شبكة ذي قار
عـاجـل










القيادة العامة للقوات المسلحة

بيان رقم (169)

في الذكرى (103) لتأسيس الجيش العراقي الباسل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} .﴿٦۰﴾ الانفال.

                                                          صدق الله العظيم

 

أيها الشعب العراقي العظيم

أيها النشامى من أبناء قواتنا المسلحة الباسلة

أيها الأحرار في كل مكان

تمر علينا في هذا اليوم المبارك الذكرى الثالثة بعد المئة لتأسيس جيشنا العراقي العريق، والذي نحتفي به وإياكم بعيده المجيد من كل عام لما لمآثره الوطنية والقومية الثرة من مفاخر وأمجاد وانتصارات في كل سوح الوغى ضد الغزاة الذين ما انفكوا في استهداف شعبنا وأمتنا، فروت دماء أبنائه الزكية تراب الوطن والأمة دفاعاً عنهما ببسالة نادرة وبلا هوادة أو تلكؤ.

إن جيش العراق العظيم صاحب التجربة الغنية والخبرة المشهودة، إنما يمثل الامتداد الحقيقي لجيوش العراق القديم، في عهد سومر وآكد وبابل وآشور، وهو الامتداد الشرعي لجيش القادسية ونهاوند ضد العدو الفارسي إبان الفتوحات العربية والإسلامية الكبرى في شرق المعمورة، وهو الذي خاض المعارك بجبهات القتال كافة في فلسطين والأردن وسوريا ومصر، وأذاق العدو الصهيوني مر الهزائم في الأعوام 1948، 1967، 1973، كما أنه أول من دك تل أبيب والمواقع الصهيونية الاستراتيجية عام 1990 بـ 43 صاروخاً من صواريخ الحسين. فهو جيش الأمة العربية أينما تَطَلَّب الموقف للدفاع عنها. وتلك هي السودان وموريتانيا والجزائر ولبنان تشهد لمقاتليه الأشاوس تضحياتَهم واندفاعهم للدفاع عن أقطارهم ضد الغزاة والمعتدين.

إنه أيها الأخوة جيش القادسية الثانية المجيدة الذي فرض بإيمان مقاتليه الأشاوس وقدراتهم الفذة وتدريبهم الراقي وتسليحهم وإرادتهم الصلبة السم الزعاف ليتجرعه ذلك المشعوذ الفارسي الدجال الذي أراد إعادة الإمبراطورية الفارسية من بوابة العراق الأشم عبر ثمان سنوات من المآثر القتالية التي سطرها الأبطال في المعارك المتتالية. وهو جيش أم المعارك الخالدة في التصدي لأكثر من أربعين جيشاً حشدوا كل امكاناتهم لتحطيم إرادة الشعب وتهشيم أواصر الوحدة الوطنية وتهديم البنية التحتية، فخاب فألهم بعزم وحزم الرجال الذين قاتلوا ودافعوا عن وطنهم الغالي بكل غال ونفيس. كما لابد في هذه الذكرى العطرة من استذكار واستحضار الفعل البطولي لرجال هذا الجيش الباسل في ثورات العراق الوطنية في الأعوام 1941 و1958 و1963 وفي ثورة السابع عشر من تموز عام 1968 الخالدة.

وبذلك فهو امتداد عظيم لسفر خالد من الجهاد والقتال ضد أعداء الشعب والوطن والأمة ومدافعاً عنيداً عنهاً.

 

