شبكة ذي قار
عـاجـل










المدخل :

الموضع الدفاعي المستكن ليس دائمًا يحقق نتائج .. الهجوم خير وسيلة للدفاع، ولكن بوسائل متعددة ..

إيران، كما نراها أخذت تتطاول وتتمادى وتتمدد كلما رأت العرب في وضع الأحتجاج والأدانة والدفاع .. والغرب يتحدث، منذ عقود عن تناقضات إثنية ومذهبية، ويلعب عليها سياسيًا وإستراتيجيًا وإعلاميًا . والغريب في الأمر أنه يركز عند طرحها على المنطقة العربية دون غيرها ولا يضع هشاشة إيران في حساباته، ودون أن يتناول تناقضاتها الأثنية والدينية وغيرها بالسوء لا سياسيًا ولا إستراتيجيًا ولا ثقافيًا ولا آيديولوجيًا .

والمؤشر في هذا الأمر واضح يتساوق مع تخطيط الغرب حول مشروع تغيير المنطقة جيو- سياسيًا، ولا يذكر إيران أو يشملها بالتغيير وإلا لكانت هنالك بوادر للدفع بـ ( ربيع ) إيراني أو بالأحرى أكثر من ( ربيع ) في إيران يمكن أن يقلب عاليها سافلها، سواء تعلق الأمر بإضطهاد القوميات الأيرانية أو إضطهاد الأديان الأخرى - عدا الديانة اليهودية الصهيونية - وإضطهاد الطبقات الأيرانية الفقيرة بأساليب القمع وفرض مفاهيم ( ولآية الفقيه ) قسريًا على الشارع، ومنها شريحة الشباب الأيراني العاطل عن العمل ومنهم على وجه التحديد المرأة الأيرانية والطلاب الذين وحدهم يمكن أن يغيروا معادلات الداخل ويضعوا السلطة على حافة الأنهيار.

كما أن هنالك ( تراكم الكبت ) الشعبي في إيران منذ عام 1979 ولحد الآن، حيث قدمت الشعوب الأيرانية الكثير الكثير دون أن تحصل على شيء سوى الأعدامات والسجون وكم الأفواه والجوع ومصادرة الحريات الشخصية والعامة، فضلاً عن ملايين القتلى .. حيث يشن النظام الفارسي الحروب في الخارج منذ مجيء خميني بمباركة الأدارات الأمريكية المتعاقبة ( إدارة كندي - وإدارة جيمي كارتر - وإدارة بوش - وإدارة أوباما ) .. وهذا ما كشفته الوثائق الأمريكية التي رفعت عنها السرية .

حرب على العراق أمتدت ثمان سنوات وما تزال تشنها إيران في العراق إنتقامًا من الشعب العراقي .. وحرب إيران في سوريا ما تزال قائمة لحد الآن .. وحرب مستعرة في اليمن ما تزال هي الأخرى مستمرة .. وحروب خفية تديرها أجهزة الأستخبارات الفارسية في الساحات العربية، التي تمتد من الكويت حتى المغرب، فضلاً عن حروب بالوكالة بتسخير ( حزب الله اللبناني ) لتنفيذ أجندة إستخباراتية في كل مكان ترى دوائر ولآية الفقيه مصلحة فيها، ومنها حدود المكسيك ، وتجارة المخدرات لتمويل فعاليات الأرهاب التي يسخرها النظام الفارسي في المنطقة وغيرها.

والحديث عن تخصيصات ومصروفات او ارصدة صرفها النظام من قوت الشعوب الايرانية تعد بالمليارات على حروبه الخارجية والمشكلات، التي يثيرها تزعزع الامن والاستقرار في بلدان العالم المختلفة، والتي كان من المفترض بناء الاقتصاد الايراني لكي تنتعش شعوبها بترميم الداخل الايراني الرازح تحت تراكم المعانات امتدادا لبذخ الحكم الشاهنشاهي ( شرطي الخليج ) المقرف .

شعبنا العربي في الأحواز مضطهد وكذا الأكراد والتركمان مضطهدون والأذريون كذلك والسنة والشيعة الأيرانيين مضطهدون والشيعة من قوميات غير فارسية مضطهدون.. كل هذا يعطي مؤشرًا قويا ومؤكدا ان نظام ولآية الفقيه :

1- يكره القوميات الأخرى ويضطهدها ويمجد القومية الفارسية .

2- يكره الديانات الأخرى ويضطهدها - عدا اليهودية الصهيونية - ويمجد العبادة الزرادشتية الفارسية ويحترم طقوس النار في يوم أول أربعاء من كل عام .

3- يكره عموم الطبقات الأيرانية الفقيرة ولا يكترث لأوضاعها، إذ يصب إهتماماته على قادة الحرس الايراني ورموز الملالي وطبقة مؤسسات صنع القرار التي تخدم ( ولآية الفقيه ) في مجال الدعم والأسناد والتبرير والأقناع والتدخل لصالح المرشد الأعلى .

4- لا يعير إهتمامًا لمبادئ التشريعات الدولية ومبادئ حسن الجوار، إنما يمارس ( ظريف، وحسن روحاني، وعلي لاريجاني، وشمخاني، وقاسم سليماني، وعلي خامنئي، وعموم جنرالات الحرس، وغيرهم ) أبشع وسائل التحايل والخداع ، فضلاً عن ما يتفوه به ملالي خطباء الجمعة وهم يعبرون عن ترسبات النظام الفارسي تجاه المحيط العربي على وجه الخصوص.

