شبكة ذي قار
عـاجـل










ظلّت العلاقات العربيّة الإيرانيّة متوتّرة على الدّوام وذلك لحفاظ الفرس وتمسّكهم بعدائهم التّاريخيّ وأحقادهم الدّفينة وعنصريّتهم الجليّة تجاه العرب، وعملوا دوما على استهداف الأقطار العربيّة استهدافا متلوّنا حسب الظّروف والمتغيّرات سواء الإقليميّة أو الدّوليّة، كما شكّلوا تهديدا وجوديّا حقيقيّا للعرب عبر احتلالهم التّوسّعيّ الاستيطانيّ الشّعوبيّ للأحواز العربيّة واحتلالهم للجزر الإماراتيّة الثّلاث ناهيك عن حملتهم الإرهابيّة الغادرة على العراق خلال السّنوات الثّماني الأولى من ثمانينات القرن الماضي، واستفحلت الغطرسة الإيرانيّة الفارسيّة الصّفويّة الخمينيّة مع العدوان الكونيّ البربريّ على العراق الذي انتهى بغزوه وتدميره عام 2003 وهو العمل الذي شاركت فيه إيران بإسهاب وسريّة مطلقة فضح أمرها وزير خارجيّتها الأسبق في تصريحه الأشهر والذي يفيد بأنّه لولا الخدمات الجليلة التي قدّمتها إيران لأمريكا، ما كانت لتنجح في احتلال أفغانستان وخاصّة العراق. هذا ولقد تسارعت وتيرة التّهديدات الإيرانيّة للعرب واحتدمت مع أواخر عام 2011 حيث تسلّمت زمام الأمور في العراق بعد اندحار القوّات الأمريكيّة تحت ضربات المقاومة العراقيّة الباسلة، لتتصاعد حملتها المسعورة في إبادة العراقيّين وتخريب النّسيج المجتمعيّ في بلاد ما بين النّهرين مستخدمة ميليشيّاتها الطّائفيّة الإرهابيّة تلك التي تمتهن التّقتيل على الهويّة وتنفّذ خطّة التّغيير الدّيموغرافيّ الآثمة على قدم وساق. وسمحت سيطرة إيران على العراق بإطلاق العنان لعربدتها واستهتارها بالعرب وفق ما يسكنها ويحرّكها من ثارات، فأحكمت قبضتها على السّاحة السّوريّة مكرّرة نفس الجرائم الوحشيّة بحقّها أرضا وشعبا حتّى غدت وصيّا مهمّا على الشّأن السّوريّ كاملا، كما تسرّبت بالتّزامن مع ذلك كلّه لليمن الذي كادت أذرعتها الطّائفيّة أن تجهز على الدّولة اليمنيّة بالكامل لولا صمود شعبه ورفضه للمخطّط الشّيطانيّ الفارسيّ من جهة ولولا التّدخّل العربيّ الإسلاميّ الذي قادته السّعوديّة من جهة ثانية. كما لم تكتف إيران بذلك قطّ، بل تعمّدت طرق كلّ أبواب استهداف دول الخليج وخلخلة أمنها مثيرة البلابل ومذكية للصّراعات المذهبيّة تمهيدا لاقتتال طائفيّ فيها، ناهيك عن تواتر عشرات تصريحات كبار قياداتها العسكريّين والسّياسيّين والدّينيّين الذين يجاهرون بنجاح إيران في احتلال أربع عواصم عربيّة كبرى والكشف عن عزمهم على إحياء الامبراطوريّة الفارسيّة وعاصمتها بغداد فضلا عن التّحرّش المتواتر بالسّعوديّة والتّحريض عليها ما دفع لتنفيذ هجومين إرهابيّين على سفارتها بطهران وإحدى قنصليّاتها دون إغفال تمطّطها النّاعم اندساسها المخاتل في الشّطر الإفريقيّ للوطن العربيّ واستقطاب أعداد مفزعة من بيّاعي الضّمائر والأوطان واجتذابهم للتّشيّع الصّفويّ ليشكّلوا فيما بعد مطيّتها للطّرق أسفل جدار هذه الأقطار كما يفعل العدوّ الصّهيونيّ.

لقد أكّدنا مرارا وأكّد كتّاب ومفكّرون كثر في مناسبات عديدة على أنّ الخطر الإيرانيّ على جسامته، لا يمكن أن يبقى خارج الدّفع والمحاصرة شرط أن يدرس العرب خصوصا الرّسميّون منهم عدوّهم دراسة موضوعيّة لا تبالغ في تصوير نقاط قوّته ولا تغفل مكامن الوهن والخلل فيه، بل وقدّرنا بوضوح أنّ إيران نمر من ورق أو هكذا سيغدو متى توحّد العرب وتفطّنوا للعوامل التي يمكن توظيفها لحسم الصّراع مع الجار المتآمر والحاقد.

