شبكة ذي قار
عـاجـل










فوجئ الفلسطينيّون والعرب مؤخّرا بقرار الأونروا القاضي بإدخال جملة من التّعديلات على المناهج التّعليميّة خصوصا في قطاع غزّة المنكوب حيث أٌصدرت الأوامر قصد استبدال عدد من المصطلحات والمضامين التّدريسيّة ذات الدّلالات الخاصّة بفلسطين وقضيّتها ومظلمتها الممتدّة منذ انتصاب الكيان الصّهيونيّ الغاشم واستيلاء العصابات الصّهيونيّة عليها ناهيك عمّا ارتكبته ولا تزال من جرائم مفتوحة بحقّ فلسطين أرضا وشعبا وتاريخا وحضارات.

وفي حقيقة الأمر، لا تتولّد المفاجأة فقط من النّوايا ولا حتّى من الأهداف الإجراميّة التي تنطوي عليها تلك الأوامر أو السّياسة الجديدة لوكالة الغوث وتشغيل اللاّجئين وإن كانت في حدّ ذاتها صادمة ومخيّبة للآمال، ولكن تتعاظم لتبلغ مرتبة الصّدمة الحقيقيّة لما تحمله هذه الخطوة التّصعيديّة المباغتة من انحراف جوهريّ لهذه الوكالة عن الأهداف الأساسيّة التي انبثقت من رحمها فكرة إنشائها.

فالمفروض أن الأونروا وكما يدلّل عليها اسمهما، تتكفّل بغوث الفلسطينيّين وإسنادهم والتّقليل من بعض مظاهر معاناتهم وبلسمة جراحاتهم ناهيك عن توفير الشّغل لهم وغير ذلك من المبادئ النّاظمة لعملها، ومن المفروض كذلك أن تلتزم الحياد في الحدّ الأدنى المطلوب بما يحتّم عليها وجوبا ألاّ تتماهى أو تتقارب مع السّياسات العنصريّة الفاشيّة للكيان الصّهيونيّ الغاصب.

إلاّ أنّ ما صدر عن هذه الوكالة مؤخّرا يقع على الطّرف النّقيض تماما لهذه المبادئ أو المسلّمات، إذ وبالعودة لحزمة التّعديلات الغريبة، نسجّل أمورا بالغة الخطورة تتمثّل رأسا في فرض جملة من التّغييرات في موادّ أساسيّة كالرّياضيّات واللّغة العربيّة والتّاريخ والتّربية الوطنيّة ليصل الأمر مداه حدّ التّوصية الصّارمة بضرورة حذف مصطلحات كالمقاومة واستبدالها بــ " العنف " ومنع أيّ إشارة للسّياسات العنصريّة الصّهيونيّة كالمغتصبات " المعروفة بالمستوطنات " وجدار الفصل العنصريّ وهدم المنازل الفلسطينيّة بلا موجب ودون مراعاة لأبسط الحقوق وتجريف الأراضي الفلاحيّة وإتلاف المحاصيل الزّراعيّة مثلا .

هذا ولا تتوقّف خطورة هذه الخطوة عند هذه الحدود، بل واصلت الوكالة إمعانها في الاستهتار بالحقّ الفلسطينيّ وطنيّا وقوميّا وإنسانيّا لتتجرّأ على شطب خارطة فلسطين من المناهج التّدريسيّة وشطب أيّة إشارة للقدس كعاصمة أبديّة لفلسطين بل جعلت منها مجرّد " عاصمة للأديان الإبراهيميّة ".

إنّ ما أقدمت عليه الأونروا لا يحتاج عبقريّة كثيرة ولا شجاعة كبيرة للحكم عليه أو التّفاعل معه من خارج انّه رضوخ أوّليّ منها للإملاءات الامريكيّة والصّهيونيّة، حيث لطالما تعالت أصوات اللّوبي الصّهيونيّ العالميّ للمطالبة بإدانة الفعل المقاوم الفلسطينيّ وتجريم مقاومة فلسطين ورميها بالإرهاب، وتطالب ذات الجهات بعدم المغالاة إزاء إنشاء المغتصبات العشوائيّة ولا بقيّة السّياسات الصّهيونيّة العنصريّة الفاشيّة الأخرى بتعلّة أنّ ذلك يندرج في إطار حقّ الكيان المسخ في الدّفاع عن نفسه في مغالطة كبرى للرّأي العامّ الدّوليّ وقلب للحقيقة.

ويكتسي قرار الأونروا خطورته ويتوضّح في نفس الوقت من خلال التّطابق التّام بين الأهداف الصّهيونيّة الاستراتيجيّة الكبرى من جهة وبين مضامينه من جهة ثانية.

إذ ما معنى التّعويم المستحدث بخصوص القدس وتحويلها لــ " عاصمة الدّيانات الإبراهيميّة " ؟ أوليس هذا انسجاما مفضوحا مع خطط الصّهاينة القاضية بإنشاء الدّولة اليهوديّة وهو ما يستوجب بادئ الأمر إنهاء السّجال حول هويّة القدس بتجريدها من بعدها العربيّ الضّارب قدما في جذور التّاريخ؟؟ وما دلالات شطب فلسطين التّاريخيّة من الخارطة واستبدال أسماء أحيائها ومدنها؟؟ وهل لهذه الخطوات من تفسير إلاّ مزيد طمس الهويّة العربيّة الأصيلة للقدس تمهيدا لتمييع الصّراع وإخراجه من دائرة صراع الهويّة والحقّ لصراع الأديان والأساطير الذي لا ينتهي؟

أليست هذه القرارات في جوهرها إعلان حرب جديد بحقّ فلسطين؟ ألا تعدّ هذه الخطوة انقلابا دوليّا جديدا وتفصّيا مضافا من المسؤوليّة القانونيّة والسّياسيّة والأخلاقيّة تجاه فلسطين التي تعترف بها مواثيق الأمم المتّحدة ذاتها ؟

إنّ قرار الأونروا الفاجعة، لا يتوجّب القبول به لا على المستوى العربيّ الشّعبيّ أو الرّسميّ فقط، بل ينبغي أن يكون وجهة لثورة قيميّة وحضاريّة ومبدئيّة إنسانيّة ذلك لأنّه يشكّل طعنة جديدة لفلسطين ويؤذن بانتهاء الضّمير الإنسانيّ وبموت الشّعارات الكونيّة من قبيل حقوق الإنسان ونصرة المظلوم ومؤازرة قوى المقاومة وحركات التّحرّر الوطنيّ.

وتتضاعف المسؤوليّة على العرب باعتبارهم أولى النّاس بالتّداعي لنصرة فلسطين، لأنّه إذا ما تواصل التّقاعس والتّخاذل فلن ينجو من تداعيات هذه الخطوة الخطيرة أحد، لأنّ تهويد فلسطين لم يعد الكارثة الكبرى التي قد تعصف بالعرب حيث انضافت له المخطّطات الشّيطانيّة الحثيثة لفرسنة العراق والأحواز العربيّة وسوريّة واليمن وغيرها.
 





السبت ٢٧ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.