شبكة ذي قار
عـاجـل










الغزو الأمريكي للعراق …استهداف للأمن القومي العربي.

 بقلم: إياد العناز

 

نستذكر هذه الأيام الذكرى التاسعة عشر لبدء طائرات العدوان الأمريكي-الأطلسي بالتحليق في سماء بلدنا الحبيب العراق في 19 آذار 2003 ونحن نعيش في ظروف ومنعطفات مؤثرة وحاسمة تحدد مسارات ومستقبل بلدنا وشعبنا، ولكن علينا أن ندرك حقيقة واضحة وميدانية هي فشل الإدارة الأمريكية في إقامة نظام سياسي في العراق واعتبار العراق واحة ديمقراطية للشرق الأوسط ونموذجاً للعلاقة بين الشعب وحكومته ولم يتمكن القائمون على الملف العراقي في الإدارة الأمريكية من تحقيق هذه الأحلام والأمنيات، فأصبح العراق مرتعاً للفساد السياسي والاقتصادي ولنهب الثروات والمال العام، وضيعة كبيرة تدار من قبل أجهزة النظام الإيراني، ومثالاً للقتل والتدمير والترويع وسفك الدماء ومزيداً من الاغتيالات والاعتقالات وعمليات الخطف، وصوراً لمدن وأقضية أصبحت أطلالاً وخراباً، وعدداً من ملايين النازحين والتاركين لدورهم ومدنهم بسبب الإجراءات التعسفية والعمليات العسكرية التي دارت رحاها طيلة السنوات الماضية، هذا هو العراق الذي بشرت به الإدارة الأمريكية، وهذه هي سياستها تجاه شعب العراق الذي أرادته ليكون دليلاً صارخاً لسياستها الرعناء.

أصبح العراق بلداً ضعيفاً منهكاً تتقاذفه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وتنعدم فيه سبل العيش الكريم والحياة السعيدة الهانئة، وشعبه يعاني ويكابد ويصارع ضنك العيش وانعدام الخدمات والعناية الصحية والرعاية الاجتماعية والتربوية والتعليمية وزيادة البطالة وانتشار الرشوة والمحسوبية والفساد والافتقار لأبسط مستلزمات الحياة.

كان يوم 19 آذار 2003 إيذاناً باحتلال العراق وأراضيه والسيطرة على ثرواته والتمكن من إسقاط نظامه السياسي والتي سعت الإدارة الأمريكية لتحقيقه كهدف استراتيجي لها في منطقة الشرق الأوسط، فكان الهدف المعلن من العدوان على العراق هو تجريده من أسلحة الدمار الشامل ونزع كافة الأسلحة النووية والكيمياوية والبيولوجية التي أدعى المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون حيازتها من قبل العراق وأنها تهدد الأمن والسلم في العالم مع تصريحاتهم المعلنة حول علاقة العراق بالمنظمات الإرهابية وتقديم الدعم والمساندة للإرهاب، وأثبت الوقائع الميدانية على الأرض والتي جاءت بعد أشهر من احتلال العراق أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها كانوا مصممين على احتلال البلاد رغم معرفتهم بكل المغالطات والأكاذيب التي حاولوا بها خداع المجتمع الدولي بعدوانهم على العراق.

جاءت مقررات اللجنة الأمريكية التي شكلها الرئيس بوش الابن بعد أشهر من الاحتلال برئاسة (ديفيد كي) الذي قدم تقريراً مفصلاً متكاملاً في الثالث من تشرين الأول 2003 إلى مجلس الشيوخ الأمريكي أعلن فيه عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل بعد مسح ميداني لأراضيه وجميع المواقع التي كانت أمريكا تدعي وجود الأسلحة فيها وعدم تمكن فرق التفتيش الدولي من الوصول إليها، وأشار إلى أن الوضع في العراق الآن أخطر مما كان قبل شن الحرب عليه مما حدا بالرئيس بوش إلى إنهاء أعمال اللجنة في كانون الثاني 2004 لأنها أثبت حقيقة زيف وخداع وافتراءات دول العدوان وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية وادعاءاتها الفارغة التي كانت تسعى فيها إلى غزو العراق واحتلال أراضيه، وتنفيذ المشروع العدواني الأمريكي في الوطن العربي، واعتماد العراق قاعدة استراتيجية للانطلاق نحو التغيير السياسي الذي يخدم الأهداف الميدانية لأمريكا.

وثبت أن العراق ليس لديه أي علاقة بالتنظيمات الإرهابية المتمثلة بالإرهاب الدولي ولا بقياداته الميدانية المرتبطة بالقاعدة ولم يثبت أن العراق كان يهدد الأمن الدولي والسلم العالمي، وهذا ما أعلنته الأجهزة الاستخبارية الأمريكية والبريطانية بعد الاحتلال وأشارت فيه إلى الفوارق الفكرية والعقائدية بين تنظيم القاعدة والقيادة العراقية التي كانت تحكم العراق قبل الاحتلال.

أكد الاحتلال حقيقة الخديعة الكبرى التي جاء بها (كولن باول) وزير الخارجية الأمريكي إلى اجتماعات مجلس الأمن الدولي في شباط 2003 والتي روجها بين الأعضاء الدائمين وقوله زوراً وبهتاناً أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وهذا ما خالفه فيه حينها (هانز بليكس) رئيس مفتشي الأمم المتحدة والمسؤول بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق بأن فريقه (لم يعثر على أي أسلحة نووية وبيولوجية وكيمياوية )، هذه المغالطات والافتراءات والادعاءات الكاذبة والمخالفة لقوانين وأنظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية التي تحدد علاقات الدول فيما بينها أدت إلى احتلال العراق وتدمير وانتهاك صارخ وجسيم لبلد كبير كان له عمقه وتواجده وتأثيره الدولي والإقليمي والعربي وضياع لحقوق وإنجازات وطموحات شعب كريم وعزيز وذو حضارة عميقة الجذور عبر العصور والقرون، فكانت جريمة الاحتلال التي ارتكبها جورج بوش الابن بحق شعب العراق واحتلال أراضيه وانتهاك حرماته والسيطرة على ثرواته والعبث بأمنه الداخلي وتعميق الانشقاق والتمزيق بين نسيجه الاجتماعي المتماسك .

أسس الاحتلال الأمريكي لمفاهيم انعدام دولة المواطنة وأصبحت الأدوات التي تقود البلاد هي مجموعة من عناصر وشخصيات تنتمي لأحزاب سلطوية هدفها الطموحات الشخصية والغايات الفئوية والمصالح التي تدر عليها الأموال والمنافع الذاتية، فعم الفساد السياسي والإداري والاقتصادي في العراق وأصبح السمة الأساسية في المشهد العراقي وابتعدت الكثير من المفاهيم والقوانين التي كانت تدار بها الدولة قبل الاحتلال، وبدأ المواطن العراقي يلمس حقيقة وطبيعة وحجم الأخطار المحدقة التي جاء ت بها العملية السياسية في العراق والتي رعتها وساندتها الإدارة الأمريكية التي كانت هي العنصر الفعال في إرساء دعائم وركائز هذه العملية التي تخدم مسارات السياسة الأمريكية واستراتيجيتها في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط.

هذه هي حقيقة العدوان الأمريكي على شعب العراق وأرضه وحضارته ومن يراهن على الإدارة الأمريكية وأدواتها فإنه واهن لأن أعداء شعبنا وأمتنا لا يعرفون ولا يسعون إلا لمصالحهم وأهدافهم.






السبت ١٦ شعبــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / أذار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب إياد العناز نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.