5- إن نظام ولآية الفقيه، يغدُ أبشع نظم الديكتاتورية ( الثيوقراطية ) التي تتحكم بمصير الشعوب الأيرانية، إذ تقود وتتعامل مع دوائر ومؤسسات الحكم كالقطعان وفي مقمتهم ( البرلمان ) الأيراني يليه هيئات ما يسمى حفظ النظام والخبراء، والصلاحيات المطلقة الممنوحة، حسب تركيبة هذه الهيئات لعزل أي شخص أو أشخاص يعترضون أو يعارضون ( ولآية الفقيه ) مهما كانت مناصبهم ومكانتهم في الدولة .

ومع كل هذا ايضًا نجد ان الغرب ساكت ولا يتحدث عن هذه الاوضاع، التي تتعارض مع النظم الديمقراطية حتى في ادنى مستوياتها، كما انها تتعارض مع حقوق المواطنين وحق الشعوب في تقرير مصيرها، فضلاً عن حقوق الانسان المسلوبة على امتداد الأراضي الأيرانية.

الأعدامات بالجملة وعلى الهواء في الساحات العامة، والسجون ممتلئة، والأحتجاز القسري خارج القوانين ليس له حدود، وإشاعة الفسق والفجور بطريقة دكاكين المتعه ومنابر الشعوذه والتخريف ماشية على قدم وساق .. وبالمناسبة ( ظهر على الملأ في طهران خطيب جمعه، وهو من المقربين جداً من خامنئي يقول - إن إساءة لبس الحجاب من قبل المرأة الأيرانية تسبب في شحة مياه الأنهار في إيران .. وبات يصب جام غضبه على النساء ) .

هذا كله مرة ثانية والغرب ساكت وصامت كالموتى .. تتدخل ايران في الشؤون الداخلية للدول العربية والغرب ساكت، ويرسل النظام الايراني مليشياته وحرسه عبر الحدود الى العراق وسوريا واليمن وهو صامت، ويرسل اسلحة وذخيرة في سفن ايرانية تمسك في المياه الاقليمية اليمنية والسودانية وهو صامت، ويرسل اسلحة وذخيرة وحرس ومستشارين عبر العراق بطائرات ايرانية الى سوريا ولبنان وهو ساكت .. يتاجر ( حزب الله اللبناني ) بالمخدرات والممنوعات في اقصى الجنوب الامريكي ويبني الخلايا الفارسية التي تؤيد ( ولآية الفقيه ) بناءً على أوامر المرشد الأعلى ( علي خامنئي ) والغرب صامت .. كافة وسائل غسيل الاموال والتهريب والخداع المصرفي والتحويلات المصرفية الوهمية في اطار الشركات الوهمية، التي يمارسها النظام الايراني والغرب ساكت وصامت .!!

والمغزى كله من هذا الأستطراد ، هو التأكيد على أن الغرب وفي مقدمته أمريكا يسمح لهذا النظام الديكتاتوري ( الثيوقراطي ) الفاسد والفاسق في أن يتمادى ويتمدد ويستكلب على غيره مدعومًا بالصمت الأمريكي والأسرائيلي والغربي .. لماذا ؟ لأن أمريكا والصهيونية تريد النظام الايراني شريكاً لها في حكم الشرق الاوسط، وتريد ما هو أبعد من تشارك ايران في نظام الأمن الأقليمي .. تريد أن يكون نظام إدارة المنطقة يعتمد على ثلاثية لا رابع لها وهي ( إيران- إسرائيل- أمريكا ) ، وإستبعاد تركيا .. هذا الأستنتاج ليس خيالاً، إنما مبني على وقائع وأرقام وأحداث ليس بالوسع تناولها في هذا المقال.

نعود لنقول .. إن النظام الايراني يتمدد ويتمادى ويستهتر في تهديداته، مع أنه في داخله يعيش الهشاشة .. هذا الداخل إذا ما اشتعل لا أحد بمقدوره إطفاءه أبداً، فهو مخزن للتناقضات الأثنية والدينية والمذهبية والطبقية ، يمارس الأرهاب في الداخل والخارج وتستغله الأستراتيجيات الأمريكية والأسرائيلية والروسية لتنفيذ اهدافها .. والنظام الفارسي يستغل هذه الأستراتيجيات وخاصة الأمريكية والروسية لتنفيذ مشروعه الأمبراطوري على حساب الشعب العربي والنظم العربية.

إن صيغة الدفاع المستكن ياعرب لا تكفي لكبح جماح التغول الفارسي، إنما الذهاب إلى خلفيته الأستراتيجية ومحاصرته ومشاغلته وإشعال النيران في داخله .. وهناك من ينتظر، الأحوازيون العرب، والكرد الأيرانيون، والتركمان الأيرانيين والآذريين والبلوش .. إربكوا الداخل الفارسي سيتوقف التمدد الفارسي وينكمش .. هذه هي المعادلة ، المعادلة التي تفرض شروط الحرب كما تفرض شروط السلام .!!





الاربعاء ١٠ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / حـزيران / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.