شبكة ذي قار
عـاجـل










المشكلة خطيرة جداً وخصوصاً اذا نظر اليها من خارج حدود العراق فهذا النوع من التقسيم الفيدرالي له امتدادات خارجية ويتصل بحدود نسبية في اطر مذهبية وطائفية تتجاوز نطاق العراق ، وهنا لابد من العودة الى ما بعد احتلال الفاو اثناء الحرب المفروضة ايرانيا" على العراق وتبجح محمد باقر الحكيم عندما تواجد فيها بأنها بداية تكوين الدولة الفاطمية ، كما أن استقتال المجلس الاعلى اللااسلامي فيما يسمى بلجنة كتابة الدستور على النص الخاص بهوية العراق وحصرها بالإسلامية وإعطاء الحق للمحافظات والأقاليم اعتماد لغة اخرى غير العربية والكردية كونهما اللغتين الرسميتين للعراق دلاله واضحة على هذا التوجه المحموم لقتل الوطنية والمواطنة وإعطاء الفرصة للغرباء بان يكونون ابناء العراق من خلال الاقاليم وهذا تطلع تمكن هؤلاء من تحقيقه مرحليا" في الانتخابات التشريعية خلال 2010 و2014 بإعداد الايرانيين الذين تواجدوا في الداخل او الخارج ومنحوهم الوثائق العراقية وكما اشرنا الى ذلك في اكثر من موقع ومقال ، فان تمكن بإيدن من تحقيق مشروعه الذي يمكن تلخيصه بنشوء الدويلة الكردية مثلاً في الشمال العراق لا يمكن لها ان تستمر من دون ان تأخذ في الاعتبار تلك الامتدادات العرقية في تركيا وإيران و سورية وهنا تظهر المخاطر الاقليمية التي تهدد الامن الوطني لكل من تركيا وإيران أما سوريا فان نظام بشار الاسد من اجل البقاء والانتصار على ارادة الشعب لا يهمه من التنازل نوعا" ما امام الكرد كما فعل مع تركيا واعترف لهم بالسيادة على لواء الاسكندرونه وتناسي ابناء سوريا والدويلة {{ شيعستان }} وكما يحلوا لعميره الحكيم أن تكون امارة ال الحكيم في الجنوب أيضاً لا تستطيع ان تستقل من دون ان ترتب علاقاتها المذهبية الممتدة إلى ايران وغيرها من دول الخليج العربي وهذا يعني تحقيق التقسيم والتفتت في المملكة العربية السعودية وهضم اكثر من دولة خليجية ، أما الدويلة التي تخص أهل السنة والجماعة في الوسط و الغرب العراقي من الصعب ان تقوم من دون اقامة صلات أو اتصالات جغرافية مع امتدادات مذهبية مشابهة خارج حدود العراق وخاصة مع السعودية والأردن وتركيا التي تتطلع الى اعادة الاعتبار الامبراطوري العثماني من خلال المنهجية المعتمده من قبل حزب الحرية والعدالة ذات التوجه الاسلامي القريب من مفاهيم الاخوان المسلمين بتقييده بفعل الضغوط الغربية ودور المؤسسة العسكرية التي تعد حامية للعلمانية التي انتهجها اتاتورك ومن هنا المشكلة اذاً ليست محلية فقط وإنما إقليمية ايضاً فهي اصلاً تقوم على فكرة خاطئة وفي الآن تتشكل قوتها من امتداداتها الخارجية الأمر الذي يفاقم سلبيات الخطأ ويجعله يتمدد خارج الحدود ،