يا أبناء شعبنا العراقي العظيم

 لقد ساهمت قيادة العراق الوطنية وبذلت جهوداً كبيرة في إعادة بناء جيش العراق العظيم، وإعادة تجهيزه وتسليحه بأحدث الأسلحة والتجهيزات والمعدات حتى أصبح واحداً من أهم الجيوش في المنطقة، وقد ظهر ذلك خلال معركة القادسية المجيدة، خلال حرب السنوات الثمانية مع إيران، والتي قدم فيها شعبنا العراقي العظيم وجيشه الباسل المغوار أغلى التضحيات، وكانت صدور رجاله الدرع الواقي والسد المنيع تجاه أدعياء تصدير ما يسمى بـ (الثورة الإسلامية) المرتبطة بالزيف والبهتان على أمة الإسلام، فكانت سلسلة المعارك التي خاضتها قواتنا المسلحة من أعظم المعارك التي عبرت خلالها عن ارتباطها بتاريخها العربي الإسلامي فكراً وتنظيماً وتخطيطاً وإدارة، سواء على المستوى التعبوي أو العملياتي أو الاستراتيجي، وسحقت من خلالها ما كان يحسب بأنه الجيش الخامس على مستوى العالم، فهُزِم الباطل، وتمكن جيشكم البطل من صد الهجمة الشريرة الصفراء تجاه شعبنا وأمتنا والتي يتذكر أثرها اليوم شعبنا العراقي الصابر المبتلى بالعقلية المتخلفة الحاقدة من المليشيات المرتبطة بحكام إيران الأشرار التي تسلطت عليه بعدما تكالب على العراق وجيشه الباسل كل قوى الشر الأمريكية والصهيونية والماسونية العالمية والصفوية الفارسية والغرب الكافر في سنة 2003 في محاولة بائسة ويائسة لإعادة العراق إلى العصور الغابرة من التخلف والتراجع في شتى معاني ومعالم الحياة المعاصرة من خلال السعي الخبيث والحثيث لزرع الفتنة الطائفية وتدمير كل القدرات النهضوية الصناعية والزراعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، ونسوا وتناسوا أن الله تعالى أنعم على عراقنا الغالي بقدرة النهوض واستعادة أمجاده حتى وإن استخدم الأعداء كل ما لديهم من وسائل وأساليب لإبادة الشعب ومحو هويته الوطنية العروبية الإسلامية الراسخة.

 

يا أبناء وطننا الأعزاء

لقد تطور حجم جيش العراق خلال حرب الثمان سنوات ضد إيران بشكل كبير، فأصبح يضم عديد من الفرق الآلية والمدرعة وفرق المشاة التي انتظمت في فيالق وقيادات واسعة وعديدة تحمل الأسماء الرمزية لأبرز قادة العروبة والإسلام ومسميات أهم المعارك الفاصلة في حياة العرب، فكانت قوات عمورية وحطين والقادسية واليرموك والرشيد تُمثل فيالقه، بينما سميت فيالق الحرس الجمهوري بـ( الله أكبر، والفتح المبين)، أما قيادات الفرق فكان خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص والقعقاع والمثنى والمقداد ومحمد بن القاسم وسارية الجبل وصلاح الدين والمدينة المنورة وحمورابي ونبوخذ نصر وبغداد وغيرها نصيباً من مسميات شامخة ليستقي منها الأبطال كل معاني الروح المعنوية العالية في سوح القتال.

كما تطورت صنوفه وأسلحته البرية والجوية والبحرية والصاروخية، مثلما أفرزت تلك الحرب الطويلة القادةَ الأفذاذ الذين تميزوا بالعطاء الثر والأداء المتميز، فكانوا عنواناً كبيراً ونموذجاً مذهلاً للعقل الاستراتيجي الجوال والفكر النير والشجاعة النادرة والقيادة العسكرية الحكيمة لقواتهم.

 

أيها الأحرار في العالم

إن أكثر ما يزعج أعداء العراق اليوم هو هذا الإرث الطويل والتاريخ المجيد لجيش العراق ورجاله الأشاوس الذين تميزوا بالانضباط العالي والشجاعة والأداء الوطني المتميز، ولذلك فإن الغزاة والأشرار والخونة المتعاونين معهم كانوا ينتظرون لحظة الاحتلال العسكري البغيض لعراقنا العزيز ليستهدفوا هذا الجيش الباسل، فكان قرار حل جيش العراق والأجهزة الأمنية واحداً من أخطر القرارات التي اتخذها العدو الغازي في محاولة إنهاء دوره ودور رجاله الأفذاذ، ولكن البناء الوطني الحقيقي لأبناء العراق الشجعان وأبناء الجيش البواسل دفعهم إلى الاستمرار في أدائهم الوطني المشرف، فما أن بدأت فصول وفصائل المقاومة الوطنية المسلحة ضد الغزاة حتى تبين أن لرجال القوات المسلحة الدور القيادي والمهم في المقاومة سواء في التخطيط والتنفيذ والإدارة والقيادة وفي تثوير الشعب وتذكيره بحقيقة الاحتلال وجرائمه الكبرى بحق شعبنا العظيم وجيشنا الباسل الجسور.

