شبكة ذي قار
عـاجـل










للعام الخامس والعشرين علي التوالي تنظم “مؤسسة روح فاس” مهرجانها العالمي للموسيقي الروحية تحت شعار “فاس ملتقى الثقافات” للفترة من 14-22 حزيران ٬حيث شاركت فيه هذا العام أكثر من ثلاثين دولة ـ يحظى المهرجان برعاية ملكية رفيعة ٬ فقد تم افتتاحه من قبل الاميرة مريم وحضور واسع من المعنيين بشؤن الفن والثقافة في المغرب ودبلوماسيو القنصليات الأجنبية وعدد كبير من الزوار الأجانب الذين حضروا من دول مختلفة لمشاهدة عروض الموسيقى الروحية العالمية ـ

يحسب للمغرب إقامة هذا المهرجان العالمي قبل عقدين ونصف من الزمن أي قبل موجة واسعة من النشاطات والمبادرات الدولية تخص حوار الحضارات والثقافات والديانات ٬ يحسب للمغرب أيضا أصالة هذه المبادرة المتجذرة في حواضره منذ قرون وخاصة في مدينة فاس ٬ العاصمة السياسية القديمة ومدينة العلم والدين والثقافة التي ما تزال أثارها شاهدة على تأسيس اول جامعة في العالم بمبادرة امرأة هي فاطمة الفهري ـ فاس ملتقى قوافل المسافرين من افريقيا ومن مصر والمشرق العربي وغيره للتجارة ولطلب العلم والاقامة والعمل كانت بحق احدى المدن الكبرى التي نراها اليوم ٬ مدينة انفتاح وتسامح وتلاقح واستقبال تترجم بأجمل الطرق قيمها المادية والروحية ـ

على خطى السلف وخطى أجيال واجيال ٬ يتسلم الأبناء أرث اجدادهم وروح مدينتهم لينهضوا بها ويعيدوا لها ألقآ ومكانة تستحقها الى يومنا هذا لتكون واحدة من اجمل المدن التي تستقبل الزوار من مختلف انحاء العالم ٬ بدءا من إعادة ترميم الأماكن التاريخية مثل الاسوار والمدارس والزوايا والابواب والقيصريات { مجمع أسواق على الطريقة الإسلامية القديمة } والدور والرياض التي تمتلئ بها المدينة ذات ال 9900 شارعا ودربا وتضفي عليها جمالا وجاذبية تشد الزائر لها بقوة ـ

فاس مدينة الاسوار التاريخية العريقة ٬ هي أيضا مدينة اجمل الأبواب التي تخفي ورائها ترف ديار ورياض بزخرفها وفن السيراميك المبهر فيها ٬ تحتضن تاريخ حضارات وحضارات توائم بينها في فن العمارة والاثاث وأنواع الاعمال الحرفية التي لا تعد ولا تحصى ـ لقد أراد المسؤولون ان يكون المهرجان تعبيرا لإحياء فاس وانتشالها من غفلة الزمان فتألقت وصدحت روحها مع روح الآخر الذي جاء اليها ينهل من عبقها واصالتها وينصهر فيها ـ مهرجان الموسيقي الروحية العالمية يعيد لفاس موقعها ٬ بودقة للثقافات ٬ ملتقى للإنسانية بأجمعها ـ ومن الجميل ان يكون تاريخ فاس لقرون هو تاريخ مدينة يزورها القاصي والداني وان تكون مركزا دينيا لمرقد مؤسسها مولاي ادريس ومزارا لمرقد احمد التيجاني ومريديه الذين يزيدون على ثلاثمائه مليون تابع ٬ وان تستمر في هذا القرن الواحد والعشرين وعصر تكنولوجيا المعلومات وتطوراته العاصفة بالمجتمعات ٬ بأجتذاب شبابا ومسنين من مختلف القارات وخاصة اوربا فرحين وتواقين٬ لديهم فضول كبير وجميل لاكتشاف المدينة وخبايا كنوزها الفنية التي تكشف للزائر عن روحها والعلاقة الوطيدة التي ما تزال قائمة بين الأرض والسماء بأجمل ما يمكن التعبير عنه من عمارة وفن ولباس وحرف ـ