وهنا لابد من العودة الى تصريح رايز عندما كانت مستشارة الامن القومي الامريكي {{ الان بدء العمل بمشروع الشرق الاوسط الجديد }} خطورة الإعلانات عن قيام أقاليم في الشمال والجنوب والوسط أو الغرب لا تقتصر فقط على اضطراب الداخل العراقي واحتمال انجرار دويلاته إلى حروب أهلية حدودية لترسيم مواقع النفوذ وتوزيع الحصص والمغانم وإنما تمتد الخطورة أيضاً إقليمياً لأنها ستدفع بالقوى المحلية إلى استنهاض مشاعرها الطائفية والمذهبية والتحرك في سياق مخالف لطبيعة التطور السياسي للشعوب ، ومن اجل تقريب الرؤية الى البعض أقول أن علم السياسة عادة يقوم على فكرة التسوية بين الاجتماع البشري { المواطنين } والدولة كمنظومة { بمؤسساتها } تعنى بمصالحه وتطلعاته ولذلك تتجه السياسة نحو تركيب المتناقضات على أساس وحدة المصالح ووحدة المصير ووحدة الأهداف لهذا الاجماع البشري ، فالسياسة هي إدارة شئون الناس ضمن صيغة دستورية محكومة بقوانين تضمن عدم التطرف أو الهيمنة أو التسلط وتخضع كل الاطراف إلى قانون عام - نظام عام - لا يميز بين الناس ولا يفرز المناطق إلى هويات متقاتلة أو متجانسة ، وهنا السؤال هل ما يحصل في العراق يخالف التطور السياسي للشعوب وهو اساساً ضد السياسة وضد العقل وضد الواقع ؟

والإجابة على ضوء ما افرزته ما يسمى بالعملية السياسية ودستورها والمتصدين فيها للمسؤولية ، انه وبكل بساطة يدفع بالعراق والعراقيين نحو العودة إلى ما قبل السياسة وتطويع الناس وإخضاعهم إلى قوانين الطبيعة المتوحشة التي يعتمدها المنهج اللاديني { أي المدعين بالتدين بدون ايمان واعي وحقيقي بالفعل والقول } التي كانت تسود علاقات البشر قبل تهذيبها وعقلتنها ضمن صيغ حضارية لعب الإسلام المحمدي النفي من كل انواع التحريف والبدع والفتاوى التي تعبر بوضوح عن الخروج المتعمد على العقائد والمنطق والوسطي الذي لعب دوره التاريخي في صنعها وتقديمها للناس ، فالدويلات العراقية التي بدأ الاعلان عنها أو الترويج لها في صيغ شتى {{ اقليمية أو عرقية أو طائفية أو مذهبية }} تقوم اصلاً ضد فكرة الدولة ومفهومها الذي سبق وتم تناوله من قبلنا في أكثر من فالدولة لها تعريف يخضع دستورياً لمجموعة شروط تتصل بالجغرافيا أو بالتاريخ أو باللغة أو بالدين أو بالثقافة ومن ثم يعاد انتاج الشروط في صيغ سياسية- دستورية تشكل هيئة عليا تضبط المصالح في إطار مشترك يعتمد وحدة المصير والأهداف ، وعندما نأخذ موضوع الدويلات نجد أن كل هذه الشروط السياسية والطبيعية والاجتماعية متوافرة سلباً في الدويلات العراقية التي تنتجها العملية السياسية التي اخرجتها الادارة الامريكية البوشيه وممتدة أيضاً جغرافياً ومتصلة ثقافياً ببعضها في داخل العراق وخارجه فالجغرافيا ترتبط من خلال مجرى نهر دجلة الشمال بالوسط بالجنوب ،

