شبكة ذي قار
عـاجـل










المالكي يمثل إيران .

العبادي يمثل الأثنين إيران وأمريكا معاً .

الأول يريد أن تكون إيران اللآعب الأساس الوحيد في نهاية المطاف .

الثاني يريد أن يجعل من أمريكا مطية لتنفيذ ما تريده إيران .

هنالك لعبة كبرى بين أمريكا وايران ضحيتها الشعب العراقي .. تنعكس وكأن الأمر بات بين شدٍ وجذبْ وبالتالي بين قوتين ( متكافئتين )  ومتصارعتين في حيز جيو- سياسي خطير، طالما أمست مدخلاته مفتوحة على إيران وتركيا وسوريا .. واللعبة تظل في اطار التنافس للأستحواذ على النصيب الأكبر من حصة التقاسم .. وفي ضوء هذا المشهد يمكن تناول اركان اللعبة من حيث مفترقاتها ومشتركاتها وما ترمي إليه من أهداف تكتيكية فضلاً عن الهدف الأستراتيجي المرسوم سلفاً في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون وجناحه الأستخباري من جهة ، وما ترمي إليه طهران وحرسها وولي فقيهها من جهة أخرى :

1- عملت أمريكا على طغيان النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة على أساس من أن الأداة الطائفية الإيرانية هي أحد أهم معاول هدم جدران الشرق الأوسط .. وفي ضوء ذلك رسمت أمريكا وإيران مخططاتهما للتعاون المشترك، إلا أن هذا التعاون لا يعني خلوه من المنافسات على المزيد من النفوذ والمغانم .. وهذا ما تفعله إيران بحيث باتت طموحاتها التي يمثلها ( نوري المالكي )  قمة في التصعيد، الأمر الذي انتهى إلى خلعه واستبداله بـ ( حيدر العبادي )  الذي هو نسخة واجهية مراوغة لحزب الدعوة الحاكم، ولكنه يتعاطى مع الأدارة الأمريكية بتقية طهران .. لكونه غير قادر على الأمساك بوضع العراق لا في استتباب أمنه ولا في استقراره ولا في بنائه ولا حتى في إدارته .. والسبب الجوهري يكمن في دستور الاحتلال وعمليته السياسية التي يتسلط في إدارتها مجموعة من اللصوص والقتلة .

2- يعمل المالكي حالياً كـ ( حكومة ظل )  تضغط متى تشاء على حكومة العبادي الواجهية بوسائل مختلفة منها أولاً: مجاميع العسكر الذين يأتمرون بأمره ويتلقون توجيهاته ولا يعيرون إهتماماً أو إكتراثاً بأوامر وزير الدفاع ولا بقرارات وزارة الدفاع . وثانياً: مليشيات الحشد الطائفي التي ترتبط بالحرس الإيراني وبقائده الجنرال قاسم سليماني .. وليس لحيدر العبادي أي سلطة عليها لا في التوجيه ولا في الأوامر، لا في السوق ولا في الحركة، تبعاً لمتطلباتها .. كما أنها لا تتلقى الأوامر من وزارة الدفاع ولا من وزيرها ، إنما تتلقى الأوامر مباشرة من رؤساء المليشيات مثل ( هادي العامري و قيس الخزعلي والمهندس وغيرهم ) ، الذين يرتبطون بالحرس الأيراني وبقائده الجنرال قاسم سليماني .. المليشيات هي التي تقرر فعلها وأماكن تواجدها ومشاركاتها من عدمه، وتعلن صراحة أن ( حيدر العبادي )  ليس له حق اصدار القرار، وعليه استشارتها أولاً في مسائل المحادثات مع إدارة " أوباما" .. وموقفها هذا ينبع من توجيهات قاسم سليماني الذي يتلقى التوجيهات المباشرة من ( علي خامنئي )  المرشد الأعلى الإيراني .

3- لا فرق بين ( نوري المالكي )  و ( حيدر العبادي )  كليهما يستخدمان أدوات السلطة ذاتها ( مليشيات إيرانية ) .. الأول يحفر للثاني على أمل الحصول على ولآية ثالثة تضم بين ظهرانيها القتل والتهجير والسرقة .. والحفر يتم عن طريق التعجيز . أما الثاني فهو متمسك بأداة القتل ( مليشيات الحشد الطائفي ) ، ومنفتح على أمريكا لتسليحها على أساس أنها الخيار الوحيد بعد تعجيز الجيش لحساب طهران.

