شبكة ذي قار
عـاجـل










أيها الرفاق
يا أبناء امتنا العربية

في تاريخ الأمم والشعوب محطات وانعطافات منها المظلم الأسود، ومنها الناصع البهي، الذي لا يمكن أن تنساه أو تتجاوز عنه.

لقد عاشت الأمة العربية في بدايات القرن العشرين الكثير من الانتكاسات والمآسي، فمن تقسيم الوطن العربي بين الدول الاستعمارية والاحتلالات المتعددة، إلى نكبة الأمة في سنة ١٩٤٨، والعدوان الثلاثي على مصر العربية في سنة ١٩٥٦، حتى نكسة حزيران سنة ١٩٦٧، هذه الانتكاسات والمآسي جعلت الجماهير العربية في حالة يأس واحباط، وفُقِدَت الثقة بين الأنظمة وشعوبها، وأصبحت الحالة العربية المزرية تنتظر فرجاً إلهياً يخلصها ويمضي بها إلى مرحلة مختلفة عما تعيشه.

في السابع عشر من تموز ١٩٦٨ أشرقت الشمسُ واضحة جلية، دون أن يعكر صفو سمائها أي تلبد للغيوم، لتعلنَ أنها ستمنحُ المؤمنينَ نورها ليشقوا طريقهم ويمضوا نحو هدفهم.
في تموز الخير أعلن فتيةٌ آمنوا بربهم وبقضية شعبهم أنهم ماضون نحو الخلاص من طغمةٍ أفسدت وطغت، وأنهم مستعدون لتقديم كل التضحيات التي يستحقها هذا الطريق، فكان تموزهم تضحيةً وبسالةً وسخاء في العطاء، فكان شهرُ تموز ١٩٦٨ في العراق أولهُ إيمان ملأ قلوب ثواره، وأوسطه تضحية فداء للعراق والأمة، وآخره ثبات على العهد والمطاولة.

أيها الرفاق المناضلين
يا شعب أمتنا العربية المجيدة
إن تموز شهر تغيير، شهر الثورات، تهز فيه الشعوب عرش الحكومات، فتموز في الأدبيات السياسية، هو شهر الثورات الكبرىالتي غيرت وجه العالم، فكان أبرزها الثورة الفرنسية على مستوى العالم، والثورة المصرية على مستوى العالم العربي، إلى جانب العديد من الأحداث المهمة التي هزت العالم وأثرت فيه، ولاتزال تداعياتها مستمرة،بالإضافة للعراق حدثت فيه معظم الانقلابات والثورات، وغيرت مجرى الحياة السياسية على مستوى البلاد.

إن أبطال العراق، الذين فجروا ثورة السابع عشر - الثلاثين من تموز، وجدوا الماء السحري المقدس الذي أعاد للعرقَ والأمة الحياةَ والنهوض فكان تموزهم حياً نابضاً بالخير والثورة والنهوض للأمام.

ففي السابع عشر من تموز حدثت حركة غيرت وجه العراق والمنطقة والعالم، تم فيه الإطاحة بنظامٍ بلغ الاهتراء فيه أشده، نظام ضعيف مخترق.
فرغم غليان تموز وشدة حرارته، لم تٌسفك فيه قطرة دم واحدة، فقد كانت ثورة بيضاء ناصعة مشرقة كإشراقة خيوط الشمس في سماء ملبدة بالغيوم.

إن من حق العراقيين والعرب أن يتفاخروا ويرفعوا رؤوسهم عالياً، فثورة تموز في العراق هي محور الفخر والاعتزاز، وهي صنعت تاريخ العراق الحديث الآمن السيد المستقل والقادر على النمو والتطور حتى في أحلك ظروف مواجهته للعدوانات التي تعرض لها، ومنها الحصار الإجرامي الغاشم الذي فرضته قُوى الامبريالية العالمية.

لقد تمكنت ثورة تموز أن تجمع في سماتها وخصالها ومميزاتها بين الداخل العراقي والمحيط العربي الذي اعتبرته امتدادها الطبيعي الذي لا يمكنها الاستغناء عنه، كما استطاعت أن تجمع بين الطموحات النبيلة وبين القدرات والطاقات الهائلة التي يمتلكها الشعب العراقي والعربي لنقل تلك الطموحات إلى واقع مرئي.

أيها المناضلون… يا أبناء أمتنا العربية
لقد كانت ثورة تموز في العراق تستحضر كل المشروع القومي الذي وضعه حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الذي آمن بأمته وقدرتها على النهوض، وخاصة في جوانب التنمية الشاملة والاقتصاد والتربية والتعليم والعلم والقطاعات الخدمية التي من شأن تطويرها والارتقاء بواقعها، وسعيها كي يرى الإنسان الحياةَ تسير إلى الأمام كل يوم دون أي اغفال للمهام الرسالية للبعث، وفي مقدمتها وحدة الأمة العربية كحقيقة ثابتة في حياة العرب.

