شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما يتحول الفيتو إلى أداة لتبرير العدوان وشرعنة القتل

أحمد صبري

 

لَمْ تشهد البَشَريَّة ـ بعد أن وضعت الحرب العالَميَّة الثانية أوزارها عام 1945 ـ استخدامًا للفيتو من قِبل الولايات المُتَّحدة لتعطيل قرارات كانت تصبُّ لصالح فضِّ النزاعات بالطُّرق السلميَّة وهي كثيرة، الأمْرُ الَّذي انعكس على أوضاع المنظَّمة الدوليَّة الَّتي هيمنت واشنطن على مقدراتها وانحراف بوصلتها، ليس للسِّلم والأمن الدوليَّين ـ وإنما إلى تطلُّع الكثير من الدوَل الَّتي اكتوت بنيران وكوارث الاستخدام الأميركي للفيتو الَّذي تحوَّل إلى أداة للقتل وتبرير العدوان، وتعطيل الجهود المخلِصة لدرء المخاطر على الشعوب. وحتَّى لا نستغرق بالتفاصيل فإنَّ غزَّة وشَعب فلسطين عامَّة كانت ضحيَّة هذا الاستخدام المنحرف والمنحاز دومًا وتداعياته على مستقبل شَعب اغتُصبت أرضه من كيان متسلِّح بهذا السِّلاح الَّذي أدَّى إلى تكريس الاحتلال وإنكار حقِّ الشَّعب الفلسطيني في دَولته القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف. ولولا الفيتو الأميركي وإشهاره ظلمًا بوَجْه العالَم الَّذي ضاق ذرعًا من عمليَّات القتل والتهجير والعقاب الجماعي، وقضم الأرض الفلسطينيَّة لَمَا كان لهذا الكيان أن يتمادى مع سبق الإصرار على تهويد فلسطين والإفلات من العقاب. إنَّ الفيتو الأميركي وصل إلى حدٍّ لا يُمكِن السكوت عَنْه أو تبريره، لا سِيَّما الضغط على «إسرائيل» لتمرير مساعدات العالَم لشَعب غزَّة، وهو موقف يرتقي إلى حدِّ المشاركة بالقتل، وإمعانًا بالعقاب الجماعي للشَّعب الفلسطيني. لقَدْ تحوَّل الفيتو الأميركي في مجلس الأمن إلى شرعنة الاحتلال ومنع محاسبة رموزه الَّذين لَنْ يتورَّعوا عن التهديد في استمرار مُخطَّط التهجير والقتل والعقاب الجماعي، وإنكار حقِّ الشَّعب الفلسطيني في الحياة، والعيش بكرامة على أرضه. فهذا الفيتو سبق وإن استخدمته واشنطن في تبرير فرض الحصار على العراق والعدوان على أرضه، وعطَّل سَعْيَ الداعين لمنعِ الخيار العسكري في تعاطيها مع الملف العراقي الَّذي أدَّى إلى احتلاله وتدمير بنيته، وضياع مستقبله، كما الصورة الَّتي تتكرر في الغطاء الأميركي لـ»إسرائيل» لِنَفْس الأهداف الَّتي تسعى لتحقيقها في فلسطين. إنَّ المقاومة العراقيَّة الَّتي أجبرت جيش الاحتلال الأميركي على الانسحاب من العراق عام 2011 وسطَّرت أروع الملاحم في الفداء والتضحية، أكيد أنَّ المقاومة الفلسطينيَّة في معركة طوفان الأقصى كانت حافزًا لهؤلاء الأبطال في مقارعة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيًّا رغم طغيان العدوِّ الصهيوني وآلته الحربية الَّتي تغذِّيها واشنطن بالسِّلاح والمال، في محاولة للإمعان في قتلِ الفلسطينيِّين. فالفيتو الأميركي الَّذي عطَّل عدَّة مشاريع متوازنة في مجلس الأمن قوبلت برفض أميركي من دُونِ أن ترعوي من مخاطر تعطيل هذه المشاريع الَّتي أصبحت شريانًا لإدامة الحياة بعد أن تقطَّعت بالصَّابرين والصَّامدين السُّبل. وأمام العالَم تستعرض «إسرائيل» أحدث فنون القتل الجماعي والفردي، وتهديم البيوت على ساكنيها، وهذا لَنْ يتحقَّقَ لولا الدَّعم والتحريض الأميركي الَّذي أصبح شريكًا بشكلٍ مباشر بالعدوان على شَعب فلسطين. ومهما تمادت «إسرائيل» وشريكتها الولايات المُتَّحدة في مسار التدمير الممنهج ضدَّ الشَّعب الفلسطيني فإنَّها لَمْ تستطع أن تقتلعَه من أرضه وأنَّ معركة طوفان الأقصى هي الدليل على تمسُّك المقاومة الفلسطينية بحقِّها المشروع في الدِّفاع عن النَّفْس، وهي مَنْ سوف ترسم ملامح المشهد في اليوم التالي بعد تحقيق الانتصار على العدوِّ الصهيوني وليس غيرهم بعد أن يختفيَ (النتن ياهو) من المشهد كمُجرِم حرب مهزومًا أمام إرادة الشَّعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.






الثلاثاء ٢٠ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب أحمد صبري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.