في ديكور فخم ورائع مستوحى من فن الزخرف والعمارة الإسلامية ٬ تمتع الحضور بحفلات الفنان سامي يوسف الذي أبدع في احتفالية الافتتاح ٫ غنى لجمهور مشدودا له ولفرقته حتى اخر دقيقة ٬ وانشدت اوركسترا شباب العالم مع الفرقة الاندلسية لمدينة فاس٬ اما مارسيل خليفة فقد تألق بشكل استثنائي٬ غنى مع جمهور محب له ولفنه بتناغم كامل وفاجىء الجمهور بأبنه المبدع رامي خليفة الذي ترك عزفه على أله البيانو الجمهور مسحورا٬ وقدمت فرقة “الكوسبل شوار” التي غنت في زواج الأمير ويليام وميغان عرضا رائعا ومثلها فرق الصوفية السنغالية والصوفية الكوبية للغناء والرقص وسلطنة عمان وأذربيجان ـ

ولم يقتصر المهرجان على الموسيقى الروحية بل ان مؤسسة روح فاس تنظم بموازاة المهرجان ندوات مهمة للنقاش تتناول المواضيع الانية التي تطرح أسئلة كثيرة على المجتمعات الحديثة وتتطلب أجوبة ومعالجات ـ وقد توزعت مواضيع هذا العام على ثلاثة محاور هي معرفة الآخر قبل الحكم عليه ٬ الأسس الضرورية لاعتراف متبادل بين الثقافات وطرق الحياة في المدن التقليدية والقيم الروحية والاحترام التي تحملها ٬ حاضر فيها أسماء معروفة ورصينة في الفلسفة والاجتماع والتاريخ مثل فوزية شرفي وهند تارجي وحليمة حمدان وفرانسوا مارتينيه وفودي سيلا وخالد ذكري ـ تعيد مثل هذه الندوات وحوار الحضارات موقع مدينة فاس التاريخي الذي كان في عصوره الذهبية مركزا فكريا تمتزج فيه كل الديانات وتلتقي فيه شعوب البحر المتوسط وحضاراته المتعددة المتفتحة بالقارة الافريقية التي يحج سكان بعض دولها لليوم مزار السيد احمد التيجاني ـ

في أحدى العروض التقينا بالسيد عبد الرفيع زويتن رئيس المهرجان ٬ والشخصية المغربية المعروفة في الوسط الثقافي والسياحي المغربي والمشهود له بالكفاءة والمهنية التي تجلت بتنظيم عال ومتميز للمهرجان ولفعالياته المختلفة التي توزعت على مواقع اثرية في المدينة وتطلب عملية لوجستية تبدأ من الرباط ٬ فتحدث لنا عن أهمية المهرجان اليوم دوليا فقال : عام 2018 ٬ خصص اليونسكو شراكة رسمية مع مؤسسة “روح فاس ” وذلك بأجماع لجنته التنظيمية ٬ كما جعلت الأمم المتحدة من مهرجان فاس ومنتداه للحوار نشاطا يساهم بطريقة فعالة في حوار الحضارات ” ـ

على ارض الواقع ٬ في المدينة وفي كل زواياها ودورها ٬ رياضها الكثيرة واسواقها الزاخرة٬ يبدو المهرجان احد الجوانب الثقافية والسياحية المهمة التي تنهض بعاصمة سطع مجدها في عصور على العالم العربي والإسلامي ٬ سطع على حوض المتوسط وعلى اوربا كما على افريقيا ٬ لتكون من جديد مزارا ووجهة ثقافية وسياحية من الطراز الأول ـ





الاحد ٢٧ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.