القانون؟ وهل حقاً لا يساوم على دماء العراقيين؟ أصادقٌ هو بتقديم إستقالته إن لم تُسحب الثقة من صالح المطلق؟ أجادً هو بعدم تراجعه قط؟


وفق تصوراتنا عن السنوات الست الماضية لرئاسة المالكي لمجلس الوزراء، فأن أقواله تناقض أفعاله حيال الوطن والمواطنة وما يتعلق بالحرية والمساواة والعدل الخ. ونسرد هنا غيض من فيض:
أولاً: في مطلع عام 2008 قال المالكي أن هذه السنة ستكون سنة محاربة الفساد. وبعد ثلاث سنوات هل تقلص الفساد أم أزداد؟ لو كانت محاكمة وزير التجارة عبد الفلاح السوداني نزية، لقلنا أن المنظمات الدولية التي وضعت العراق في أسفل الدول الضالعة بالفساد المالي وإالإداري، بأنها تبالغ كثيراً. غير أن السوداني الذي سرق مليارين دولار، مسكوه في مطار بغداد قبل هروبه، قد تمت تبرئته وأسقطت محكمة التمييز بتاريخ 2-9-2009 جميع التهم التي وجهتها له لجنة النزاهة في مجلس الشعب. فالسوداني من حزب الدعوة الإسلامي ومقرب من رئيسه الحاج نوري المالكي.


ثانياً: في 23-8-2003 صدرت مذكرة إعتقال بحق مقتدى الصدر مع 13 من أتباعه بتهمة جريمة قتل عبد المجيد الخوئي والكليدار والياسري في صحن الإمام علي بن أبي طالب بتاريخ 10-4-2003. فلو طبق المالكي هذه المذكرة القضائية التي أصبحت ورقتها بالية لا ترى النور، لقلنا يحق له أن يستمر بهذا النهج التشددي من أجل العدالة في الحياة الاجتماعية. لكنه تحالف مع الصدر لكسب المنصب والبقاء في السلطة على حساب دماء العراقيين.


ثالثاً: في 2-8-2010 قامت مجموعة مسلحة بسرقة مصرف الرافدين بالزوية بمنطقة الكرادة في بغداد، بعد أن قتلت الحرس وفجرت الخزينة. وبعد التحقيق تبين أن الفاعلين هم من فوج الرئاسة، وتحديداً هم النقيب جعفر التميمي مع ملازم وجندي تابعين لحماية ما يسمى نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي. فلو طالب المالكي إستدعاء المهدي قضائياَ، وحاكم الذين سرقوا وقتلوا موظفين أبرياء، لقلنا أن المالكي له مواقف عادلة. لكن التحقيق أشار إلى المجرمين بأن عملهم شخصي حيث أستغلوا موقعهم ووجودهم في المنطقة. ومن ثم تم تهريب المجموعة المرتبطة بالمجلس الإسلامي الأعلى إلى إيران.


وعليه فأن الأزمة التي خلقها المالكي لا تتعلق بتطبيق القانون أو الدفاع عن حقوق الأبرياء المقتولين. بل تتصل بالمخطط الصفوي الذي وصل إلى مرحلة متقدمة من التنفيذ. فعندما قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: أن إيران مستعدة لملء الفراغ بعد الإنسحاب الأمريكي. فأنه قد علِم تماماً أن القوات الأمريكية سوف لن تنجح بفرض الحل العسكري جراء المقاومة العراقية الضارية والباسلة. إلا أنه عمل وما زال النظام الإيراني يعمل على المد الأخطبوطي المتشعب داخل المجتمع العراقي سواء بالميليشيات المسلحة التي تم دمجها بقوات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، أو عبر الجمعيات والشركات والمؤسسات تحت عناوين متنوعة: دينية، خيرية، سياحية، مالية، إستثمارية، عقارية الخ. ظناً منهم أن هكذا تغلغل يتجذر رويداً رويدا هو الطريق الأسلم لإحتلالٍ غير مُعلن.


ونكاد نجزم أن التفكير الصفوي الإيراني لا يريد أن يظهر للعراقيين وللعالم بمظهر المحتل العلني، لأن ما فشلت في تحقيقه أقوى دولة بالعالم، لا يمكن أن تنجح فيه حكومة إيران الصفوية. ولذا فأن تحرك المالكي الفجائي والسريع تجاه التصفية السياسية لقادة القائمة العراقية هي عملية مدروسة مسبقاً وفق المخطط الصفوي الإيراني. إذ أن مزيداً من الفوضى والإضطراب يبقي العراق ضعيفاً واهناً، وبالتالي يكون الوضع برمته لصالح إيران بشكل أكفأ وأفضل أقليمياً ودولياً.


ولكن ما ينفذه المالكي من أزمات سياسية حادة ضمن المخطط الإيراني الذي هو مشروع صفوي يمتد إلى مناطق عربية أخرى، فأن المقاومة العراقية التي إلحقت الهزيمة بالقوات الأمريكية، فأنها ماضية أيضاً في مشروعها الجهادي بعملية التحرير. وأن سنوات التسع من مجابهة الاحتلالين الأمريكي والإيراني قد ساهمت بتقوية العزيمة وشحذ الهمة للإرادة العربية التي إنطلقت في ربيعها التاريخي. وهذا يعني أن المستقبل يسير أكثر لصالح المقاومة العراقية التي ستنهي هذا المشروع السياسي العقيم الذي يقود العراق وشعبه نحو هاوية سحيقة وظلمات دامسة ودهاليز مجهولة.

 

 





الخميس٢٦ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.