شبكة ذي قار
عـاجـل










في الذكرى الخامسة والسبعين للتأسيس

البعثيون بالمبادئ مستمرون

 

محمد حلاوي

 


في مناسبة حديثه عن مرحلة نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي، ضمن مقابلة جرت معه بتاريخ 4/5/1987، يقول الباحث والأستاذ الجامعي الدكتور مصطفى دندشلي مسؤول المركز الثقافي للبحوث والتوثيق، ما يلي:

"أذكر إننا في العام 1953 قد ذهبنا حوالي عشرة بعثيين في صيدا لمقابلة الأستاذ ميشيل عفلق في أحد مقاهي بيروت وأعتقد أنه مقهى نصر في الروشة، وهي أول مقابلة لنا مع الأستاذ ميشيل الذي كان قد غادر سوريا حينذاك هو وصلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني هرباً من ديكتاتورية أديب الشيشكلي آنذاك. غير أنه لم يبق في ذهني شيء يذكر من حديث الأستاذ، إنما الذي أذكره تماماً إننا خرجنا من هذا الاجتماع معجبين بحديثه الهادئ وفخورين بانتسابنا إلى الحزب وفرحين جداً باجتماعنا مع مفكر الحزب ومؤسسه".

في هذه الفترة من أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي بدأ ميشيل عفلق وأقرانه مرحلة خوض العمل الوطني الفكري والسياسي مستلهمين مفاهيم الحرية والديمقراطية وتجارب نهضة الشعوب وتطورها من كبار المفكرين والتجارب العالمية آخذين بالاعتبار الواقع العربي بتراثه وإمكانياته كما من تناقضاته ومثالبه، ساعين إلى صوغ رؤية نضالية على قياس قدرات وطموحات الإنسان العربي ومزاجه التواق إلى وحدة الموقف والتخلص من بؤر التشرذم والانقسام والتخلف لدى الحكومات العربية وأعوانها في المنطقة.

وفي تلك الفترة كانت البلاد العربية تخضع لتأثيرات وتجاذبات سياسات المصالح الدولية وخاصة الدول الخارجة منتصرة في الحرب العالمية الثانية /1939 – 1945/ بالتزامن مع اندلاع الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي من جهة والدول الغربية من جهة ثانية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وانكلترا وفرنسا والتي شرعت بتشكيل علاقات مع دول المنطقة بغية ربطها بها والهيمنة عليها واستغلال مواقعها وثرواتها، فأنشأت حلف الأطلسي في العام 1949 وحلف جنوب شرق آسيا وحلف بغداد في العام 1956، وكذلك أقامت ٧مشاريع واجهية لتغطية أهدافها السياسية بالهيمنة على دول المنطقة، كمشروع آيزنهاور والنقطة الرابعة بعد فشل العدوان الثلاثي الإنكليزي الفرنسي الإسرائيلي على مصر، أثر إعلان الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، إضافة إلى ما شهدته المنطقة من تآمر هذه الدول على الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه في العام 1948 والحاق الهزيمة بالجيوش العربية.

كان لهذه الأحداث الأثر الكبير على المستوى القومي الذي ولد لدى الشعب العربي خيبة أمل بالأنظمة العربية القائمة، بحيث أخذ قادة الرأي العام وخاصة المثقفون والمفكرون النهضويون يتطلعون لمعالجة هذا الواقع العربي المتداعي، فكان في طليعتهم ميشيل عفلق وأقرانه الذين بادروا لإنشاء حركة معبرة عن حاجة المجتمع العربي باسم حزب البعث العربي شعارها: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. وأهدافها النضال لتحقيق وحدة الأمة وشد أواصرها في بيئة تسودها الحرية والعدالة والاشتراكية والمساواة بين جميع أبناء الوطن كي يعبروا الأنفاق المظلمة، بالوصول إلى بر الأمان وتجسيد الرسالة الخالدة وتحقيق الأهداف السامية في وحدة الأمة وتقدمها وتحررها.

واليوم بحلول الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي إذ نستذكر جيلاً من المؤسسين وأجيالاً متتالية من المناضلين، نقف أمام حالة البلاد المحزنة سواء في لبنان أو سواه في أقطار الوطن العربي بفعل مواقف الأنظمة الرسمية المتشرذمة والممعنة فساداً واستبداداً في الواقع العربي والمتصارعة فيما بينها والمرتهنة لسياسات القوى الأجنبية، نرى في هذا الجيل المنتفض في أكثر من قطر والرافض لمواقف هذه الأنظمة، ظاهرة محاكاة لتاريخ صيدا الخمسينيات بشبابها الطلاب العشرة من كلية المقاصد الخيرية الإسلامية الذين قصدوا ميشيل عفلق ليستمعوا إليه عائدين "فرحين مسرورين" متأهبين للعمل والنضال على أساس سياسة المبادئ ولإجلاء الليل الحالك عن هذه الأمة. وما هذه الانتفاضات المتعددة الأماكن والأوقات سوى الدليل الساطع على أنه لا يزال في لبنان وسائر الأقطار من الضمائر الحية والعقول النيرة الثائرة ما يبشر بأن أجيال هذه الأمة متمسكون بالمبادئ والأهداف والتي في سبيلها قدم البعثيون التضحيات الجسام وهم على الدرب مستمرون.  


 






الاثنين ٩ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب محمد حلاوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.