كذلك ترتبط المناطق بالتاريخ والدين أيضاً وبسبب هذا الترابط يصبح التقسيم صعباً وبسبب صعوبة التقسيم يمكن توقع الكثير من المجازر والمذابح لتحقيق سياسة العزل وفك وحدة المصالح والمصير والأهداف تمهيداً لذر الناس وتشتيتهم إلى طوائف ومذاهب وقبائل موزعة على مناطق يراد لها ان تكون متجانسة لتبرير قيام دويلات إقليمية ، وهناك أمر لابد من الاشارة اليه هذا لا يعني ان الاختلاف أو التقسيم الموروث ليس موجوداً بين الشمال والجنوب والوسط والغرب ولا يعني ان التجانس الثقافي أو المذهبي أو القبلي غير موجود بغالبية نسبية في هذه المنطقة أو تلك إلا أن هذه الشروط الغالبة في مكان متشابهة ايضاً في مكان آخر وهذا التشابه قد يؤدي إلى السقوط في فراغات كذلك فإن هذه الشروط غير ناضجة تاريخياً ولا تعطي الذريعة السياسية الكافية للإعلان عن نهوض دويلات وأقاليم باسم الدستور الفيدرالي أو القومية أو الطائفية فالواقع المنقسم موجود قبل الاحتلال إلا أن الحكومة الوطنية بفكرها القومي المدني كان القوة الرادعة لأنها تنظر الى كافة افراد المجتمع نظرة واحدة كمواطنين لهم حقوق مكفولة وعليهم واجبات اساسية ومن اهمها المواطنة بالفعل الميداني الملموس ،المحتل والمنتفعون ومن خلال سياسة فرق تسد زادوه تعقيداً واعتمدوه سياسة وحيدة لتقويض علاقات المجتمع بعد أن نجح في تقويض الدولة بغزوه واحتلاله وهذا ما بدأ ينجح فيه الاحتلال بعد أن فشل مشروعه في الجوانب المعلن عنها ومن اهمها الشرق الاوسط الجديد بالرغم من كل ما نتج عن ما يسمى الربيع العربي ،

أعود قليلا" الى ما أشرت اليه في الحلقة الاولى {{ تدافع أكثر أو أقل من 15 فصيل ينتحل الهوية الدينية والادعاء دفاعه عن مظلومية العراقيين ان كانوا من اهل السنة والجماعة أو من أتباع منهج أل البيت عليهم السلام كل منهم يلوح بوجوب قيام الدولة الاسلامية وفقا" للفهم الذي هو يعتنقه ويؤمن به ان كان وفقا" لمفهوم { نظرية الحاكمية الالهية ، أو ولاية الفقيه }} فأقول إعلان 15 فصيلا" عن وجوب قيام دولة إسلامية في العراق ليس بشرى للأمة العربية ولا يبشر بالخير للشعب العراقي الجريح ، بل ما هو الا حركة الغرض منها تقويض عقلية المواطنة والانتماء الوطني العراقي ضمن معيار الامة والوطن العربي الكبير ، فالإعلان مجرد بيان يشبه تلك التصرفات التي أملت على بارزاني رفع العلم الكردي أو استفتاء شعبي وافق على دستور يجيز قيام اقاليم جغرافية تحت وطأة التوزع الجغرافي للمذاهب والطوائف دون التفكير بمصير الوطن ،

فالمسألة ليست اعلانات وإنما هي تخضع في النهاية لمعادلة الواقع وقوانين التطور السياسي وحين يكون التطور خطوة انفعالية إلى الوراء فمعنى ذلك ان الدويلات لن تحتكم إلى السياسة لتسوية الاختلافات وإنما ستلجأ إلى اسلوب الاقتتال لترسيم الحدود وبما ان الحدود ليست مقفلة لا في داخل العراق ولا في خارجه فالمرجح ان يكون للاقتتال امتداداته للإرادات التي هي التي اوصلت العراق اليوم الى ما هو عليه الان ويمكن ان يتفق الجميع الذين هاجسهم الاول والأخير هو العراق الموحد المستقل سياسيا" واقتصاديا" على ان مشكلة العراق التي اختلقتها السياسة الأميركية لا تقتصر على الكوارث المحلية وإنما خطورتها تكمن في أبعادها الإقليمية وانعكاساتها السلبية على منظومة الأمن واستقرار الاقليمي والدولي

ألله أكبر    ألله أكبر    ألله أكبر
وليخسأ الخاسئون ولتندحر ارادة الشر والأشرار بفعل نشامى العراق ورجاله الاصلاء





الخميس ٤ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / حـزيران / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب زامــل عبـــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.