وفي ظلّ هذه المعطيات والوقائع، تتنزّل زيارة الرّئيس الإيرانيّ حسن روحاني لبعض أقطار الخليج هذه الأيّام، وهي على عكس ما سوّقت له وسائل الإعلام الفارسيّة والأبواق الدّعائيّة العربيّة التّابعة لها واعتبرتها زيارات بروتوكوليّة ومبرمجة سلفا، وهي خصوصا على عكس ما ادّعاه روحاني نفسه تماما وقد ذهب مدفوعا بعنصريّته وساديّته لدعوة دول الخليج لتلقّف هذه الفرصة الأخيرة لتطوير العلاقات الثّنائيّة وطيّ صفحة في مغازلة مبطّنة للسّعوديّة رأسا.

وتسعى السّلطات الإيرانيّة وأجهزتها الدّعائيّة لإخفاء الدّافع الحقيقيّ والأهمّ لهذه الزّيارة وما رافقها من دعوات تقطع بل وتتناقض مع استعراض العضلات والتّهديدات الجنونيّة التي لم تنفكّ عن إطلاقها يمينا وشمالا منذ سنين، وهو رأسا التّغيّر الحاصل في الموقف الأمريكيّ بعد صعود الإدارة الأمريكيّة الجديدة بقيادة ترامب والتي نسخت وأنهت شهر العسل الذي ميّز علاقات طهران وواشنطن طيلة عهد باراك أوباما وإدارته . فلقد كان أوّل المواقف الرّسميّة والصّريحة التي لا تحتمل كثيرا من التّأويل للإدارة الأمريكيّة هو رفض الاتّفاق النّوويّ مع إيران والدّعوة لمراجعته برمّته، وتلاه توسّع الحديث بإطناب عن دور إيران في دعم الإرهاب بل ووصفها بأكبر الدّول الرّاعية له، وللتّدليل على جدّيّة واشنطن ترامب في هذه المواقف المناوئة لإيران، أصدرت الإدارة الأمريكيّة قائمة أوّليّة لشخصيّات ومؤسّسات إيرانيّة نافذة ومؤثّرة بدوائر القرار الفارسيّ على لائحة وقوائم الإرهاب، ولم تكتف بذلك بل تدرس إدراج الحرس الثّوريّ الإيرانيّ على تلك اللّوائح واعتباره منظّمة إرهابيّة كما تنامت الدّعوات الملحّة لتجديد العقوبات ضدّ إيران وتشديدها وملاحقة منتهكيها.

خلقت هذا التّغيير الكامل في موقف الولايات المتّحدة الأمريكيّة من إيران، حالة من الارتباك والهيستيريا البائنين في الإدارة الفارسيّة وهو ما تنضح به ردّات الفعل الإيرانيّة المتلعثمة والمتناقضة. وبالنّظر لذلك وبالإضافة لفتور العلاقات مع روسيا – وهو التّطوّر الذي تجاهد طهران لإخفائه – لم يبق للفرس من مجال ولا رهان سوى طرق الأبواب العربيّة مكرهين مضطرّين وآملين في الاستفادة ممّا ميّز السّذاجة العربيّة الرّسميّة طويلا وتفويت العرب الرّسميّين لكلّ الفرص التي أتيحت لهم لا للانتقام وإنّما تعزيز سبلهم في الدّفاع عن مصالحهم الحيويّة خصوصا ضدّ الأخطار الجدّيّة والأعداء المباشرين وهم رأسا الكيان الصّهيونيّ وولاية الفقيه.

إنّه لا يمكن التّعاطي مع جولة روحاني الخليجيّة إلاّ من زاوية مساعي إيران لفكّ عزلة وطوق متين بات اكتمال معالم تشكّله حولها قريبا جدّا بل أقرب ممّا يعتقده جميع المتابعين في العالم. بل إنّ الطّرق التي سلكها روحاني في معالمها تؤكّد بوضوح شديد هذا التّمسّح الفارسيّ على العتبات العربيّة. فروحاني ابتدأ زيارته من سلطنة عمان وهي المعروفة تاريخيّا بأنّها أشدّ الأقطار العربيّة تماهيا مع إيران لا فقط منذ صعود الخميني واستيلائه على ثورة الشّعوب الإيرانيّة بل وحتّى في عهد النّظام الشّاهنشاهيّ، ثم يطير من مسقط للكويت وهي المنطقة الرّخوة في الجسم الخليجيّ والعربيّ عامّة، ليستغلّ ثقل الطّائفة الشّيعيّة فيها من جهة، ويبتزّها من خلال الضّغط عليها عبر التّطوّرات الأخيرة خصوصا بعد حادثة خور عبد الله وما سيتبعها.