لم تغفل ثورة تموز وقادتها عن هذه الجوانب والسعي لازدهارها حتى في سنواتٍ كانت الدولة والشعب تقاتل لتحمي العراق والثورة من التآمر الداخلي والعدوانات الخارجية، التي تمثلت في عدوان خميني على العراق الذي استمر لثمان سنوات، لم يغفل العراقُ خلالها عن المضي في البناء والتطوير، ففي أصعب الظروف التي مر بها العراق تحت العدوانات الخارجية الغاشمة المجرمة المصممة لذبح التجربة العروبية الرائدة في العراق كانت الخدمات تدام والأضرار تصلح والخبز يصل لكل بيت والأمان تفرضه روح الطهر الوطني للبعث وللشعب العراقي النبيل.
لقد ارتبطت ثورة تموز المباركة بالإنسان العربي كما ارتبطت بالإنسان العراقي، لنها كانت تشكل ارتباطاً عضوياً متيناً، فصانت الأرض والعرض والشرف والمال، للعراقيين والعرب، وهذا أثبته جيش العراق المقدام في تشرين ١٩٧٣، وفي غيرها من الوقائع التي ما زالت ماثلة في ذاكرة الأمة.

لقد كانت الأمة العربية بحاجة ملحة إلى الديناميكية الثورية التي افتقدتها في عصرها الحديث، وكانت بحاجة ملحة أيضاً للتعاطي مع دول العالم على أساس مختلف عما كان عليه قبل الثورة، لقد تمكنت ثورة تموز المجيدة أن تتعاطى مع كل دول العالم بفكرها الإنساني المستمد من فكر البعث، فمثلت العراق وشعبه والأمة العربية تمثيلاً مشرفاً، وهي التي آمنت بالانفتاح بعلاقات متوازنة مع كل دول العالم عدا الكيان الصهيوني، الذي اعتبرته العدو الأول والأخطر للوجود العربي.

أيها المناضلون الشرفاء
يا أبناء أمتنا العربية
لقد تمثلت القيمة الحقيقية لثورة تموز في تنفيذها لخطط التنمية والبناء لتحقيق أهدافها المرسومة للارتقاء بالعراق والأمة، بما في ذلك إيمان الثوار بوطنيتهم وعروبتهم، وإثبات هذا الانتماء من خلال الإيمان بالقدرات الهائلة التي يمتلكها الشعب، الأمر الذي منحهم القدرة الهائلة للاعتماد على قدراتهم الذاتية بعيداً عن أي طرف خارجي، فكانت الثورة وطنية خالصة، أفرزت نتائج تاريخية عظيمة عبر مسيرتها الطويلة المحفوفة بالكثير من التحديات، فأنتجت الثورة والبعث والشعب عراقاً قوياً وواقعاً عربياً مختلفاً عما قبلها، ومضت في مسيرتها التي امتدت لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً بكل اقتدار وثبات إلى أن قَدِمَت جيوش أكثر من ثلاثين دولة تتزعمهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكيان الصهيوني لتغتال الثورة التي عجزت عشرات المؤامرات الداخلية والخارجية عن اغتيالها.

يا أبناء شعبنا العربي الأبي
كم نتمنى نحن العرب، كما يتمنى العراقيون، الذين ننتمي معهم في الدم واللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، أن يعود العراقُ عروبياً قوياً سيداً مستقلاً، يعيد بناء ذاته ويخدم شعبه، وبما يليق بتاريخه وشعبه الأصيل، يهتم بمصلحة الوطن وبناء الإنسان العراقي، لا يكون مسرحاً للصراعات والمحاور وتنفيذ الأجندات الطائفية والمشروعات التوسعية الهدامة التي يسعى أعداؤه لنشرها في أرضه.

لابد للعراق أن يعود إلى صورته التي تليق به وبتاريخه وبثقافته وبكبريائه، تلك الصورة التي يحاول الاحتلال الإيراني ونظام الولي الفقيه أن يمحوها بكل طاقته وأذرعه وسياساته، صورة العراق المستقل بقراره، المكمل لعمقه العربي، دولة قيادية على المستويات الدولية والعربية والإسلامية، بما تملكه من قدرات وإمكانيات، وتاريخ وأصالة ممتدة في أعماق التاريخ.
تحية للأبطال الذين صنعوا ثورة تموز في السابع عشر، وصححوها في الثلاثين، فأعادوا للعراق بوصلته القومية العروبية، ورفعوا مكانة الأمة عالياً بين أمم الأرض.
تحية للأرواح الطاهرة التي فجرت ثورة تموز، يتقدمهم الأب القائد أحمد حسن البكر.
تحية لثوار تموز القائد الشهيد المعلم صدام حسين ، والرفيق صالح مهدي عماش، ورفاقهما شهداء البعث العظيم، الذين ما رضخوا لمحتل ولا غاصب.
تحية لروح المناضل المجاهد العربي الأصيل عزة إبراهيم، الذي واصل نضاله وجهاده منذ ما قبل تموز ١٩٦٨ حتى فاضت روحه لبارئها العزيز.
تحية لكل شهداء الأمة، وفي مقدمتهم شهداء فلسطين العربية.

تحية لكل مناضلي الأمة العربية، على امتداد رقعتها الجغرافية، وتحية فخر واعتزاز بثوار العراق الأبطال، صانعوا مجد العراق والأمة القادم.
ودمتم للنضال، والمجد والخلود للأمة.

المحامي احمد النجداوي
الامين العام للمؤتمر الشعبي العربي
١٨ يوليو تموز ٢٠٢١





الاثنين ٩ ذو الحجــة ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / تمــوز / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.