شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد أكدنا كما اشرنا في الجزء الأول من المقال المسلسل ، أن البعث بنى نظريته الفكرية على أساس ثالوث ( الوحدة والحرية والاشتراكية ) وشدد على الترابط بين الأهداف الثلاث ، كونها تشكل المعالجة الحقيقية والصحيحة لكل مشاكل الأمة وإمراضها ، والحقيقة إن الكلام عن الحرية بكل معانيها ومضامينها في الفكر القومي وفي الحياة العربية يذكرك على الفور بفكر ميشيل عفلق ، لأنها أخذت موقعها في نسقه الفكري باعتبارها ضرورة حياتية، وشرطاً من شروط النهضة العربية، وأحد أساسيات تنشئة الجيل العربي الجديد. بل هي علامة من علاماته وكان الاهتمام العالي المستوى من جانبه بقضية الحرية هو الذي أوصله إلى معرفة ما بينها وبين الوحدة والاشتراكية من علاقة عضوية وجدلية مستمرة ، فعندما كتب عفلق عن الحق قال ( ولكن شيئاً واحداً نؤمن بأنه فوق العروبة، ألا وهو الحق. فالعروبة يجب أن ترتبط بمبدأ ثابت يكون هو الضامن الوحيد ليتجدد ويتكامل، ولاستمرار حياتها نحو النمو والاتساع. فيجب أن يكون شعارنا: الحق فوق العروبة إلى أن يتحقق اتحاد العروبة بالحق.) وإذا نظرنا إلى مفهوم الحق في الثقافة، كما تفيد الانثروبولوجيا الثقافة فنراه في الحرية: حرية البشر، والمساواة بين الناس. وأن تكون مع المظلوم ضد الظالم، ومع حركات التحرر أينما كانت. وهو العدل بكل أبعاده الوطنية والقومية والإنسانية. وفي اللحظة التي يوضع فيها الحق فوق العروبة تأخذ العروبة على نفسها أن تناضل وترتقي إنسانيا حتى تتحد بالحق. وعندما تصل إلى هذه المكانة، فإن عفلق يراها قد شكلت المقدمات لإنسانية عربية تتجلى فيها حقوق الإنسان، والمواطنة، والعدل الاجتماعي والانتماء إلى الهوية العربية بمعناها الثقافي، أليس هو القائل: إنَّ الحق فوق العروبة إلى أن تتحد فيه ، أي تتحد مع بعده الأساس ألا وهي الحرية. ولا بعث للأمة العربية ولا نهضة لها، ولا ارتقاء إذا لم تدب روح الحرية في كل شخص وتدخل كل عمل. لهذا كانت الحرية غالية علينا بمثابة الحياة، ضرورية لحياتنا ضرورة الغذاء .


فالحرية بحضورها تشكل منعطفا كبيرا في بناء الإطار العام والتخصصي للديمقراطية المركزية في حياة الحزب الداخلية وكذلك الديمقراطية الشعبية على مستوى التطبيقات الديمقراطية بجميع مؤسسات الدولة لبناء الدولة النموذج على مستوى القطر الواحد ودولة الوحدة على مستوى جميع أقطار الأمة ، فالديمقراطية هي الشرط الأساس لانتصار الهوية الأشمل (هوية الأمة) من خلال حق التعبير لكل القوى الاجتماعية عن نفسها ثقافياً وسياسياً. فقد ورد في دستــــور الحـــــزب ( فحزب البعث العربي الاشتراكي شعبي يؤمن بأن السيادة هي ملك الشعب، وان وحده ُ مصدر كل سلطة وقيادة وان قيمة الدولة ناجمة عن انبثاق عن إرادة الجماهير. كما أن قدسيتها متوقفة على مدى حريتهم في اختيارها. لذلك يعتمد الحزب في أداء رسالته على الشعب، ويسعى للاتصال به اتصالاً وثيقاً ).


فبالحرية يتحقق إطلاق القدرات الفردية والجماعية الكامنة في النفوس كي تحقق وجودها بالمساهمة في صناعة القرار الوطني وإطلاق المواهب في البناء والإبداع وإدارة المشاريع التنموية التي تساهم في بناء البنى التحتية للدولة واختيار نموذج الأمة في التعبير عن حريتها فيرفض جيل الحرية كل مايسيء إلى حقوقه المشروعة في الحياة وفي المقدمة منها أن يعيش بوطن خال من السيطرة والتبعية للأجنبي وبعيدا عن الاستبداد والقهر والظلم والفقر والفاقة والمرض التي تنتج من وجود هذه السيطرة الأجنبية البغيضة ، كما إن من حقه أن يكون وطنه كامل السيادة والاستقلال ، حتى يكون له القرار المستقل القادر على تصريف شؤون الشعب بما ينسجم وقوانين الحرية التي ترسمها وتقررها طليعته المؤمنة بالحرية وحكومته المعبرة عن تطلعاته وآماله لأنها جزء منه ، وان اختياره الحر هو الذي جاء بتلك الحكومة فالحرية في مفهوم البعث هي أولا عملية تحرير النفس من الخوف الذي يعتريها بسبب الآلام التي تعرض لها نتيجة سلب إرادته وإذلاله ، فالحرية كما يقول القائد المؤسس ميشيل عفلق رحمه الله هي ليست شيا كماليا في حياة الأمة يمكن الاستغناء عنه بل أنها أساس هذه الحياة وجوهرها ومعناها والحرية هنا لا تتجزأ فلا يمكن أن يثور الشعب على الاستعمار الأجنبي ثم يسكت عن الاستبداد الذي يتعرض له ، لان الدافع الذي يحركه ضد الاستعمار هو نفسه الذي يمنعنه من الرضا بالاستبداد والتبعية ،

 

وأعطى أشكالاً للممارسة الديمقراطية في ظل تصور مفهوم للحرية ربط فيها بين حرية الفرد من الاستغلال وحرية الأمة من الاستعمار والتبعية للأجنبي وقد أكد البعث إن الوعي الذي يتمتع به المواطن العربي ودرجة الوصول إلى هذا الوعي سيجعله قادرا على إرساء مفاهيم الحرية بأبهى تطبيقاتها التي تحقق له النقلة النوعية في حياته للحصول على حقوقه دون منازع وهنا وفي ظل الديمقراطية الحقيقية التي جاءت نتيجة الوعي بأهميتها يغيب ويلغي التعصب العرقي والدينـــــي والعشائري .. وتظهر القيم السامية للتسامح والتعايش والمحبة واحترام الرأي الآخر وعدم التهميش والإقصاء والتكامل وهوية الانتماء لوطن واحد وأمـــــة واحدة يقول عفلق ) فالأمة الحرة لا تتألف إلا من أفراد أحرار ) كما يقول نريد أن نجنب النهضة العربية كل أثر سلبي ومظهر سلبي يتسرب إليها كعدوى وتقليد للأعداء والأمراض التي كنا نحاربها .






الجمعة ٢٤ ذو القعــدة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / أيلول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب ابو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.