شبكة ذي قار
عـاجـل










لن نكسب وحدتنا الوطنية في ظل غياب العدل واشاعة الظلم في حق المواطنين ، ولا في ازدياد مساحات الفقر والجوع في صفوف الأسر ، ولا في ازدياد نسبة البطالة وعدم قدرة الشباب في الحصول على فرصة عمل ، وزيادة نسبة الفساد في أجهزة الدولة ، وتغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ، فالقضاء الذي يلجأ إليه المواطنون بات قضاءاً يحكم عن طريق تعليمات الأجهزة الأمنية ، خاصة تلك القضايا التي تخص حق المواطنين ضد الاجراءات الحكومية ، فالوزير قراراته محصنة ، ولا يحكم القضاء ضد اجراءات تعسفية لوزير ، يستخدم صلاحياته بعقلية مزاجية ضد المواطنين ، وخاصة الذين يتفوقون عليه في العلم والثقافة والوعي.

الظلم عاقبته وخيمة ، وكثيراً ما تدفع المظلوم إلى اللجوء لاستخدام وسائل وطرق مرفوضة لا يقبلها عقل ولا دين ، ولكنه الظلم الذي يعمي البصر والبصيرة ، فتدفع بصاحبه أن يكون ديدنه الإنتقام ليس من الظالم فحسب ، بل قد يتجاوز هذا الظالم إلى المجتمع ككل ، لأنه يصل إلى حالة اللاوعي واللاعقل في التعامل مع القضايا التي تخصه ، بسبب الظلم الذي وقع عليه ليبرر فعلته يكون شعاره عليّ وعلى أعدائي.

دعونا نشخص الحالات التي يقع فيها المواطن ، وتدفعه لارتكاب الجريمة ، ويقدم على فعل يهز المجتمع ، فضروري جداً أن تكون هناك أسباب وراء صنيعته هذه ، وهناك مبررات أقنع بها نفسه ليقوم بفعلته الاجرامية ، فمن غير المعقول أن يقوم إنسان بجريمة تهز المجتمع ، وقد كان صاحبها مشهود له بالسوية العقلية ، فليس كل جريمة صاحبها مصاب بلوثة عقلية ، خاصة إذا مرت حياة هذا المواطن في اختبارات عديدة ، أكدت سويته العقلية ومستوى أخلاقه وسلوكه .

ابحثوا عن الظلم والفساد وراء الأفعال الإجرامية ، فالظلم دافع قوي لارتكاب الجريمة، ومؤسساتنا فيها من الظلم الكثير ، فكيف لا والقضاء الذي يلجأ إليه المواطنون ضد ما يقع عليهم من ظلم يمارس دوراً لا أخلاقياً ، والسلطة التنفيذية تتغول ليس على السلطتين فحسب ، بل وعلى المواطنين وحقوقهم المشروعة .

المواطن الذي يشعر بفقدان حقوقه في وطنه لن يكون في خندق الوحدة الوطنية ، فالوحدة الوطنية هي في شعور جميع المواطنين أن لهم دور فاعل في الوطن من خلال الفرص المتاحة لهم في البذل والعطاء ، وعدم اقصائهم وحرمانهم من حقوقهم المشروعة ، فالوطن ليس بقرة حلوب لنفر محدود من الأفراد ، لابل هو لجميع المواطنين بالتساوي ، والمواطن ليس لدفع الضريبة وتحمل المغارم ، بل له الحق في المغانم أيضاً ككل المواطنين المنتفعين .

لا يمكن تماسك الجبهة الوطنية مع غياب العدل واشاعة الظلم والفساد ، فهذه مصادر تدفع بعدم الاكتراث بكل الجمل الإنشائية من خطب اعلامية رنانة ومواعظ دينية في المساجد والكنائس ، فاالقول لابد وأن يكون مرافقاً للعمل ، أما قول يفترق عن العمل لابل يضرب به عرض الحائط ، فيزيد من حقنة الاحباط لدى المظلومين ، وكذلك تجنيد جيوش من المرتزقة الذين يدافعون عن كل فعل غير أخلاقي سواء في السياسة أو الاقتصاد أو في ممارسات الأجهزة وأحكام القضاء ، فهذا امر لايخدم وطناً ، ولا يتمكن أن يغطي الشمس بغربال ، وفرسانه من جيوش المعتوهين الذين يظنون واهمين أن الناس في مرحلة الطفولة يسهل خداعها.

ابحثوا عن مصادر الفساد والظلم وجففوا هذا المصادر ، فالعدل هو أساس الحكم ، والأجهزة التي ترعى الفساد يجب تصفيتها وردعها بقوة ، لأنها عدو للوطن والمواطنين ، حتى النظام السياسي الذي تدعي أنها تدافع عنه هي وبال عليه ، وكثيرة هي الأنظمة السياسية التي يكون مرتزقتها سبباً في عزلة الحاكم عن المحكومين، وعند اكتشافها يكون قد فات الأوان ، ولا ينفع قول زين العابدين "الآن عرفتكم " فأين كنت منذ أربعين عاماً .

لن تكون هناك وحدة وطنية في ظل غياب الحاكم عن هموم المحكومين ، وفي ظل ممارسة الأجهزة بما يحلو لها في حق المواطنين ، فلترفع الأجهزة أيديها عن رقاب الناس ، فقطع الأرزاق أشد قسوة من قطع الأعناق ، والأجهزة والسلطة التنفيذية ومعها القضاء الفاسد ضروري تجفيفها من الفساد أولاً ، ثم بناء سلطة وأجهزة وقضاء في خدمة الوطن والمواطنين ثانياً ، إلى جانب تربية حقيقية تغرس قيم في نفوس الأطفال على مقاعد الدراسة أفضل من تعليم القراءة والكتابة نفسها .

عند ما تكون خياراتنا مبنية على مصلحة الوطن نملك الوحدة الوطنية ، ولا تستطيع أية جهة في الدنيا من اختراق جبهتنا الداخلية ، لأن شيوع العدل وعدم التغول على حقوق المواطن من قبل السلطة التنفيذية والأجهزة ، مع قضاء عادل وتربية موسومة بالقيم تعمل على تجفيف كل منابع ما يمس الوطن والمواطن ، يتحقق بناء الوحدة الوطنية ، فلا يجوز التغني بالوحدة الوطنية ، وسيوف الظلم مصلتة على رقاب المواطنين ، فقد تساقطت دول بسبب الظلم ، وإنهارت امبراطوريات بسبب الفساد ، وغابت عن دنيا السياسة حكام وحكومات بسبب الفجوة فيما بينها وبين المواطنين ، فهل نملك القدرة على أن نتعلم الدروس ؟ ، أم أننا سادرون في غينا، ونستمر في أن نغط رؤوسنا في الرمال ، والوحدة الوطنية ليست شعارات نرفعها ونتغنى بها ، فهي سلوك يمارس على أرض الواقع ، يلمسه كل مواطن على أرض الوطن .

dr_fraijat45@yahoo.com





السبت ٢ صفر ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.