شبكة ذي قار
عـاجـل










الحرب الأهلية ببساطة هي اقتتال أبناء البلد الواحد فيما بينهم بمرحلة تكون فيها الدولة ضعيفة وشبه منهارة، وتلوذ فيها بعض الأطراف- مخطئة- لحمل السلاح تحقيقاً لأهدافها، التي ربما تكون مشروعة، وهذا بعيد عن المنطق والصواب، وخلال هذه الفتنة يكون صوت السلاح هو الأقوى من صوت العقل والحكمة، ومشاهد القتل والرعب والخراب هي الأوضح.


والعراقيون بعد عام 2003، واجهوا ما سُمي بالحرب "الأهلية الطائفية" في عامي 2006، 2007، والتي راح ضحيتها آلاف الأبرياء، الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يحبون العراق، ويبغضون الخونة والعملاء، ومعظم هؤلاء الضحايا قُتلوا على يد بعض السفاحين، الذين دخلوا للأجهزة الأمنية الحكومية، وارتدوا الزي الرسمي، ونفذوا جرائمهم الشنيعة باسم القانون، وعلى يد المليشيات المدعومة من اطراف متنفذة في البلاد.


ومما لا شك فيه أن هذه الفتنة كانت بمباركة ودعم قوات الاحتلال الأمريكية، ومعها بعض الأجهزة الحكومية، وكانت الغاية هي اشغال العراقيين مع بعضهم البعض، وتقليل الخسائر الأمريكية المستمرة في الميدان.


واستمرت الفتنة ردحاً من الزمن العصيب، وبعدها تنبه الأخيار من جميع مكونات الشعب العراقي إلى جوهر الفتنة، التي قادت لسفك دم الأبرياء بدم بارد، وراح ضحيتها خيرة شباب الوطن وعلمائه ووجهائه، وتم– حينها- تطويق النار التي حرقت الجميع بلظاها، وتجاوز العراقيون تلك المرحلة العصيبة، على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بهم.


وبمتابعة المشهد العراقي الحالي، نجد أن الصورة ما زالت قاتمة، والغليان الشعبي ما زال مستمراً، منذ أكثر من ثمانين يوماً، في نصف البلاد تقريباً، ومقابل ذلك حكومة تتجاهل مطالب هذه الحشود المليونية!
المتظاهرون رغم كل المضايقات والتجاهل الحكومي استمروا باعتصاماتهم ومظاهراتهم السلمية، وباءت أساليب اشعال الفتنة من الطرف الحكومي بالفشل، وبعد أن وجدت الحكومة بأن سياسات التهديد والقتل لم تُجد نفعاً، نجدها بدأت تخوف الداخل والخارج من حرب طائفية محتملة يمكن أن تهدد العراق ووحدته !


هذا التخويف، أو التهديد الحكومي جاء على لسان رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي الذي حذر يوم 7/3/2013، خلال كلمة في الاحتفال بمناسبة يوم المرأة ببغداد من التهاون مع الأزمة الحالية " لأن الحرب الطائفية على الأبواب، ولن يسلم منها أحد، وأن هناك الآن في العراق حالة مفككة والخطر يدهم البلاد، وهي حالياً ليست بعيدة عن تكرار عمليات القتل على الهوية وقطع الرؤوس والاقتتال الطائفي، وأن كل ذلك سيعود إلى العراق، وهذا تشخيص واقعي".


و لا ادري ما الذي يقصده رئيس الحكومة بالازمة ؟
ثم إذا كانت حكومة المالكي حريصة على البلاد إلى هذه الدرجة، لماذا تتجاهل نصف الشعب العراقي، وتفتح في كل يوم مئات الأبواب المدمرة للعراق عبر الارهاب الرسمي، وتهميش الآخرين؟!
هذه التهديدات تقودنا إلى التساؤل الآتي : منْ المسؤول عن تفجير هذا البركان الغاضب" الحرب الأهلية"، الذي لو انفجر،- لا قدر الله- فإنه سيحصد أرواح الأبرياء الذين لا يجدون حكومة قادرة على حمايتهم، بل هي جزء من مخطط الحرب هذه.


وهنا يمكن ايجاد بعض المخارج للإجابة عن هذا التساؤل :-


أولاً : المسؤول الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية التي خططت، ونفذت كل المشهد العراقي المشوه، ثم تركته لتنسحب بجلدها؛ لتخليص قواتها من غضب المقاومة العراقية.


ثانياً : استمرار التغلغل الإيراني بالعراق، والذي وقف بوجه كافة الأطراف اللاعبة على الساحة من أجل اعادة تنصب المالكي رئيساً لمرحلة جديدة، وهي، "أي إيران"، من مصلحتها أن تبقى الأوضاع في العراق غير مستقرة، ولا تنصب على أراضيه حكومة وطنية؛ لأن ذلك يعني أنها ستفقد العراق كورقة ضغط ضد بعض الدول سواء في المنطقة، أو في خارجها، وكذلك تفقد خيراته التي تتحكم بها الآن بشكل مباشر، أو غير مباشر.


ثالثاً : دفع بعض الأطراف المتغولة على المشهد السياسي بهذا الاتجاه؛ لأنها ستفقد مكاسبها الحزبية والشخصية التي تمتعت بها خلال السنوات الماضية، وبالتالي فإنها مستعدة لحرق البلاد، وقتل الأبرياء من أجل هذه المصالح الضيقة!


خلاصة القول إن اليقين الذي لا شك فيه، هو أن الحرب الأهلية لا يمكن وقوعها في العراق بهذه السهولة التي تتصورها الحكومة وأتباعها، وشبح هذه الحرب موجود في مخيلة الحكومة وأتباعها، وهي وأسيادها يدفعون بهذا الاتجاه لتغطية فشلهم الذريع في كافة الملفات الأمنية والخدمية، أما الشعب العراقي فهو أقوى وأسمى من كل هذه المخططات الخبيثة، وسيخرج من هذا الاختبار العسير منتصراً بوحدته، وتكاتفه، وإخلاصه لأرضه ووطنه، وهذا ما أثبته الماضي، وسيؤكده المستقبل!

 

 





السبت ٤ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب جاسم الشمري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.