شبكة ذي قار
عـاجـل










عام مضى على انتفاضة شعبية تحولت إلى ثورة سلمية نموذجية في العراق ولبنان وشعارها وبكل بساطة وصدق ووطنية فقط "نريد وطن"!مطلب بسيط وواضح وإنما في مضمون فاضح لمواطن يريد وطن في وطنه؟ كيف هذا!

لقد أصبح المواطنون في العراق ولبنان بلا وطن حقيقي يجسد آمالهم وطموحاتهم في عيش كريم ومستقبل آمن وواعد وهذا الحد الأدنى لحقوق المواطنة في دولة يسود فيها الدستور والقانون وعقد اجتماعي بالتراضي بين جميع مكونات الشعب الدينية والعرقية بحيث يكون الجميع تحت سقف الدستور ويسري فيه مبدأ محاسبة الطبقة الحاكمة من رؤساء ووزراء ونواب وقضاة وغيرهم ممن امتهن الشأن العام تماماً كما يسري على باقي أفراد الشعب.

فالقانون هو المعيار الذي يؤشر على رقي المجتمعات ومتانة أواصر اللحمة بين الحاكم والعامة ليتبلور إلى دولة حقيقية جديرة بالاحترام الدولي والتعامل معها على أساس الند للند وليس كدولة تدور في فلك محاور إقليمية ودولية لا قيمة لها ومحتقرة ممن يسيطر عليها قبل أن يحتقرها العالم وتصبح أرضية خصبة لتمرير مشاريع معادية للشعب وتكون الخاصرة الرخوة للأمة حيث تتلقى فيها الطعنات تلو الطعنات لينهار من جرائها الأمن القومي العربي وعلى الأقل في مشرقها العربي حيث البوابة الشرقية.

وأهم إنجازات ثورة تشرين في العراق وبعد عام على اندلاعها أنها عرت الطبقة الحاكمة الخاضعة للاحتلال الإيراني المباشر عبر أدواته العراقيين من الميليشيات الطائفية القذرة الذين يمارسون السرقة باسم الدين، والخرافة والخديعة والقتل والاختطاف ورجالُ دين يباركون فسادهم، وقضاءٌ وهيئاتُ نزاهة تحميهم وتتستر على فضائحهم، ومفوضية انتخاب تفصل لهم ديمقراطيتهم المغشوشة، وسماسرة ومصارف تعاونهم على تهريب المليارات المنهوبة إلى الخارج، وبنك مركزي يُشرعن هذه الخيانة، ويعاونهم لفيف من الخونة من الطوائف الأخرى بغية الاستفادة وبدون وازع من ضمير، فتراهم جميعاً يتفاوضون ويتحاورون ويتبادلون النصائح من أجل اختراع أنجع وسيلة للقضاء على الثورة وإعادة الثوار إلى منازلهم فيرسلوا الملثمين والمدسوسين الذين يطعنون بالسكاكين ويطلقوا الرصاص الحي أو يتجسسون على الثوار لتقوم العصابات الغادرة باختطافهم، ويحاولون الالتفاف على مطالب الثوار بإعطائهم بعض من المطالب البسيطة والملغومة وبشرط أن لا تمس مكاسب الفاسدين ومصالحهم.

أما الثوار وقد تنامت قواهم وانضم معظم الشعب إلى صفوفهم في مطالبهم الشعبية المحقة وثار الأهالي من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال والوسط وبغداد، أملاً بعراق حقيقي حيث تتراقص فيه الآمال والأحلام بدولة جديدة متحضرة مؤسساتية ووطن خال من الاحتلالات ودون وسيط ووصي ليعيدوا الوطن إلى أهله مستقلاً واحداً موحداً عامراً ومزدهراً وآمناً كغيره من دول العالم المتحضر التي تحترم نفسها وأهلها.

أما في لبنان فإن طلابه من قلب الشعب، هم قلبه المتفجّر ثورة، يهتفون ثورتنا كرمال بلادنا "ونحنا مش زعران ومش قابضين مصاري متل ما عم يحكوا علينا" حتى إنهم باتوا لا يخشون ضياع سنة دراسية من عمرهم مرددين نحن عم نبني بلد ومعليش إذا ضيّعنا كم يوم وحتى كم شهر، كلو بيتعوض بس إذا طار البلد ما بيعود في حدن يعوّض عليه وهيدي هلأ ثورتنا" و يصرخون “ثورة ثورة ثورة”.​

توضح للراي العام فئة من الثوار في لبنان من طلاب المدارس والجامعات بعدما تملكهم اليأس من وجود وطن حقيقي يضم مختلف مكونات الشعب وعلى أساس المواطنة الجامعة بعيداً عن التعصب والتقوقع الديني والطائفي في دولة أساسها الدستور الخالي من التحاصص الطائفي الذي كان سبباً مزمناً في اندلاع مواجهات طائفية مسلحة عبر مئة سنة على ولادة لبنان الكبير بهمومه والصغير بمساحته وصولاً إلى تشرين ٢٠١٩، حيث شهد لبنان أفظع المآسي وأشدها وقعاً منذ نشأته إن على الصعيد السياسي والاجتماعي، فكان دستوره الطائفي الذي وضعه المحتل الفرنسي قبل رحيله سبباً في الوبال الذي تعرض له ولم يزل واستفاد منها أعداء لبنان وحتى أقرب أشقائه ليكون حلبة صراع وبديلاً عن الصراع في أوطان المتحاربين من ثورات أهلية واجتياحات صهيونية متعددة وهيمنة شبه احتلالية من قبل النظام السوري الذي لم يتوان لحظة في تدمير السياسة الداخلية وحتى الخارجية للبنان وعاث فيه الفساد وسرقة المال العام بالتعاون مع الطبقة الحاكمة التي عينتها دمشق وصولاً إلى القضاء على الأحزاب اللبنانية واستبدالها بحزب طائفي مذهبي قبلته طهران ووجهته الوطن العربي الكبير في استعادة حلم الإمبراطورية الفارسية بغلاف ديني هذه المرة وتحت راية الولي الفقيه وتصدير الثورة الصفوية لتحل مكان كل الأديان والمذاهب الأخرى، وكأن القرامطة قد بعثوا من جديد!!

إن مكابرة أدوات إيران في لبنان تحول بين الثوار وتطلعاتهم لدولة حقيقية يتساوى فيها الجميع تحت سقف الدستور والقانون في دولة مدنية الجميع فيها سواسية ويكون المعيار الرجل المناسب في المكان المناسب، وهذا يؤدي حتماً إلى تأجيج الشارع مجدداً إذ إن اللبناني خسر كل شيء ولم يعد يخشى سوى على مستقبل أولاده الذين يحلمون في السفر والهجرة طالما أن حثالات إيران يرددون كذباً الموت "لإسرائيل" والموت لأمريكا بينما في الواقع لا أمريكا ماتت ولا "إسرائيل"، إنما فعلياً الشعب اللبناني هو الذي مات وإيران تعيث فيه الخراب والدمار.
وهيهات منا الذلة .. والله المستعان.





الجمعة ٢٢ صفر ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / تشرين الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أبو كفاح نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.