شبكة ذي قار
عـاجـل










قدر لبنان أن يكون دولة "طوائف" في مساحته الصغيرة، تدين بولائها، أي "الطوائف"، سواء كان برضاهم أو بالإكراه، لأمراء يستغلونها لتنفيذ أجندات الدول التي يدورون في فلكها ويسبحون بحمدها، الإقليمية منها أو العربية أو الدولية، إن على خلفية المال أو على صعيد تكريس الزعامة أو الانتماء الديني، لا فرق، طالما أن كل هذا يصب في خدمة أعداء الأمة وهتك أمنها القومي ومصادرة حريتها وسيادتها.

وفي مئوية إعلان دولة لبنان الكبير يبدو جلياً مدى ضخامة المخاطر المحدقة فيه وخصوصاً

الظروف التي تؤسس لحرب أهلية جديدة لتكون ملاذاً لأمير طائفة تمكن من خلالها الهيمنة والسيطرة على مقدرات الدولة، وبدأت تشعر تحت وطأة الأحداث الإقليمية والعربية والدولية المستجدة، أن مدة صلاحيتها قد شارفت على الانتهاء بعدما تم استنزافها في حروب عبثية خارج الوطن، ساهمت في تقويض الأمن القومي، ورفعت منسوب التفرقة والتشظي في الأمة، وستفضي عما قريب عن تسوية ما، يشارك فيها القوى الإقليمية ( وطبعاً وليهم الفقيه إحداها ) والدولية لتعيد الوضع إلى طبيعته في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وعلى قاعدة من أصعد الحمار إلى المئذنة كفيل بإنزاله، وتم تحقيق الأهداف المرجوة!!

صحيح أن لبنان قد شهد حروباً أهلية عديدة ناهيك عن اعتداءات واجتياحات صهيونية متتالية إلا أن الحروب الأهلية ( الطائفية ) هي آفة لبنان، وكان أبطالها دوماً أمراء تلك الطوائف الذين ينفذون مخططات أسيادهم.

ولكن هذه المرة الوضع مختلف تماماً عما جرى في الماضي القريب، إذ إن حزباً موالياً لإيران الشر قد هيمن على الساحة اللبنانية من خلال مصادرة قرار الطائفة الشيعية الكريمة وفرض معادلة "فسادكم مقابل سلاحنا"، ومشهد مقاومة العدو الصهيوني ما هو سوى نضال حق يراد به باطل، وذريعة لشد عصب الطائفة وحلفائها، وقوة مخيفة لباقي الطوائف والهيمنة على الدولة وقرارها التي أصبحت دويلة في دولة الولي الفقيه!

إن ما شهده لبنان السبت في ٨٦٢٠٢٠ لهو امتداد لثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩ التي شهدت انتفاضة جماهيرية واسعة عابرة للطوائف والمذاهب وهو أيضاً جرس إنذار لما بعد هذا اليوم، الذي شهد شراسة الفساد وحليفه السلاح في قمعها وإفشالها كتظاهرة مطلبية معيشية وسيادية دون وازع من ضمير أو حس وطني على الأقل!

لا مفر للثنائي المهيمن على لبنان، وعنينا الفاسدون وحامل السلاح، سوى الهروب إلى الأمام حتى لو أدى الأمر إلى حرب أهلية طائفية ينخرط فيها الجميع، ويرجع لبنان إلى الوراء عشرات السنين إكراماً للولي الفقيه ودولته الفارسية المزعومة، مستخدماً لشعارات سمعناها منذ تشرين ٢٠١٩ ولغاية الأمس، تردد مفردات "شيعة.شيعة" صفوية المنشأ فارسية الهدف لكيلا يتيح للوحدة الإسلامية أن تشق طريقها بين صفوف المسلمين وتصلح ما أفسده الفرس المجوس وأحدثوه من شرخ عميق بين العرب خاصة والمسلمين كافة.
أو يقوم بمهاجمة العدو الصهيوني كورقة أخيرة يستخدمها ليبقى على قيد الحياة، وليقوم الأخير "العدو الصهيوني" بتدمير ما تبقى من بنى تحتية، وهي بالأصل مهترئة، وبذلك يضمن بقاء هيمنته وسطوته على لبنان كونه الوحيد الذي يملك السلاح وجيش بكل ما للكلمة من معنى مدجج بالخبرات القتالية التي استمدها من المعارك في سوريا والعراق واليمن، وكذلك يضمن استمراره جندياً في خدمة إيران الصفوية وأطماعها المعروفة بالوطن العربي.

إن "لبنان الكبير" ليس سوى مسخ هجين، تم التلاعب بجيناته الوراثية حتى ولد مشوهاً تعتريه العلل الطائفية والمذهبية، ليكون خنجراً في خاصرة الأمة، يؤدي رسالة التفرقة والفرقة وجندياً مرتزقاً لكل من هب ودب، والضحية دائماً المواطن الذي يتوق إلى أن يكون مواطناً في دولة مؤسسات حيث إن القانون هو الذي يسود وهو فوق الجميع، لا محاصصات طائفية فيه بل المواطنة بأسمى معانيها، وهي الوجهة الصحيحة ليصبح لبنان سيداً حراً عربياً، ولا سبيل لذلك إلا باستمرار مسيرة ١٧ تشرين التي أثبتت أنها المدماك الأول لبناء لبنان حر مستقل عربي، وهذا ما أرعب "أكذوبة" العهد القوي بكل مكوناته.





الخميس ٢٧ شــوال ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أبو كفاح نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.