ويراهن روحاني في زيارته على ضمان وساطة البلدين وخاصّة الكويت بين إيران والسّعوديّة لإدراكه أنّ مفتاح منطقة الخليج بيدها، ويتوقّف مصير علاقات إيران ببقيّة الدّول في الشّرق الأوسط كلّه وتركيا أيضا بطبيعة العلاقات المباشرة مع الرّياض.

إنّنا وإذ نبسط هذه المعطيات والقراءة، فلا يعني ذلك أنّنا نعارض تعاطي العرب مع إيران، ولكنّنا نشدّد على ضرورة التّعامل الواعي والرّصين مع الفرس بما يراعي المصلحة القوميّة العربيّة العليا في الحدود الدّنيا، ولا يكون ذلك إلاّ من خلال استغلال ما تعانيه إيران من اختناق لا مبالغة فيه، ولعلّها الفرصة الأثمن التي على العرب تلقّفها جيّدا واستثمارها لأبعد حدّ.

ولن يكون حسن توظيف العرب لهذه الفرصة إلاّ بمطالبة إيران بانسحابها الفوريّ واللاّمشروط من العراق ودفعها للالتزام جدّيّا برفع يدها عن اليمن والكفّ عن دعمها للمخرّبين في البحرين والانسحاب الكامل من الجزر الإماراتيّة الثّلاث. كما ينبغي وجوبا على العرب الانتقال من مرحلة المفاوضات السمجة والاستجداءات المذلّة لمرحلة جديدة وهي إملاء الشّروط خصوصا على إيران، سيّما وأنّ الظّروف تشي بأنّها لصالحهم الآن في هذا الملفّ تحديدا.

ولا يجب في ظلّ هذه الأوضاع خصوصا التّفويت في أمرين لا يضاهيهما من حيث الأهميّة الاستراتيجيّة أيّ عامل كان، وهما تباعا:

* الانخراط الكلّيّ الواعي والمسؤول في مشروع المقاومة العراقيّة التّحرّريّ الوطنيّ والقوميّ والإنسانيّ بتجلّياته وأذرعته السّياسيّة والعسكريّة وغيرها ودعمه بجميع السّبل.

* الاعتراف بالأحواز العربيّة قٌطرا عربيّا كامل الحقوق، وتحميل إيران مسؤوليّة احتلاله والعمل على تدويل القضيّة الأحوازيّة وطرحها في المحافل الدّوليّة وما يترتّب عن ذلك قانونيّا وسياسيّا وديبلوماسيّا واقتصاديّا، وتحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة والسّياسيّة والدّينيّة في العمل على استقلالها وتخليصها من الاحتلال الفارسيّ الغاشم.

كما يجب التّركيز على الأحواز العربيّة هذه الأيّام خاصّة وهي تعيش على وقع ملحمة بطوليّة كفاحيّة جهاديّة مشهودة في جميع المدن الأحوازيّة وخصوصا مدينة الفلاحيّة البطلة، وهو ما يلقي على العرب مسؤوليّة دعم صمود الأحوازيّين الثّائرين والذّائدين على عروبتهم وتعزيز مقاومتهم.

ليس أمام العرب إلاّ أن يضيّقوا على إيران الخناق هذه الأيّام، وهي التي تتخبّط وتسابق الزّمن لتقليل ما ستتكبّده من خسائر جمّة وعلى جميع المستويات قريبا.

نعم لحوار عربيّ إيرانيّ يكون حدّه الأدنى انتزاع المطالب العربيّة المشروعة واسترداد الحقوق التي اغتصبتها إيران في كلّ السّاحات العربيّة.

وألف ألف نعم لحوار عربيّ إيرانيّ يعمّق أزمات الفرس ويضيّق عليهم الخناق.. ولا بأس من تزامن هذا الحوار أو التّطبيع مع انفتاح العرب على كلّ الشّعوب الإيرانيّة من خارج القوميّة الفارسيّة العنصريّة الشّعوبيّة ودعمها أدبيّا وسياسيّا في ثوراتها المشروعة ضدّ الطّغمة الفارسيّة الإرهابيّة المستبدّة، وهي أفضل السّبل لدفع الفرس قهرا للانكفاء والانحسار.

على العرب ألاّ يفكّوا الخناق على إيران، وعليهم أن يعمّقوا أزماتها.. فلكم عانى العرب من ويلات ومآسي بسبب تآمر الفرس وغدرهم وبطشهم وعنصريّتهم..

إنّها فرصتكم المثلى أيّها العرب، فلا تضيّعوها..





السبت ٢١ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.