4- أمريكا تسلح مليشيات العبادي المتلهف على التسليح حتى لو طال القتل سنين، وحتى لو بات شعب العراق خارج أرضه .. المهم لديه أنه ينفذ ما تريده إيران، ليس بالصيغة المالكية المكشوفة، إنما بصيغة ناعمة تحت مظلة محاربة الأرهاب .. وبهذا الموقف، فأن أمريكا تصطف مع مليشيات ايران، التي خلقت الأرهاب بأفعالها وبمنهجيتها الأقصائية الدموية .. ومع كل هذا المشهد تعلن أمريكا أنها لا تملك إستراتيجية للتعامل في العراق، ولكنها تملك إستراتيجية لسوريا تدع نظامها يستمر في إبادة شعبه.!!

5- طلب ( حيدر العبادي )  من ( أوباما )  السلاح بصورة عاجلة .. واشترط ( أوباما )  عليه فتح وتعزيز القواعد العسكرية الأمريكية في العراق .. واحتمال وصول دفعات من المارينز إلى تلك القواعد .. كما اشترط عدم إشراك قادة الجيش العراقي وقادة المليشيات الإيرانية في غرف العمليات المشتركة، وتحريم دخولهم إلى تلك القواعد .!!

6- إين هو الموقف الإيراني الذي يعلن رفضه للوجود العسكري الأمريكي، ويرفض المشاركة في التحالف الدولي، ويعلن محاربته الشيطان الأكبر، ويرفع شعارات ( الموت لأمريكا ، الموت لأسرائيل ) ، وتخرصات جنرالاته بعدم الحاجة للوجود العسكري الأجنبي في مياه الخليج العربي ، وإن إيران قد تمكنت من الأمساك بمفاتيح الأمن الأقليمي . كلها ، ترهات تدخل في خانة العجرفة الفارغة .. ولكن ، واقع الحال هو تماماً غير ذلك وينطوي على مخادعات إيرانية وأمريكية في آن واحد .. أما الحقائق التي يجب أن يعرفها شعبنا العراقي العظيم من شماله ووسطه حتى جنوبه المخدوع بالترهات الإيرانية : ان إيران لا تريد خيراً لشعب العراق، فهي تستغل جهله وسذاجة غالبيته وحبهم لآل البيت الكرام، فيما يعمل الأيرانيون على تسويق كل ما ينفع ستراتيجتهم الفارسية الصفوية القائمة على تفكيك الشعب وتمزيق روابطه القومية العربية، ونهب ثرواته والهيمنة على مقدراته .. والدليل ، هو مسلسل الدم الذي لم ينقطع وملفات النهب واللصوصية التي لم تغلق ، وحرمان الشعب العراقي من نعمة الأمن والأمان طيلة أكثر من عقد من السنين.

7- إن مسألة رسم خطوط المشكلات الايرانية، يفصح عن طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية ومدياتها الأقليمية والدولية .. فالأشكالية الكبرى فيها تتمثل في الخلط بين منهج المؤسسة الآيديولوجية وبين نهج شخصية الدولة القومية الإيرانية .. فالمنهج ( الديني المذهبي الطائفي )  هو منهج عابر للحدود، حيث تعمل عليه إيران - فكراً وسلوكاً - يصطدم بالحدود القومية للدول الأخرى .. فيما تتعامل شخصية الدولة القومية الايرانية مع غيرها على أساس الندية .. ومن هذا الباب فقد وظفت الدولة القومية الايرانية النهج المذهبي- الطائفي العابر للحدود لأغراض سياساتها الخارجية وتعبئتها الداخلية من أجل الدفع باتجاه ( تصدير الآيديولوجية الطائفية )  إلى الخارج .. الأمر الذي يشكل نهجاً مربكاً وغريباً في التعامل السياسي الخارجي، وذلك لأن أدوات سياستها الخارجية هي أدوات تدخلية وتوسعية واستفزازية، لا تستقيم مع طبيعة العلاقات القائمة بين الدول ذي التوجه الثنائي و متعدد الأطراف . أما الأشكالية الثانية .. فهي الوصاية المذهبية خارج حدود الدولة الايرانية – مرقد هناك أو ضريح هناك أو مقبرة هناك أو مقام ديني هناك .. إلخ – حيث تمنح إيران لنفسها الحق في التدخل ( المليشياوي المسلح )  وبدواعي التطوع ويرافق المتطوعين جيش من المستشارين العسكريين .. هذه الوصاية تعد نهجاً غريباً يصطدم هو الآخر بالوضع السيادي للدول .. ومن جرائه تتعكر العلاقات الثنائية وتحتقن وتتوتر وتصل إلى مراحل الصراع فالحرب ومن ثم تهديد الأمن والسلم الأجتماعي في الأقليم .