 

يا أبناء شعبنا العراقي العظيم

إن القيادة العامة للقوات المسلحة وبكل رجالها من القادة والآمرين والضباط وضباط الصف والجنود، ومن حولهم شعب العراق، وهي تحتفي بهذه المناسبة العزيزة على قلوب الأحرار فإنها تؤكد بأنها تلتف حول شعبنا وتقف معه وهو يتلمس طريق الخلاص والنهوض من براثن الإحتلال ونتائج غزوه ومن كل السياسات الخاطئة التي قادته إلى التخلف والنكوص عن دوره الوطني والقومي كواحد من أهم شعوب المنطقة دوراً وتأثيراً وعطاءً إنسانياً مشهوداً.

كما إنها تذكر بأن جيش العراق كان على الدوام يمثل عنصر التوازن المهم في حفظ التجانس بين أبناء الشعب بما كان يضم بين ثناياه كل أطياف شعبنا العزيز من الأديان والقوميات والمذاهب والمناطق والقبائل كافة ، وإن غيابه المؤقت المفروض قد ساهم في الاخلال في هذا التوازن، وزاد من حالة التمزق الاجتماعي التي يشهدها بلدنا اليوم، والتي أصبحت تهدد مصالحه العليا في الصميم، إنما تؤكد بأن يوم الخلاص قد آن أوانه واقترب في عودة العراق إلى مجده التليد الخالد بعد هذا الصبر الطويل والمعاناة الكبيرة، فالاستعانة بالله أولاً، ومن ثم الاستناد إلى الشعب الجبار الذي كشف كل التزييف والتغليف والتحريف الذي حاول الخونة المتسلطون على مقدراته تجميل صورهم الكالحة، إنما هي بشائر خير لسحق هؤلاء الأشرار بأقدام أبناء قواتنا المسلحة الباسلة وشعب العراق المحتسب. وإن النصر آت لا محال وأضحى لناظره قريب بعون الله.

وفي هذه المناسبة الميمونة ونحن نستذكر جزءاً يسيراً من تاريخ جيشنا الجسور لابد لنا أن نستذكر أرواح شهدائه البواسل الذين روت دماؤهم أرض العراق الطاهرة، وأن ندعو كل صاحب ضمير حي إلى إطلاق سراح قادته الأفذاذ الذين يقبعون في السجون والمعتقلات منذ سنوات طويلة وذنبهم الوحيد أنهم دافعوا عن بلادهم بعز وشرف وعطاء غير محدود.

التحية والتقدير والعرفان إلى كل من ساهم في بناء هذا الجيش الوطني وسعى لتطويره يتقدمهم شهيد الحج الأكبر الرئيس صدام حسين رحمه الله ، وإلى من قاده في ملاحم الدفاع عن الوطن تجاه التهديدات التي تعرض لها.

والتحية المقرونة بالتهاني إلى قادة وأبطال ملاحم القادسية المجيدة والمعارك الكبرى في الذود عن الوطن ضباطاً ومراتب من مختلف الصنوف والأسلحة.

عاش جيش العراق الجسور صاحب السفر المجيد، وعاش رجاله الغر الميامين.

تحية إلى شعبنا العراقي العظيم من أقصى شماله إلى أقصى الجنوب.

والمحبة والتقدير والاعتزاز لكل من آمن بالعراق العظيم واحداً موحداً مستقلاً.

 

القيادة العامة للقوات المسلحة

بغداد المنصورة بإذن الله

6 كانون الثاني




الجمعة ٢٣ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
مواضيع الكاتب القيادة العامة للقوات المسلحة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة
مكتب الثقافة والإعلام القومي - لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي د. عامر الدليمي في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة، كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك، والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية. إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا. إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.