شبكة ذي قار
عـاجـل










ليست الموصل بيتا يدمر ثم تنطوي قصة تدميره ويلفها النسيان، فهي ثاني أكبر مدينة عراقية بعد العاصمة بغداد، وقد عوملت وأهلها وفق سياسة الأرض المحروقة عند طرد مسلحي تنظيم داعش منها، وشاعت قصص العائلات المدفونة تحت منازلها، التي دمرتها قوات الحكومة وطيران التحالف بلا رحمة، ثم إجهاز الميليشيات الإيرانية على ما تبقى منها.

إن الدعوة ملحة الآن، إلى القيام بحملة شعبية واسعة عنوانها “من دمّر الموصل؟” لمحاكمة كل من أسهم في ذلك التدمير البشع وعدم الاكتفاء بجولة الفنانة العالمية أنجيلينا جولي سفيرة النوايا الحسنة بين خرائب الموصل وذرفها للدموع من دون أن تطرح هذا السؤال المهم : من دمر الموصل ؟

وبدأت فعاليات شعبية عراقية، بالفعل، تتهيأ لتنظيم مثل هذه الحملة لكي لا يذهب دم هذه المدينة العريقة هدراً.

في قضية الموصل ومناقشتها والحديث عنها، وقع العراقيون تحت أكبر ابتزاز، فما أسهل أن يُنعتَ من يريد مناقشة القضية بموضوعية بأنه داعشي، لذلك تجنب الكثير الخوض في هذه القضية مما جعلها مسكوتاً عليها ومحاطة بالكتمان لا يعلو فيها سوى صوت الجاني، الذي تحت سيطرته قاعدة المعلومات، وليس بمقدور الضحية التأثير في قاعدة المعلومات هذه، ومن شأن هذه الحملة الشعبية المذكورة أن تُسمعَ العالم صوت الضحية بعد أن ملأ صوت الجاني الأرجاء.

والضحية هنا، هم العراقيون عامة والموصليون خاصة، فالأخيرون وقع عليهم العدوان والأذى من داعش ومن “المحررين”، والأولون دُمرت ثاني مدينة في بلدهم كانت تمثل مخزون تاريخهم وتراثهم.

وفي حينها، أعدّت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي تقريرا حول سقوط الموصل بيد تنظيم داعش، واكتفى البرلمان بالتصويت عليه وإحالته إلى القضاء العراقي، ولم تشهد جلسة التصويت جدلا بين أنصار رئيس الحكومة السابق نوري المالكي المتّهم بالتقرير، وخصومه، كما كان متوقعا، إذ هدد نواب ائتلاف دولة القانون بالاستقالة إذا لم يحذف اسم المالكي، الذي طلع بتصريح يسفّه فيه التقرير، واصفا النتيجة التي توصّل إليها بأنها لا قيمة لها، وتعهد رئيس المجلس سليم الجبوري في بداية الجلسة لنواب ائتلاف دولة القانون بالاكتفاء بطلب التصويت وعدم قراءة تقرير لجنة التحقيق خلال الجلسة.

وفي حركة استعراضية أعلن الجبوري، في مؤتمر صحافي عقده عقب انتهاء الجلسة، قائلاً إن جميع الأسماء الواردة في تقرير لجنة الموصل ستحال إلى القضاء والادعاء العام وهيئة النزاهة، مشددا على أنه “لا يوجد أحد فوق القانون، مهما كانت مناصب الأشخاص الواردة أسماؤهم، وعدم استثناء رئيس الحكومة السابق نوري المالكي من الإحالة إلى القضاء وفق ما ورد من توصيات في التقرير”.

وكان آخر الذين تم التحقيق معهم هو أثيل النجيفي، محافظ نينوى، الذي استغرق استجوابه أكثر من 7 ساعات متواصلة، والذي قال إن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقائد الشرطة الاتحادية كانا السبب الرئيس في سقوط مدينة الموصل في يونيو 2014 بيد عناصر داعش.

وقيّم تقرير اللجنة الأموال، التي ذهبت ظهيرة سقوط الموصل بيد تنظيم داعش، بـ600 مليون دولار أميركي، أما قيمة المعدات العسكرية، التي تركتها القوات العراقية لتنظيم داعش، خلال الانسحاب من الموصل، فقدّرتها بـ2 مليار دولار أميركي.

وكانت النتيجة أن القضية لفلفت ولم يقدم أي من الذين وردت أسماؤهم في التقرير لا إلى القضاء ولا إلى الادعاء العام ولا إلى هيئة النزاهة، وشرب المقلب من شرب لكن العراقيين لم ينسوا شيئاً من ذلك.

والأسماء الواردة في التقرير والتي تسرب إلى الصحافة الكثير منها أظهرت تورط شخصيات سياسية أبرزها القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ورئيس أركان الجيش بابكر زيباري ومحافظ نينوى أثيل النجيفي، بالإضافة إلى أسماء شخصيات أخرى منها قائد القوات البرية السابق الفريق أول ركن علي غيدان، ومدير الاستخبارات العسكرية السابق الفريق حاتم المكصوصي، ومعاون رئيس أركان الجيش لشؤون الميرة السابق الفريق الركن عبدالكريم العزي، وقائد عمليات نينوى السابق الفريق الركن مهدي الغراوي، ووكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي، فضلاً عن قادة في الجيش والشرطة والشرطة الاتحادية بالإضافة إلى كل من مدير دائرة الوقف السني في الموصل أبوبكر كنعان، ونائب محافظ نينوى السابق حسن العلاف، ومسؤول صحوة نينوى عضو مجلس العشائر أنور اللهيبي.

ثم جاء العبادي ليكون بطل “تحرير” الموصل، ذلك “التحرير” الذي كان تدميراً للمدينة وقتلاً لأبنائها الذين مازالت جثث الكثير منهم تحت الأنقاض، بعد أن حذرتهم القوات المهاجمة من مغادرة منازلهم ولم تسمح لهم بطريق آمن ينجيهم من الهلاك، بحجة أن مسلحي داعش قد يتسربون من هذا الطريق وينجون.

إلى الآن، لم تشكل أي لجنة للتحقيق في قضية تدمير الموصل، وحتى إذا شكّلت مثل هذه اللجنة فمن الضامن أنها لن تنتهي إلى مثل ما انتهت إليه لجنة البرلمان الخاصة بالتحقيق في قضية سقوط الموصل بيد داعش؟





الجمعة ١٥ شــوال ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / حـزيران / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.