8- الأزدواجية هذه تعرفها أمريكا ، ويعرفها مجلس الأمن الدولي، ويعرفها الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" ، ومع ذلك لا أحد يحرك ساكناً من أجل المحافظة على السلم الأجتماعي في تلك البلدان، والمحافظة على الأمن والأستقرار الأقليمي والدولي .. ومع ذلك أيضا ، فأن أمريكا تؤيد منطق ( هزيمة )  الجيش العراقي بالأنسحابات على أساس إفتقاره لأرادة القتال، دون معرفة حقيقة الملابسات من جهة، ودون الوقوف على سير أو نتائج التحقيقات المراوغة، التي لم يعلن عنها بعد، لكون المشكلة سياسية وليست عسكرية .. والموقف الأمريكي يتساوق مع منطق حكومة ( الحشد الطائفي )  الذي يرجح الأولوية لهذا الحشد المكون أساساً بقرار إيراني صرف .. إذاً ، لعبة إيجاد الفراغ العسكري هي من أجل ملأه بالحشد الطائفي .. ومن هنا جاء الدعم العسكري الأمريكي والصمت الإيراني على هذه الخطوة .!!

9- تدرك امريكا جيداً السلوك السياسي الايراني منذ سقوط الشاه ومجيء خميني عام 1979 .. هذا السلوك ، تمثل في احتجاز مئات الرهائن الاجانب من الجنسيات الامريكية والفرنسية والالمانية والكورية .. والقيام بعمليات ارهابية انتقلت من تركيا وحتى الارجنتين .. وتشكيل المليشيات المسلحة في بلدان اخرى على اساس طائفي في – العراق وجنوب لبنان وسوريا واليمن والبحرين .. وانشاء خلايا ايديولوجية نائمة في الكثير من الدول .. وتفجير السفارات .. اضافة الى التصفيات الجسدية للمعارضين الايرانيين في الخارج .

فماذا تسمي امريكا هذا السلوك؟ وكيف تتعامل مع دولة ترعى الارهاب؟ ولماذا تتعامل مع دولة مارقة ؟

فبسبب السلوك الطائفي الايراني يجري الذي يجري تحت الرعاية الامريكية في العراق وسوريا واليمن وغيرها .. ألم تسأل امريكا نفسها ان مثل هذا السلوك يولد سلوكاً مضاداً يتفاقم ليحرق المنطقة بأسرها؟

الحرب هي امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى .. وهي وجه من وجوهها ، والحرب تسترشد بكنهها .. ولكن الخيار العسكري لا يمكن أن يستمر كخيار وحيد .. فالسياسة تشكل قاعدة السلام ، والحرب استثناء .. فخيار الحرب في العراق لا يحل إشكاليات ولا يحل معضلات ولا يؤسس دعامات للأستقرار والأمن والسلم الأجتماعي .. فمبدأ الأولويات يكمن في حل مشكلات السياسة وعقدها وتشابكاتها وفقدانها لقاعدة الهرم في بنية الدولة وصنع القرار .. ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة النظر في أساس المشكلات وهو الدستور، وإعادة النظر في هياكل الدولة السيادية ، وإلغاء القوانين والتشريعات التي جاء بها المحتل الغازي .

نعود إلى حزب الدعوة الحاكم منذ عام 2003 ، ما الذي قدمه لشعب العراق هو وإئتلافه؟

أين خياره الراهن، الذي هو خيار إيران في العراق؟ هل انقسم في الولاء ، نصفه المليشياوي المسلح ( الحشد الطائفي )  مع إيران .. ونصفه الآخر مع الراعي الأمريكي الذي يحمي العملية السياسية ودستورها المحشو بالألغام؟

أم انهما معاً يعملان لصالح ولي الفقيه؟!

 






الاثنين ٢٨ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.